الرئيسية / مقالات / ديمقراطية الدهماء والديمقراطية الرشيدة

ديمقراطية الدهماء والديمقراطية الرشيدة

السيمر / الثلاثاء 24 . 04 . 2018

صالح الطائي

رأي شخصي بمناسبة قرب انتخابات مجلس النواب العراقي والشعارات التي يرفعها المرشحون، في الوقت الذي يعرفون فيه قبل غيرهم أنهم مجرد جهة تشريعية، لا تقترح، بل تدرس مقترحات القوانين التي تقدم إليها، ثم تصوت عليها بعد إجراء بعض التعديلات ….
بعد خروج العراق من هيمنة نظام الحكم الفردي الشمولي الاستبدادي الحزبي، ودخوله عصر الديمقراطية التي سنها ووضع أسسها المحتل الأمريكي على مقاساته الغربية لا وفق مقاساتنا المحلية، وبعد أن تسببت الديمقراطية بصعود سلسلة من الحكام الذين انحازوا لأحزابهم أو لجماعاتهم أو لمناطقهم أكثر من انحيازهم للعراق كله، وبعد أن فقدنا خمسة عشر عاما من عمر وطننا ونحن قابعين في أتون فوضى التجريب التي قادتنا إلى حرب أهليه، كادت أن تودي بوطننا وشعبنا إلى الهاوية، أصبح لزاما علينا أن نعيد النظر بأسس تلك الديمقراطية، وأن نبدأ بتأسيس نوع من الديمقراطية التوافقية على مقاسنا، ديمقراطية لها قدرة صهر مكونات شعبنا وإثنياته ومذاهبه وأعراقه وقومياته وأديانه في بوتقة واحدة لها قدرة الحفاظ على مصالح الجميع بنفس الدرجة من الاحترام.
إن ديمقراطيتنا المستوردة فشلت فشلا ذريعا، لأنها أنتجت حكومات مأزومة تتغذى على الأزمات، فهي خليط من كيانات دينية متطرفة، وأخرى علمانية متطرفة، فتسببت في خلق أزمات خطيرة، مكنت داعش من السيطرة على ثلث البلاد، وعقول ملايين العراقيين الذين صفقوا لها، لا حبا بها بل بحثا من خلالها عن طريق للسيطرة والقوة. وهذا يعني أننا بحاجة إلى ديمقراطية تنبع من جذور موروثنا وقيمنا وعراقيتنا، لتنتج لنا حكومة عراقية بمواصفات شعبنا، فحينما تكون الحكومة ثنائية الأصول، أي تأخذ من المنظور الديني بعض الجوانب ومن المنظور الحضري التراثي جوانب أخرى، وترسم خطاها ومخططاتها وفق الواقع المعاش ونبض شارعها، ممكن أن تؤسس لقيادة شمولية النظرة مقبولة المنهج في المجتمع المتعدد، ولاسيما إذا ما نجحت الحكومة في الموازنة بين الأصول التي اعتمدتها، ولم تترك أحد أصليها يطغي على الأصل الآخر أو يتحكم به.
لكن أن تعتمد على الأصل الديني وحده دون أن تناغم الأصل الحضري في عصر يضج بالعلمانية والتحضر، أو تعتمد على الأصل الحضري وحده في مجتمع لا زال يغريه الخطاب الديني، ولا زالت القداسة والمقدس يحركانه ويمنهجان حياته، فإنها ستعجز كليا عن تسيير أمورها بله أمور شعبها، وهي ممكن أن تتسب بحدوث نزاع دموي بين الأصلين ومن يتبعهما، يفضي إلى تحويل البلد إلى دولة فاشلة عاجزة عن قيادة نفسها، وهي المرحلة الصعبة التي ما إن تصل إليها البلدان حتى تبدأ تفكر بعون خارجي حتى ولو على حساب استقلالها وسيادتها.
إن تأسيس ديمقراطية المقاس العراقي يحتاج بالتأكيد إلى وضع اقتصادي مستقر، وأقتصادنا بائس .. وإلى وضع أمني مطمئن، ووضعنا مضطرب .. ووعي اجتماعي، ووعينا فردي أو فرقي .. وولاء سياسي، وولاءاتنا مفرقة مشتتة متعارضة متضاربة .. وحدودا آمنة مسيطر عليها، وحدودنا مشرعة لكل من هب ودب .. ونظاما يدافع عنها، ونحن بلا نظام .. وتوقير واحترام، ونحن لا نرضى أن يزاحم المقدس شيء.. واشتراك الأمة في صياغة القرار، ونحن لا نعرف سوى التحشيد التعبوي لمساندة هذا القرار أو تسقيط ذاك.. ومشروع ديمقراطية قرار، ونحن نريدها ديمقراطية شعار.. ومشروع نهضة حضارية، ونحن سبات منذ ألف عام .. ومسؤولية فردية، والفردية عندنا ترفض تحمل المسؤولية وتعتبرها قيدا لا يطاق!
وبالتالي لا يعني مجرد المشاركة في الانتخابات أننا نعيش الآن عصر الديمقراطية، فالديمقراطية التي نتشدق بها ديمقراطية زائفة، تحتاج إلى إعادة بناء، لأنها تفتقد إلى جميع تلك المطالب التي ذكرناها، وربما لأنها فضلا عن ذلك، تحققت فجأة في ساعة الخروج من قمع وتضييق الحكم الشمولي الفردي، ولم تمر بمراحل التطور والانتقال الحضاري، ولذا جاءت خديجة تحتاج إلى حضانة لتتجاوز أزمتها!.

اترك تعليقاً