الرئيسية / مقالات / ولا تقل لهما أف ولكن اقتلهما

ولا تقل لهما أف ولكن اقتلهما

السيمر / الأربعاء 08 . 03 . 2017

صالح الطائي

إلى سيدتي التي وضع الله تعالى الجنة تحت قدميها في عيدها المجيد

لم أجد في الأدب العربي والعالمي كله أروع ولا أجمل ولا أعذب من قول رسول الله(صلى الله عليه وآله): “رفقا بالقوارير”. ولم أجد مثل العرب مهووسين بالبحث عن البدائل بما يتناسب مع رؤاهم وتصوراتهم، فهم بدل أن يرسموا لوحات موناليزية لهذه الكلمة الرائعة، هذا النشيد العذب، وبدل أن ينظموا القصائد والأشعار تبجيلا لها، وبدل أن يتخذوها منهجا في التعامل مع المرأة عبر التاريخ، راحوا يبحثون لها عن تفسيرات تسرق جمالها، وتحولها إلى أنةِ وجعٍ ضبابية لا روح فيها، تنحصر ببضعة نساء كن في قافلة، حتى قال قائلهم: قول النبي (ص): “يا أنجشة، رفقاً بالقوارير” كان يقصد به الصحابيات اللاتي كن يركبن الجمال في قافلة هو فيها، وكان أنجشة رجل جميل الصوت، يقود قافلة الإبل؛ التي أخذت تهتز طرباً لسماع صوته. وهنا، خاف النبي على الصحابيات، فأمر أنجشة بالكف عن الحداء، لكي لا تطرب الإبل، فتزعج الصحابيات. وقد فات هؤلاء أن القاعدة الفقهية تقول: “العبرة في عموم اللفظ لا في خصوص السبب”!
كما لم أجد في دين من الأديان السماوية والأرضية والفلسفات البشرية وصايا بالرحمة بالوالدين والرأفة بهما مثلما وجدت في رسالة الإسلام، حتى أنه منع أن يقول الولد لوالديه كلمة “أفٍ” على بساطتها، فنزل الأمر الإلهي: {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا. وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا }.
وهو الأمر الآخر الذي حاول البعض سرقة ألقه، وحصره في أضيق الزوايا، مع أن أكثر من واحد منهم، ذهب إلى أن “وقضى ربك” بمعنى: وأمرَ ربك. هكذا قال ابن عباس، وابن مسعود، وغيرهم. أما أفٍ فكلمة تقال للنهي عن التأفف من شيء تراه من أحدهما أو منهما، مما يتأذّى به الناس.
ثم قالوا في معنى أف: كلّ ما غلظ من الكلام وقبُح. وقال آخرون: الأفّ: وسخ الأظفار، والتف كلّ ما رفعتَ بيدك من الأرض من شيء حقير.فحصروا أثر الأف في هذا المعنى وحده، ولم يتحدثوا عن المنهج الرحماني الذي أراد الإسلام أن يرسخه في عقول الناس. وبدل ذلك راحوا يتفلسفون في معناها اللغوي، فقالوا: وللعرب في “أُفّ” لغات ستُّ: رفعها بالتنوين وغير التنوين وخفضها كذلك ونصبها، فمن خفض ذلك بالتنوين، وهي قراءة عامة أهل المدينة، شبهها بالأصوات التي لا معنى لها، كقولهم في حكاية الصوت غاق غاق، فخفضوا القاف ونوّنوها، وكان حكمها السكون، فإنه لا شيء يعربها من أجل مجيئها بعد حرف ساكن، وهو الألف، فكرهوا أن يجمعوا بين ساكنين، فحرّكوا إلى أقرب الحركات من السكون، وذلك الكسر، لأن المجزوم إذا حرّك، فإنما يحرّك إلى الكسر، وأما الذين خفضوا بغير تنوين، وهي قراءة عامة قرّاء الكوفيين والبصريين، فإنهم قالوا: إنما يدخلون التنوين فيما جاء من الأصوات ناقصا، كالذي يأتي على حرفين مثل: مه وصه وبخ، فيتمم بالتنوين لنقصانه عن أبنيه الأسماء. قالوا: وأفّ تامّ لا حاجة به إلى تتمته بغيره، لأنه قد جاء على ثلاثة أحرف.
هكذا تراهم يهتمون بصياغة أف لغويا، وينشغلون عن صياغتها أخلاقيا، وكأنهم يتعمدون سرقة ألقها ورونقها، ربما لأنهم تصوروا ذلك ضعفا أو تهاونا لا يليق برجولتهم، وما يجب أن يكونوا عليه من الغلظة والخشونة. وهم حتى لو اكتفوا بذلك ما كانت المرأة لتتحول إلى كيان رخيص لا يأبه به أحد. وحتى في هذه المرحلة، ومع شعورنا بالوجع، ما كنا لنثور ونغضب، لو أنهم وقفوا عند هذه الحدود، ولم يتجاوزوها، لكنهم للأسف، ذهبوا إلى أبعد من ذلك كثيرا، فأشركوا رسول الله بوهنهم ليشرعنوا لأنفسهم ما اقترفته أيديهم، وما جنته عقولهم.
وقبل أن نتحدث عن محاولاتهم إشراك رسول الله بجريمتهم، أذكِّركم بآخر أقوال رسول الله(صلى الله عليه وآله): “أوصيكم بالنساء خيراً”، تلك الوصية الخالدة التي لا تختلف كثيرا عن وصاياه فيما يخص الصوم والصلاة والعدل والإحسان وإيتاء ذا القربى والرأفة والرحمة. وقبل هذا، كان قد نهى عن قتل النساء والصبيان، عن ابن عمر، قال: “وجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي رسول الله، فنهى رسول الله عن قتل النساء والصبيان”.
ولأن هذا الحديث قيل في غزوة، تراهم وقد جردوه من أبعاده الإنسانية، وحصروه في أجواء الحرب وحدها، فخصصوا له أبوابا في كتب الحديث تحت اسم “باب قتل النساء في الحرب”. وكأن قتلهن في غير الحرب جائز مباح، وطبعا لقولهم هذا سبب سنعرفه لاحقا. لكنهم حتى مع هذا التنصيص والتخصيص، لم يلتفتوا إلى الجانب الإنساني في قول رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فاستنبطوا له ملحقا من بنات أفكارهم، يبدو من خلاله أن النبي منعهم من قتل النساء والأطفال لا رحمة بهم كما قد يظن البعض، ولكن لكي يأخذوهم أسرى، فيفيدون منهم في صولاتهم الرجالية وغزواتهم الذكورية! وهذا ما جاء عن أبي سعيد الخدري، في قوله: “نهى رسول الله عن قتل النساء والصبيان، وقال: هما لمن غلب”.
إن كل هذه المحاولات للي عنق النص، وتسييره وفق الهوى والمصلحة، كانت مدعومة بقصص، بدا رسول الله من خلالها وكأنه كان شريكا لهم في جرائمهم، ومن ذلك إدعاؤهم: أن صحابيا أعمى ـ الغريب أنهم لم يذكروا اسمه، وهذه محاولة رخيصة للتمويه ـ كانت له أم ولد تشتم النبي، وتقع فيه، فينهاها فلا تنتهي، ويزجرها فلا تنزجر. فلما كانت ذات ليلة جعلت تقع في النبي وتشتمه، فأخذ المغول وهو سيف قصير، فوضعه في بطنها، واتكأ عليها، فقتلها، فوقع بين رجليها طفل. فلما أصبح ذكر ذلك لرسول الله، فجمع الناس، فقال: أنشد الله رجلا فعل ما فعل لي عليه حق إلا قام، فقام الأعمى يتخطى رقاب الناس، وهو يتزلزل، حتى قعد بين يدي النبي، فقال: يا رسول الله أنا صاحبها، كانت تشتمك، وتقع فيك، فأنهاها فلا تنتهي، وأزجرها فلا تنزجر، ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين، وكانت بي رفيقة، فلما كانت البارحة، جعلت تشتمك وتقع فيك، فأخذت المغول، فوضعته في بطنها، واتكأت عليها، حتى قتلتها.
ولو وقفوا عند هذا الحد لهان الأمر على مضض، ولكنهم أكملوا الرواية بقولهم: فقال النبي: “ألا، اشهدوا أن دمها هدر”! فهل يعقل أن يصدر رسول الله مثل هذا الحكم ولا يلتفت إلى عظم هذه الجريمة التي ذهب ضحيتها امرأة، وجنينها الذي في بطنها؟! وإذا ما قال البعض إن الجنين سيولد كافرا مثل أمه، فماذا عن الولدين الآخرين؟!
وفي قصة ثانية، روى ابن قانع أن رجلا، جاء إلى النبي (صلى الله عليه وآله)، فقال: “يا رسول الله، سمعت أبي يقول فيك قولا قبيحا، فقتلته! فلم يشق ذلك على النبي”. فهل كان رسول الله ينظر إلى القتل وكأنه أحد الأعمال التافهة، حتى كأن أحدهم قتل ذبابة وليس خليفة الله في الأرض، فلا ينزعج من سماع هذا القول أو من هول هذه الجريمة؛ التي قتل فيها الولد والده!
وفي قصة أخرى، منسوبه إلى ابن عباس، يتضح من خلالها وكأن النبي كان يحثهم على القيام بمثل هذه الأعمال، وفيها: هجت امرأة من خطمة النبي، فقال: من لي بها؟ فقال رجل من قومها: أنا يا رسول الله. فنهض فقتلها، فأخبر النبي، فقال: لا ينتطح فيها عنزان.
إن الذين أشاعوا هذه الثقافة المنحرفة في الفكر الإسلامي، لم يفهموا جوهر دين الإسلام؛ الذي نظر إلى الإنسان (المرأة والرجل) على أنهما مكلفان بإعمار الأرض والاستخلاف، لقوله سبحانه وتعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}، فسبحانه وتعالى، قال:خليفة دون تحديد، لم يقل رجلاً، بمعنى أن المرأة هي الأخرى مستخلفة مع الرجل، ومساوية له في التكريم، فالله سبحانه، قال: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ}ولم يقل: وقد كرمنا الرجل وحده. كما أن الرجل والمرأة سواء وشركاء في التكليف لقوله تعالى {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.
هذه هي منزلة المرأة في الإسلام وما دون ذلك مجرد اجتهادات فارغة، أفرزتها المراحل التاريخية التي مر بها المجتمع الإسلامي، وإذا ما كان الأولون قد سكتوا على هذه التجاوزات المقرفة، فالمفروض بنا اليوم أن نتصدى لهذا التخريب، ونجاهد بشجاعة لكي تأخذ المرأة مركزها الطبيعي في الحياة والدين. وتحية لكل نساء العالم في يومهن وعيدهن المبارك.

اترك تعليقاً