السيمر / السبت 01 . 12 . 2018
ثامر الحجامي
إجتاحت سيول الإرهاب أرض العراق، فجرفت خيراته وأغرقت بيوت أهله ودمرت مدنه العامرة، وأمطرت الغيوم السوداء وابلا من رصاص الموت، وحمم القتل والتهجير والتنكيل، وقلعت أعاصير الخوف أشجاره الخضراء، وسالت في أوديته الدماء، وتعالت صرخات الرعب، وسمعت السماء صرخات الأطفال والنساء.
جاء صوت هادر من النجف، مزيلا من القلوب الخوف، بعد إن كانت ترتجف، شاحذا الهمم، معلنا النفير العام لإنقاذ الغرقى ولم الشتات، فصحا الجميع من السبات، وإنتبهوا لما حل بهم وما سيجري عليهم، إن لم يتعاونوا على صد السيل القادم إليهم، فإنفجر بركان الرجولة، ونبض عرق البطولة، وإصطفت قوى الخير في إغلاق منابع الشر، وصدت سواتر الحق سيول الخداع والمكر، وفتحت القلوب لتكون مأوى للمشردين، وتسابقت للشهادة أقدام المجاهدين، فإنقشعت غمائم الموت، وأعلن النصر على طوفان الإرهاب والقتل والغدر.
ملحمة كبرى دامت أربع سنين، سطر فيها العراقيون بطولات لم يعرف التاريخ لها نظيرا، تعلم العالم دروسا في الشجاعة والإباء والصمود ، وشهدت الأمة ملحمة في التعاون والتراحم لم يذكرها التاريخ من قبل، فكانت بيوت أهل الجنوب مفتوحة على مصراعيها لأبناء الشمال، والفقراء يقطعون اللقمة من أفواههم ليرسلوها الى المقاتلين على السواتر، ومواكب الدعم والخدمة تسابق المجاهدين في خدمة سكان المناطق المحررة، وتشكلت جماعات وفرق لتقديم أنواع الخدمات، والقيام بشتى المهمات، وصار المجتمع العراقي موحدا متماسكا بوجه الخطر الداهم حتى زال وولى الى غير رجعة.
يتعرض العراق الى سيول من الأمطار والفياضانات، لم يشهدها خلال السنين الماضية، أدت الى غرق مدن بأكملها مثلما حصل في محافظات ديالى والموصل وواسط، راح فيها بعض الضحايا، إضافة الى تهديم المنازل، وجلاء كثير من الأهالي الذين أصبحوا بلا مأوى يسكنون العراء، وسط الأمطار والرياح العاتية، وبحيرات من مياه الأمطار التي تحيط بهم، وسط جهود كبيرة تقوم بها الحكومات المحلية، في المناطق التي تعرضت الى الفياضانات، إضافة الى دعم الحكومة المركزية، ولكن ما ينقصها هو غياب التفاعل الشعبي أو ضعفه مع هذه الأحداث التي ربما ستتكرر في الأيام القادمة.
على الفعاليات الاجتماعية، ومواكب الدعم والخدمة، ومنظمات المجتمع المدني، وشرائح المجتمع العراقي كافة، أن تتفاعل مع ما حصل في الشرقاط وبدرة والكوت، وبعض مناطق ديالى وكركوك، من غرق للبيوت وتشريد للأهالي بسبب الأمطار والسيول، وأن تهرع لنجدتهم، والمساهمة في تخفيف ما يتعرضون له، فلا يمكن أن تنتهي التجربة التي أعادت العراق للحياة بعد أن تناهشته غربان الموت، ولن يحتاج العراقيون لفتوى أخرى من أجل خدمة وطنهم وأهله.