السيمر / الخميس 18 . 01 . 2018
د . كاظم حبيب
الطائفية والفساد هما أصل الداء والبلاء، وهما السائدان بالبلاد، وهما السبب وراء الإرهاب الدامي وسقوط المزيد من الشهداء، كما حصل في ساحة الطيران يوم أمس، والأحزاب الإسلامية السياسية الطائفية هي المسؤولة عن كل ذلك!!
تشير معطيات التحرك السياسي قبيل الانتخابات العامة المحتملة في شهر أيار/مايس 2018 إلى عدد من الوقائع المهمة التي لا بد من تشخيصها من أجل تقدير وجهة التطور المحتملة في واقع العراق الراهن، والتي يمكن بلورتها فيما يلي:
** هناك أجواء عامة مناهضة للمحاصصة الطائفية السائدة بالدولة العراقية بجميع سلطاتها لما تسببت به من كوارث ومصائب وزلازل اجتماعية هزّت المجتمع العراقي ومزقت نسيجه الوطني وعرضته للاحتلال، كما تسببت بموت مئات الآلاف من البشر ونزوح 4,5 مليون نسمة من مناطق سكناهم وهجرة مئات الألاف الأخرى، ولاسيما من أتباع الديانات الأخرى غير الإسلام، إلى خارج العراق خلال السنوات المنصرمة التي أعقبت سقوط الدكتاتورية بالعراق.
** هناك أجواء مناهضة للقوى والأحزاب الإسلامية السياسية الطائفية التي شكّلت الحكومات العراقية المتعاقبة خلال السنوات المنصرمة وما تزال في الحكم، وكانت وراء كل ما حصل بالعراق من مآسي وموت ودمار وخراب وفساد وإرهاب سائدين.
** وهناك تمزق فعلي في معسكر قوى الإسلام السياسي وأحزابها وتحالفاتها، وكل منها يرمي بعراته على الآخرين، ولكنها ما تزال تملك السلطة والمال والتأييد من بعض المرجعيات بصيغة مباشرة وغير مباشرة عبر وكلاء المرجعيات وفي الجوامع والمساجد، في محاولة لتبييض وجهها عبر الانتصارات التي تحققت في الموصل وبقية مناطق محافظة نينوى وصلاح الدين والأنبار، وكأنها كانت هي وراء هذه الانتصارات وليس الجيش العراقي والمتطوعين الشجعان ممن لم يكونوا من قوى المليشيات الطائفية المسلحة التي عاثت قبل وأثناء وبعد ذاك فسادا بالعراق، ومنها منظمة بدر وعصائب أهل الحق وحزب الله والعشرات الأخرى التي أسستها ونظمتها ومولتها وقادتها إيران بشخص قاسم سليماني بالعراق وأجهزة المخابرات والحرس الثوري وفيلق القدس الإيراني، والتي يترأسها مساعدون منهم: هادي العامري وفالح الفياض وقيس الخزعلي واللويزي والشمري ومن لف لفهم من قادة المليشيات الطائفية المسلحة!
** هذا التمزق ينعكس في تحالفات جديدة للقوى الإسلامية الطائفية الشيعية، مثل حزب الدعوة الإسلامية والمجلس الأعلى الإسلامي والحكمة والجماعات التي شكلت أحزاباً جديدة من قوى المليشيات الطائفية المسلحة السابقة والتي تحاول اليوم أن تدخل الانتخابات بتحالفات أخرى بدعم مباشر من إيران، وكذلك الانشطارات في صفوف الجماعات الإسلامية السياسية الطائفية السنية.
** إن الزيادة في عدد التحالفات وعدد الأحزاب الإسلامية السياسية الطائفية المسجلة لخوض الانتخابات القادمة تعبر عن ضعف وتمزق وصراع، إذ كل منها يسعى للهيمنة على السلطة، ولكنها تعني في الوقت نفسه عن محاولة للحصول على أكبر عدد من الأصوات وعدد النواب من خلال هذا التوسع الكمي لعدد القوى التي ستشارك في الانتخابات.
** وفي الجانب الكردستاني حصل التمزق في القوى الكردية، الذي برز قبل الاستفتاء وتواصل وتعمق بعده، والذي تبلور في عدد من القوائم الانتخابية والتي تجسد ضعفاً عاماً لها جميعاً في مواجهة الأوضاع الجديدة بالعراق وكردستان. كما إن جميعها لم تسع إلى إيجاد تحالف جديد لها مع القوى الديمقراطية العراقية العابرة للطوائف والقوميات، وهو خلل كبير صاحب الحركة الديمقراطية الكردستانية منذ سقوط الدكتاتورية وابتعادها عن القوى الديمقراطية العراقية وأضعاف لها ولبقية القوى الديمقراطية، العربية وغير العربية.
** وفي الصف الديمقراطي اليساري واللبرالي والمستقل تعرض هو الآخر إلى التمزق، بعكس ما يستوجبه الوضع العراقي العام وما يتطلبه الموقف من الانتفاع الفعلي من أزمة القوى الإسلامية السياسية الطائفية. حصل التمزق في جانبين: الأول الابتعاد بين قوى التيار الديمقراطي العراقي وقوى ليبرالية وديمقراطية ومستقلة أخرى، والثاني في تفلش أو انفراط عقد التحالف الجديد “تقدم”، الذي تشكل في نهاية العام الماضي من خلال خروج الحزب الشيوعي عنه وإقامته تحالفاً مع حزب الاستقامة، الذي يقوده ويشرف عليه مقتدى الصدر، وجماعات ليبرالية أخرى، وخروج الحزب الاجتماعي الديمقراطي وتشكيله تحالفات أخرى من قوى ليبرالية. وتبريرات هذه الانشطارات والتحالفات الجديدة تسوقها القوى المنشطرة كل من منظوره الخاص وقناعته بما يمكن أن تسفر عنه نتائج تحالفاته الجديدة.
** يراد لهذه الانتخابات أن تجري في ظل ظروف غير مناسبة من الناحية الموضوعية ونعني بذلك:
•النزوح الكبير لأكثر من مليوني إنسان، ممن يحق له التصويت، عن مناطق سكناهم واستحالة مساهمة الكثير منهم في التصويت، ولاسيما محافظات نينوى والأنبار وصلاح الدين وكركوك.
•قانون الانتخابات السيء الصيت الذي لم يعدل والذي وضع من قبل الأحزاب الطائفية التي تريد البقاء في السلطة وبطريقة مفضوحة ودون حياء.
•وجود مفوضية الانتخابات الجديدة غير المستقلة التي أقيمت على أساس المحاصصة الطائفية المقيتة والمذلة للمواطنين والمواطنات وللشعب عموماً، والتي لن تكون نزيهة في إشرافها على الانتخابات كما حصل تماماً في الدورات الانتخابية السابقة.
•تجري الانتخابات في غياب التوازن والمساواة في القدرة على الدعاية الانتخابية بسبب الهيمنة على الإعلام وامتلاك الأموال والتدخل الديني في الانتخابات، إضافة إلى التأثير الخارجي، ولاسيما إيران على مجرى الانتخابات، وكذلك دور المليشيات الطائفية المسلحة في ترهيب الناخبين ضد قوى معينة، وترغيبهم لقوى أخرى من خلال وجودهم في المناطق الانتخابية.
•قيام قوى إسلامية سياسية شيعية وسنية وشيوخ بمحاولات وقحة لتشويه سمعة القوى المدنية والديمقراطية لإبعاد الناخبين عن التصويت لهذه القوى من خلال ادعاءات واتهامات كاذبة ووقحة يطلقونها من على منابر الجوامع والمساجد وفي القنوات التلفزيونية والإذاعات والصحف.
•وجود قوى وعناصر شديدة الفساد تتربع في مواقع المسؤولية السياسية وعموم الدولة العراقية، أي في سلطاتها الثلاث، وهي التي تملك من الأموال ما يساعدها على توسيع قاعدة رشوة الناخبين وشراء أصواتهم واستخدام أساليب أخرى تتجلى في دعاياتهم الانتخابية أيضاً. وكل الوعود التي قطعها رئيس الوزراء بمحاربة الفساد والمفسدين ذهبت أدراج الرياح: وكأننا نسمع القول الشائع بالعراق “كلام الليل يمحوه النهار”! جيد أن يلقى القبض على السوداني ويسلم للحكومة العراقية ولكن الحرامية الكبار يعيشون بالعراق وببغداد، ولاسيما في المنطقة الخضراء، فلماذا لا يجري اعتقالهم، هل لأن على “ز… جرس!”؟ لقد اعلنوا خبر اعتقال “حرامي بغداد” واحد أو اثنين، وهما خارج العراق ويفترض أن يسلما إلى الحكومة العراقية، ولكن في بغداد، ولاسيما حي الخضراء، فهناك العشرات بل المئات من أشرس وأحقر “حرامية بغداد” المعروفين للناس جميعاً، ويخشى رئيس الوزراء اعتقالهم ولا القضاء العراقي ولا الادعاء العام قادر على ذلك!
** وعلينا أن نشير إلى أن نسبة عالية من بنات وأبنا الشعب العراقي يعانون من الفقر والحرمان، وهم يعيشون تحت خط الفقر المعروف دولياً في ظروف العراق الملموسة، وهناك بطالة واسعة جداً، كما إن الوعي السياسي والاجتماعي ما يزال بعيداً عن قدرة الفرد في تحليل واقع العراق وضرورات التغيير الفعلي وإبعاد القوى الحاكمة المسؤولة عن ذلك عن الدولة بسلطاتها الثلاث، ووجود الأموال الهائلة لدى الفاسدين المسروقة من أموال الشعب، وهي سحت حرام.
ماذا ننتظر من الانتخابات القادمة وفي ظل هذه التشخيصات؟
مع إن هذه التحالفات ما تزال هشة ومتغيرة في من يلتحق بها أن يغير تحالفه، فأن ما جاء في أعلاه يسمح لي باستنتاج يشير إلى احتمال كبير في التأثير المباشر وغير المباشر موضوعياً على مجرى الانتخابات في غير صالح نزاهتها وأمانتها لمصالح الشعب العراقي لن يكون قليلاً بل واسعاً، من خلال التأثير على نسبة عالية من الناس ممن يعانون من مشكلات مالية ومعيشية، إضافة إلى اقترانها بالجانب الديني المشوه، وبالتالي احتمال بروز ذات الوجوه وما يماثلها سلوكاً، وبنسبة عالية، في مجلس النواب الجديد، قائمة حقاً، وهي الكارثة المحتملة والمرتقبة التي يصعب، كما يبدو حالياً تلافيها. ومن كان يعول على العبادي في تشكيل قائمة عابرة للطوائف أصيب بخيبة أمل، علماً بأن الأمر كان متوقع أساساً! لقد ارتدى العبادي دشداشة الطائفية البائسة والمهلهلة، كما كتب بصواب الزميل الكاتب والصحفي عدنان حسين في جريدة المدى وفي مقاله الموسوم “انتخابات إعادة التدوير” بتاريخ 12/01/2018 ما يلي: “من الواضح أيضاً أنه ما من أحد من الكيانات المتنفذة في السلطة منذ 2003 يريد الخروج من شرنقة الطائفة – القومية. حتى رئيس الوزراء حيدر العبادي الذي لم ينقصه إلا الوقوف عند شبّاك العبّاس والحلفان لتأكيد أنه يريد تشكيل ائتلاف سياسي وطني عابر للطائفية والقومية، يتبيّن الآن أنه غير قادر على، وربما غير راغب في، نزع دشداشته الطائفية”، علماً بأن إيران لم تعد تؤيد العبادي بل تريد استبداله بـ “هادي العامري”، بعد أن احترقت أوراق المالكي كثيراً، رغم أنه ما يزال لم ييأس من تأييد إيران ولاسيما المرشد الإيراني على خامنئي.
إن الجواب عن السؤال الوارد في عنوان المقال، نعم، إن الفئات الحاكمة تعمل بكل قوة وتستخدم كل الأساليب غير المشروعة، ومنها الإفساد، للبقاء في السلطة وتكريس الطائفية السياسية، وتجد الدعم الكامل من إيران الخامنئي والجنرال سليماني لتكريس نظام المحاصصة الطائفية، النظام السياسي الطائفي الفاسد بالعراق، وهي بذلك تخدم مصالح القوى الفاسدة الحاكمة ومصالح إيران مباشرة التي تحدث بعض أبرز قادتها قبل أشهر عن إن العراق أصبح جزءاً من الدولة الإسلامية الفارسية وعاصمتها بغداد!!