الرئيسية / مقالات / ميلاد السيد المسيح عليه السلام (ح 6) (فأشارت اليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا)

ميلاد السيد المسيح عليه السلام (ح 6) (فأشارت اليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا)

فيينا / الأربعاء 25 . 12 . 2024

وكالة السيمر الاخبارية

د. فاضل حسن شريف
عن تفسير الميسر: قوله عز وجل “فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا” (مريم 29) فَأَشَارَتْ: فَ حرف استئنافية، أَشَارَتْ فعل، كان في المهد صبيّا: وُجد في فِراش الصّبية رضيعا. فأشارت مريم إلى مولودها عيسى ليسألوه ويكلموه، فقالوا منكرين عليها: كيف نكلم مَن لا يزال في مهده طفلا رضيعًا؟ وجاء في تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله عز وجل “فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا” (مريم 29) “فأشارت” لهم “إليه” أن كلموه، “قالوا كيف نكلم من كان” أي وجد “في المهد صبيا.
وعن نشأة العصمة يقول الشيخ جلال الدين الصغير: قوله تعالى: “وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً” (النحل 78) فهي دالة على إن الإنسان يولد حين يولد وهو لا يعلم بأي شيء، بينما العصمة هي حالة علمية واعية بكل شيء، وعدم قيمة هذا الرأي واضحة لكونه يغفل تخصيصات القرآن ففي قوله تعالى: “فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً” (مريم 29-30) يخصص هذا الاطلاق ويضرب المثل بعيسى عليه‌ السلام الذي جعله نبياً ولما يزل في المهد صبياً، ومن الواضح أن النبوة أعلى درجة من العصمة. فإنها تنفي عندئذ أي غرابة من أن تجد ذلك الطفل يبعث نبياً ولما يزل في المهد صبياً، ويتمكن من الحكم ولما يزل في مرحلة الطفولة، ولئن كان هذا الأمر سارياً على عيسى ويحيى عليهما‌ السلام، فما بالك بنبينا الأعظم وآله الكرام؟. فلو لم تكن الولاية فعلية لما كان بإمكان عيسى عليه السلام أن يتحدث مع قومه بهذه الطريقة التي قد تتكرر في كل آن، وفي كل مكان كان يحل فيه عيسى عليه السلام وليس عيسى عليه السلام بأفضل من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. قوله سبحانه “تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا ۖ وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ” ﴿المائدة 110﴾ ومع هذه الدلائل الناصعة فقد انقسم الناس تجاهه إلى: كفرة به، ومشركين بالله، وقلة من المؤمنين، وآخرين قالوا هو ابن الله تعالى، ومنهم من قال هو ثالث ثلاثة، وتلاشت رسالته في المحبة والسلام إلا عند الحواريين وجملة من الصالحين، وأخيراً إجتمعوا على قتله صلباً، فشبه لهم في أمره، ورفع إلى السماء بأمر الله تعالى.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله عز وجل “فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا” (مريم 29) في هذه الساعة، سكتت مريم بأمر الله، والعمل الوحيد الذي قامت به، هو أنّها أشارت إِلى وليدها (فأشارت إِليه). إِلاَّ أنّ هذا العمل جعل هؤلاء يتعجبون أكثر، وربما حمل بعضها على السخرية، ثمّ غضبوا فقالوا: مع قيامك بهذا العمل تسخرين من قومك أيضاً؟ “قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا”. لقد بحث المفسّرون هنا وتناقشوا كثيراً في شأن كلمة «كان» الدالة على الماضي، إِلاَّ أنّ الظاهر هو أن هذه الكلمة تشير هنا إِلى ثبوت ولزوم وصف موجود، وبتعبير أوضح: إِنّ هؤلاء قالوا لمريم: كيف نكلم طفلا كان ولا يزال في المهد؟ والشاهد على هذا المعنى آيات أُخرى من القرآن، مثل ” كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ” (آل عمران 110)، فمن المسلم أن «كنتم» لا تعني الماضي هنا، بل هي بيان لثبوت واستمرار هذه الصفات للمجتمع الإِسلامي. وكذلك بحثوا حول «المهد»، فإِنّ عيسى لم يكن قد وُضع في المهد، بل إِنّ ظاهر الآيات هو أن مريم بمجرّد أن حضرت بين الناس، وفي الوقت الذي كان عيسى على يديها، جرى هذا الحوار بينها وبينهم. إِلاّ أنّ الإِلتفات إِلى معنى كلمة «المهد» في لغة العرب سيوضح جواب هذا السؤال، فإِنّ كلمة المهد تعني ـ كما يقول الراغب في مفرداته ـ المكان الذي يهيؤونه للطفل، سواء كان المهد، أو حجر الأم، أو الفراش، والمهد والمهاد ورد كلاهما في اللغة بمعنى: المكان الممهد الموطأ، أي: للإِستراحة والنوم. على كل حال، فإِنّ الناس قلقوا واضطربوا من سماع كلام مريم هذا، بل وربما غضبوا وقالوا لبعضهم البعض ـ حسب بعض الرّوايات ـ: إِنّ استهزاءها وسخريتها أشدّ علينا من انحرافها عن جادة العفة.
جاء في صفحة مسجد عن احكام اصطحاب الأطفال للمساجد:  ان مفردة الصبيان هي جمع لمفردة الصبي التي تعني لغويا الطفل. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا يفيد ان المفردة تختص بأي فترة من فترات الطفولة؟ هل هو الطفل الرضيع أو الصغير أو المميز أو اليافع أو الناشئ؟ كما وردت المفردة في القرآن الكريم إذ تشير إلى فترة خاصة من الطفولة. ان هذه المفردة وردت في آية تعني الرضيع: “فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً” (مريم 29). وورد في آية أخرى بمعنى الناشئ أو صغير السن: “يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا” (مريم 12)

وفق حرية الرأي والنشر يتم نشر هذه المادة والجريدة غير مسؤولة عما ينشر فيها من مواد واخبار ومقالات

اترك تعليقاً