السيمر / الاحد 03 . 03 . 2019
ثامر الحجامي
النظام النيابي سيد الأنظمة السياسية، وقمة الهرم في الممارسات الديمقراطية، التي وصل اليها العالم المتحضر، فالبرلماني يكون ممثلا للإرادة الشعبية من خلال ممارسته السلطة التشريعية، ومراقبة الاداء الحكومي، نيابة عن الجماهير التي إختارت ممثليها لمدة معينة. منح الدستور العراقي صلاحيات واسعة لمجلس النواب، أغلبها نصت عليها المادة 61 منه، إضافة الى مواد أخرى، جعلت البرلمان العراقي مسيطرا على كل صغيرة وكبيرة، في أداء الدولة العراقية، وممثلا حقيقيا عن الحاكمية الشعبية، وبالتالي يجب أن يكون معبرا عن تطلعات الجماهير ورغباتها، ومتفاعلا مع ما تطمح له من تطور ورقي، وعينا ساهرة من أجل حماية حقوقها، ودرعا واقيا يدافع عن مجتمع الناخبين دون تمييز بين مكوناته. للبرلمان العراقي دور رئيسي في رسم سياسات البلاد الداخلية والخارجية، فأولى واجباته بعد إختيار هيئته الرئاسية هو إختيار رئيس الجمهورية، الذي سيكلف رئيس الوزراء من الكتلة البرلمانية الأكبر بتشكيل الحكومة، التي لن ترى النور إلا بعد مصادقة البرلمان عليها، والمصادقة على برنامجها الحكومي، أضافة الى المصادقة على روؤساء الهيئات المستقلة، والسفراء والدرجات الخاصة وقادة الفرق العسكرية، والموافقة على رئيس وأعضاء محكمة التمييز، ورئيس وأعضاء الإدعاء العام، والمصادقة على الإتفاقيات والمعاهدات الدولية، وهو بذلك يكون معني بصورة مباشرة عن شكل الحكومة ومدى كفاءتها، وبإمكانه سحب الثقة عنها. ينقسم عمل البرلمان الى قسمين، الجانب التشريعي، وهو النظر في المشاريع المقترحة من مجلس الوزراء أو مجلس الرئاسة، وكذلك مشاريع القوانين المقترحة من أعضائه ولجانه، وإقرارها بعد مناقشتها والتصويت عليها، وإقرار الموازنة العامة للدولة والموازنة التكميلية، والمصادقة على الحسابات الختامية، وإجراء المناقلة بين أبواب الموازنة وتخفيض مبالغها، أو يقترح على مجلس الوزراء إجراء زيادة عليها، وأيضا المصادقة على موازنة خاصة بالقضاء أو بمجلس النواب. أما القسم الثاني فهو السلطة الرقابية على عمل الحكومة، وللبرلمان صلاحيات واسعة في ذلك، فمن حقه مسائلة أعضاء الرئاسة، ومسائلة واستجواب أفراد الحكومة بما فيهم رئيس مجلس الوزراء، وإجراء التحقيق مع أي فرد في السلطة التنفيذية، بشأن أي قضية لها مساس بحقوق المواطنين، وله صلاحية طلب الوثائق والمعلومات، وطلب حضور أي شخص أمام البرلمان للإدلاء بشهادة أو معلومة في قضية معروضة أمامه، وبإمكان أعضائه القيام بزيارات تفقديه الى الوزارات ودوائر الدولة كافة، للإشراف على حسن إدائها وتطبيقها لاحكام القانون. يرافق هذا كله رواتب تخصيصات مالية كبيرة لاعضاء البرلمان، تم تشريعها تحت ذريعة تحسين الوضع الاجتماعي للعضو، وجيوش من الحمايات والسيارات المصفحة، وإيفادات وسفرات ترفيهية وعلاج مجاني في الخارج، والبعض تحصل على قصور على نهر دجلة او في المنطقة الخضراء حسب علاقته بالكتلة الحاكمة، وغيرها من الحوافز والمغريات، جعلت الغالبية تتصارع على نيل كرسي في البرلمان العراقي، سعيا وراء السلطة والثروة وليس الخدمة. أصبح البرلمان العراقي في فترات كثيرة سوقا للمشاحنات، ومنصة للمهاترات الاعلامية والمزايدات السياسية، وأستغلت الصلاحيات الممنوحة لاعضائه في عمليات الإستجواب لأغراض شخصية وحزبية، فأصبحت أشبه بمسرحية صاخبة على منصة البرلمان، تثير ضحك وسخرية المواطنين وهم يتفرجون على ممثليهم يتصارعون أمام الكاميرات، ويتناولون القهوة في كافتريا البرلمان، وأصبحت الوثائق الخاصة بقضايا عديدة مادة دسمة للاعلام يلوح بها البرلماني لمهاجمة خصومه، دون أن يكون لها تأثير قانوني. شهدت إنتخابات عام 2018 النسبة الأقل في عدد الناخبين، قياسا لما سبقها من دورات إنتخابية، والسبب الأبرز في ذلك، هو فقدان الثقة بالأداء السياسي للبرلمان والحكومة في الدورات السابقة، وعليه يقع على عاتق البرلمان الجديد إعادة الثقة المفقودة، ولايكون ذلك إلا بتشريع القوانين التي تلامس حاجة المواطن، وليس على مقاسات الأحزاب والكتل الحاكمة، ومراقبة الأداء الحكومي بعيدا عن المحسوبية والحزبية واتفاقات الغرف المظلمة، وخلق أجواء سياسية مستقرة، بعيدة عن إثارة الشحناء والبغضاء وتشظية المجتمع. على أعضاء البرلمان الجدد أزالة الصورة القاتمة المرسومة في أذهان الجماهير، ولهم عبرة في من سبقهم، فكم من أسماء معروفة وشخصيات كانت تعد رموزا صدمتها نتائج الإنتخابات الماضية، ولفضتها أوراق الناخبين، الذين ما عادت تنطوي عليهم المزايدات الإعلامية والجعجعة الفارغة، بل ما يتحقق من نتائج ملموسة على أرض الواقع.