كاظم فنجان الحمامي
قالت الأم لأبنها الذي لا يريد أن ينام: نم يا ولدي حتى لا يخطفك (أبو سبع عيون)، كنا في طفولتنا نخشى هذا العفريت المخيف، ونخشى الكوليرا التي وصلت أخبارها إلى مسامع أميرة الأمراض المنبعثة من رماد الماضي البعيد، فخرجت الأميرة من مخبئها السري، وقعدت القرفصاء – كبائعات الباقلاء – في ركن معتم من أركان خيمة السيرك السياسي، ثم اعتلت منصة منخفضة، ووقفت بإزاء ميكرفون معطوب، موجهة خطابها التحذيري للضحايا، الذين كانوا في نعوشهم المحمولة نحو المقابر المحفورة سلفاً لاستقبالهم، قالت لهم: إن لم تسمعوا خطابي الذي لن تنقله الفضائيات، فلا تغادروا قبوركم حتى لا تتسرب فيروساتكم المشاكسة إلى دول الجوار. ثم بعثت لهم برسالة، قالت فيها: أنا اكتب لكم رسالتي التحذيرية باللغة السنسكريتية لأني أعلم أنكم لا تجيدون القراءة ولا الكتابة. سوف أضع الرسالة في حقيبة ممثل اليونسيف، الذي لا أعرف عنه شيئاً حتى الآن، لكنهم اخبروني أنه تعرض للإصابة بمرض الملاريا قبيل احالته إلى التقاعد، لذا سأعلقها في دواليب قاطرة عاطلة من قاطرات محطة قطار (البطحة) كي تصل إلى قرية (حمد) في (الريل) المتوجه إلى سوق الشيوخ، فأن لم تصلكم فخذوها من أقرب صيدلية خافرة في (الغبيشية)، أو استلموا نسخة منها في مهب الريح، أو اجلسوا بجوار أي مستشفى من مستشفيات الأهوار حتى لو كانت قيد الانشاء. أما بخصوص خدماتنا الفورية المؤجلة، التي يفترض أن نقدمها في السنوات الكبيسة لضحايا الإرهاب الكوليري، فسوف نأمر بتشكيل مؤسسة وهمية لرعايتهم والاهتمام بشؤونهم، يرأسها عنصر فضائي بدرجة مدير عام، وسيكون مسؤولا عن تشغيل أموال معظم الذين فارقوا الحياة. اما بخصوص الذين مازالوا يتلقون علاجهم البدائي في الأرياف المنسية، فلا نستطيع التكهن بمواعيد موتهم، وبالتالي لن يكون بأماكننا أن نؤكد لزواجاتهم فيما إذا سيصبحن من الأرامل. أم سيكون مصيرهن مثل مصيرهم.
في ختام رسالتها، أكدت أميرة الأمراض المنبعثة من الرماد. أن العام الماضي سيشهد تحسناً ملحوظاً في الظروف الصحية، وان الدولة ستعقد مؤتمرها الوقائي الطارئ للتباحث مع عزرائيل من أجل تحديد الأعمار المشمولة بالترحيل القسري إلى العالم الآخر، وستهتم الحكومة بإرسال الحالات المستعصية إلى مستشفيات الجزر الأرخبيلية، التي لم يكتشفها المستكشف الإسباني كولومبس في مغامراته البحرية، عندما قطعت سفنه المحيط الأطلسي نحو خليج الأنتيل.
لقد وصل الأوربيون إلى جزر كولومبس، وتوغلوا في الأرض الجديدة (القارة الأمريكية)، فجلبوا معهم أمراض الجدري والحصبة والطاعون والكوليرا، بينما انفرد جماعتنا بإعادة توطين وباء الكوليرا في مدننا الفقيرة، لكن الكوليرا تمردت عليهم كعادتها، وخرجت عن سيطرتهم، لتعلن عن رفضها التقسيمات الطائفية التي آمنوا بها، والتزموا بنهجها، فانتقلت مع مياهنا الملوثة، لتشمل الكوفي والبابلي، وتشمل البصري والواسطي، والكرخي والسماوي. اللهم يا رب السماء، لقد مسنا الضر، فأرحمنا برحمتك الواسعة. واكتب لمرضانا الشفاء العاجل. يا رب.