الرئيسية / مقالات / إستشهاد الدكتور هشام شفيق وعائلته: الكيد هو الحقيقة المغدورة في العراق / 1
الكاتب القدير الأستاذ محمد ضياء عيسى العقابي

إستشهاد الدكتور هشام شفيق وعائلته: الكيد هو الحقيقة المغدورة في العراق / 1

السيمر / الجمعة 23 . 03 . 2018

محمد ضياء عيسى العقابي

أعلن اللواء سعد معن، المتحدث باسم وزارة الداخلية، بأن حادث قتل (طعناً بآلة حادة) المرحومين هشام شفيق طبيب الأشعة في مستشفى الراهبات وزوجته الطبيبة شذى حنوش ووالدتها المرحومة خيرية داوود في منطقة المشتل ببغداد – أعلن بأنه “عمل جنائي بحت”. وأعلن بأن الوزارة ووزير الداخلية شخصياً يتابعون التحقيق.
أذاعت الخبر والتعليقات أعلاه وأدناه فضائية (الحرة – عراق). قالت في موجز نشرتها الإخبارية ليوم 10/3/2018 بشأن الحادث بأنه “يجدد الطلب بحماية الأقليات”!!! وفي هذا التعليق لغز سأكشفه لاحقاً.
وقد تحدثت وزيرة المرأة السابقة ورئيسة منظمة حمورابي لحقوق الإنسان السيدة باسكال وردة قائلةً: “كنا نحكم على هكذا أعمال بتسرع بكونها جنائية، في الحقيقة هذا غير صحيح”، “هؤلاء الضحايا ليس لهم عشيرة ولا قرابة”، “هذا الوضع الأمني السيء ضد الأقليات سائر منذ مدة”، “هذا إستهداف مخطط، يُقتل المسكين ولا أحد يدافع عنه”، “لا أستطيع أن أحدد من هو وراء هذا الإستهداف”.
وسألت تلك الفضائية السيدة باسكال أيضاً عن رأيها بتصريح عضو الحشد الشعبي السيد ريان الكلداني “إذا عجزت الحكومة عن القبض على المجرمين فبالإمكان تكليف الحشد الشعبي”. ردت السيدة باسكال “خلل أمني واضح، وعلى الأجهزة الأمنية أخذ عملهم بأكثر سعةً وأكثر مهنية”.
وأخيراً عقبّ الأب لويس ساكو بطرياك الكنيسة الكلدانية في العراق والعالم قائلاً ما معناه: “ثقافة العراقيين بحاجة الى مراجعة. ليس من الصحيح أبداً ونحن في هذا العصر أن نتمسك بقيم الثأر والإنتقام”.
بعض الكلام الوارد أعلاه وبالأخص ما قالته السيدة باسكال وما سيأتي لاحقاً على لسان النائب (جوزيف صليوة) الموالي للحزب الديمقراطي الكردستاني (حزب مسعود برزاني)، وعلى لسان أسامة النجيفي(1) زعيم إتحاد القوى الطغموي(2) ونائب رئيس الجمهورية، وعلى لسان رئيسة لجنة الثقافة والإعلام النيابية ميسون الدملوجي(3) من كلام أخطر سآتي إليه، يثبت ما طالما أرددُه مع نفسي من أن الكلمتين اللتين نالتا أقصى درجات الغدر والإقصاء والتهميش المتعَمَّد على الساحة السياسية العراقية هما كلمتا “الكيد” و “التخريب”!!
خلاصة الموضوع: إذا كانت داعش وإذا كان مَن وراء داعش في الداخل العراقي ، سياسيين ومتخفّين، وفي المحيط والخارج، قد حظيت وحظوا، في وقت نهوض داعش، بدرجات عالية من الإعجاب الهادف من جانب الإعلام الأمريكي والغربي عموماً بحسن تخطيطها وقابليتها على المناورة وكفاءة إعلامها المؤثر في الناس وقدرتها على التكيّف والعمل في بيئات مختلفة سواءً في الصحراء أو الجبال أو التلال أو الوديان أو الأحراش أو البساتين أو المدن والحارات – فلماذا، إذاً، لا نتخيل أن داعش أو داعميها في المدن كبغداد يُغرون أو يُكرهون مجرمين محترفين جدد أو قدماء من الذين أطلق صدام سراحهم من السجون العراقية قبيل هروبه الى حفرته في حوض التعفين المهجور (السبتك تانك) وقُدّر عددهم بـ (30) ألفاً، ويعرضون عليهم مالاً مغرياً فوق الذي يحصلون عليه من الضحية أو الضحايا إذا ما خطفوا أو قتلوا فلاناً أو فلانة وبالطريقة التي تحددها داعش بما يلائم خططها “الذكية” كالآلة الحادة التي قتل بها الدكتور هشام وعائلته وهي طريقة بشعة ومقززة ومرعبة؟
بالطبع هذا معقول وأكثر من معقول، ولا ينكره إلا من يريد أن يعتّم على حقيقة الجريمة ويتستر على داعش و”دهائها” كي يتم توجيه تهمة الخطف أو القتل الى جهات بريئة عديدة كالأجهزة الأمنية والحشد الشعبي لهدف سياسي يحدده التخطيط الكيدي الذي سنأتي عليه. لهذا يعتّم الجيش الإلكتروني الطغموي على كلمة “الكيد” كي لا تكون تنبيهاً ودليلاً للطيبين المخدوعين من الجمهور العراقي لتوجيه أصابع الإتهام نحو المجرم الحقيقي وتتكشف معالم المخططات.
هذا معقول وأكثر لأن قادة داعش ذوو خبرة إستخباراتية عالية وتلقوا تعليماً متميزاً في فنون الإجرام والتخريب. كفانا أن نعلم أن 10 من أصل 11 من قيادات داعش العراقية هم عسكريون صداميون كبار الرتب أي طغمويون كالبيلاوي والتركماني وغيرهم. فداعش العراقية، إذاً، تجسد التصميم الطغموي بذراعه المسلح وبدعم الأمريكيين وإسرائيل والسعودية له على إستعادة سلطتهم التي “إغتصبها” الشعب منهم عبر صناديق الإقتراع. والكيد والتخريب يقعان ضمن وسائل تنفيذ ذلك التصميم على إستعادة السلطة.
نعود الى جريمة إغتيال المرحوم الدكتور هشام شفيق وعائلته وسرقة أموال من بيته، وقبله إغتيال إثنين من الصاغة الصابئة المندائيين وسرقة ستة كيلوغرامات من الذهب وإغتيال المواطن المسيحي في المشتل سامر صلاح الدين.

أعتقد أن أركان العملية الكيدية في هذه الإغتيالات متوفرة تماماً وعلى الوجه التالي:
تابعتُ تطورات حملة إعلامية شممتُ منها رائحة الكيد حيث تم إتهام الشيخ عامر الكفيشي بالتحريض على قتل المدنيين والشيوعيين وبث الكراهية. إستمعتُ الى رد الشيخ على الحملة بتأريخ 14/3/2018 في فضائية “آفاق” التابعة لحزب الدعوة الإسلامي الذي يشغل السيد نوري المالكي منصب أمانته العامة. إقتنعتُ بأن الشيخ الكفيشي، وهو عضو في مجلس شورى حزب الدعوة الإسلامي، لم يحرض على القتل أو العنف أو الكراهية بل كان يدعو مريديه الى التنبه الى توسع ظاهرة الإلحاد والكفر، حسب تقديره، والتصدي لها بالفكر والمنطق اللذَين يؤمنون بهما كمتديِّنين. لم يلمح الرجل الى أي إستعمال للقوة بل تمثَّل بقول النبي محمد بعد فتح مكة وإنتصاره على قريش إذ خاطب أتباعه بما معناه “أتممتم الجهاد الأصغر واليوم تبدأون الجهاد الأكبر”؛ وفسّر الجهاد الأكبر بالبناء وتعليم المقاتلين مبادئ الدين وإقناع الناس عموماً بها.
قال الشيخ الكفيشي بتأريخ 14/3/ 2018 في فضائية “آفاق”: “إقتُطِعتْ أجزاءٌ من خطبة جمعة ألقيتها قبل أشهر تعود الى نهاية العام الماضي وشوِّهت على أنها تحمل تحريضاً على قتل المدنيين والشيوعيين وتبث الكراهية وهو محض أكاذيب”. وواصل الشيخ كلامه: [[بُثّت هذه التشويهات الآن بالذات بسبب مهاجمتي لدراسة أصدرتها مؤسسة “راند” الأمريكية بعنوان “الإسلام السياسي الديمقراطي المدني” رأيتُ فيها تشويهاً للدين الإسلامي حيث تجعل منه دين خنوع فإنتقدتُها. هذا علاوة على قرب موعد الانتخابات وإرتفاع وتيرة التسقيط للأشخاص والكيانات.]] أعتقد أن الشيخ كان على حق عندما قال: “هم يبيحون لأنفسهم طعننا بأشنع الطعون وينكرون علينا حق إبداء الرأي بما نعتقد”.
إنها، إذاً، حملة مفتعلة تقف وراءها أهداف سياسية تخريبية. ذكرني هذا الإتهام الموجّه للشيخ الكفيشي بالبعض، الذي شوّه صورة اليسار العراقي التأريخي، والذي إرتفع عنده “عشق” الديمقراطية فوق اللازم فراح يطالب بمنع الأحزاب الدينية. يا له من ديمقراطي زائف، يفشل في إقناع الناس فيلجأ الى آلية “المنع” القمعي وهو معزول تماماً عن الجماهير ومع ذلك يدعي أنه ديمقراطي وكأنه لم يسمع بأحزاب أوربية مسيحية ديمقراطية كما في فرنسا وإيطالية وسائر أوربا ومنها ألمانيا التي فازت فيها زعيمة الحزب الديمقراطي المسيحي أنجيلا ميركل برئاسة الوزارة للمرة الرابعة.
تشير مؤشرات كثيرة الى أن هذه الخطة الكيدية هي واحدة من مئات الخطط التي تنفذ بالتوازي ولم تنقطع منذ إخراج القوات الأمريكية من العراق على يد حزب الكفيشي وإئتلاف دولة القانون بل أبعدْ يومَ يئسَ الأمريكيون من إمكانية تسخير الأحزاب الدينية، التي أسست الديمقراطية في العراق لأول مرة في تأريخه، والمنضوية تحت لواء “الإئتلاف العراقي الموحد” ومن ثم “التحالف الوطني” – يئست أمريكا من تسخيرها لخدمة إستراتيجيتها التي رسمها المحافظون الجدد القاضية بالسيطرة على العالم مروراً بتفتيت الدول العربية والإسلامية وتصفية القضية الفلسطينية. هذه الخطط ليست من إنتاج أفراد طارئين غير متخصصين هنا وهناك بل هي من إنتاج غرف عمليات متخصصة وعلى مستوى عال في كل من واشنطن ونيويورك وتل أبيب ولندن وباريس وأنقرة والرياض والدوحة والإمارات وبغداد وأربيل. تعمل هذه الغرف إنفراداً ومجتمعاً وتتبادل المعلومات والمخططات بإستمرار حسب مصالح كل جهة.
الخطة الكيدية باتت مكشوفة وَشَت بها التجاربُ العديدة المماثلة السابقة ولكن أصحاب غرف العمليات المعادية للديمقراطية العراقية والمناصرة للصهيونية يصرون على التمسك بمثل هذه التكتيكات البائسة لأنهم فشلوا في جميع محاولاتهم السابقة وأفرغوا ما في جعبهم وتلقوا وعملاؤُهم الطغمويون والإنفصاليون ضربات وركلاتٍ إستراتيجية قاصمة عزلتهم عن جماهيرهم المخدوعة بهم وشددت عزلتهم عن الجماهير الغفيرة بعد فشل إرهاب القاعدة والزرقاوي ومن ثم فشل مخطط إحضار داعش الإرهابي الى الموصل يوم 10/6/2014 ومحاصرتها ومنع تمددها حتى البصرة وأخيراً القضاء المبرم عليها. ثم عوّلوا على الإنفصاليين فنبذهم الشعب الكردي الذي يريد تحقيق طموحاته القومية المشروعة عبر النضال المشترك مع شعوب المنطقة وخاصة مع الشعبين العراقي والسوري لا مع أمريكا وإسرائيل والسعودية وتركيا وقد شهدنا الغدر الذي لحق بالكرد في عفرين وستليها منبج السوريتان على يد هؤلاء الحلفاء المزيفين.
الخطة الكيدية واضحة. اللاعب الأكبر فيها هي أمريكا وإسرائيل والباقون، جماعاتٍ وأفرداً، هم عملاء متوسطو الحجم وصغاره، وبعضهم ليس عميلاً بل هو بهلول مضحوك عليه. الخطة تقضي بـإتهام رجل دين كالكفيشي أو سياسي كبير في حزبٍ طردَ القوات الأمريكية وإستعاد السيادة العراقية المهدورة، منذ إحتلال الكويت وعقوبات الأمم المتحدة عام 1991، ووطد الديمقراطية في العراق كالمالكي – إتهامه بالتحريض على قتل الأقليات ومن ثم تتحرك داعش “الذكية” لتقتل مواطنين من الأقليات لتثبت “مصداقية” الإتهام. وهنا تسارع أبواق الأمريكيين والغربيين الإعلامية وعلى رأسها فضائية (الحرة – عراق) لتعلن المطلوب الكيدي بكلماتها التالية: “وهذا يجدد الطلب بحماية الأقليات” وهي العبارة التي تصدرت إذاعة نبأ مقتل الشهيد هشام شفيق في تلك الفضائية كما ذكرتُ في مستهل هذا المقال.
وكل ذلك يستبطن دعوة، من جانب الطغمويين والإنفصاليين، لأمريكا للتدخل وتسليمهم الحكم لخدمتها بعد إلغاء أو تشويه النظام الديمقراطي وهو حلم خائب بوجود الشعب العراقي الحارس لديمقراطيته التي وإن لم تحسّن من مستوى الخدمات المقدمة له بسبب عرقلة المشاريع ومنها مشروع قانون البنى التحتية، إلا أن الشعب العراقي يتمسك بديمقراطيته بسبب توفيرها الأمن له ودفع الإبادة الجماعية عنه
أعتقد أن كل هذه المخططات الكيدية والأفعال والأقوال، البريئة والخبيثة المستكمِلة للكيد، التي تلت كانت وراء إتصال نائب الرئيس الأمريكي (مايكل بنس) برئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي ، سواءً بالتنسيق المسبق أو بإستغلال (بنس) لتطورات عمليات القتل الكيدي. إتصل (بنس) بالعبادي ليعبر له عن “إهتمام” أمريكا بسلامة المسيحيين في العراق وكأن الحكومة العراقية متوانية حيال ذلك، وهي وسيلة مكشوفة للمزيد من التدخل في الشؤون الداخلية للعراق وتشديد السعي الأمريكي للسيطرة علىمفاصل الحكم في العراق لمتابعة مخطط المحافظين الجدد بإقتحام الفضاء الأوراسي حتى حدود الصين وروسيا.

(1)         و(3): سيكونان موضوع الحلقة القادمة.

(2)         : للإطلاع على مفاهيم “الطغموية والطغمويون وجذور المسألة العراقية الراهنة” برجاء مراجعة هامش المقال المنشور في أي من المواقع التالية:

http://www.alqosh.net/mod.php?mod=articles&modfile=item&itemid=39986

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=585117

http://www.qanon302.net/?p=98431

http://saymar.org/2018/01/44729.html

http://www.akhbaar.org/home/2018/1/239116.html

اترك تعليقاً