السيمر / فيينا / الاحد 24 . 03 . 2019
عدنان أبو زيد
تعددّت الأسباب، لكن الهجرة واحدة، بين من ينصرف عن بلاده، هربا من الحرب والاقتتال، وبين الذي يقرّر مغادرة وطنه بحثاً عن لقمة العيش، وتحسينا لوضع عائلته الاقتصادي التي ترك أفرادها، مرغماً. في اغلب الأحوال، إنْ لم يكن كلها، فانّ الهجرة تقصد البلدان المتسامحة، التي لا تقيّم الفرد على أصوله، ودينه وطائفته، وقد نجحت هذه الدول، بسبب هذه النزعة الإنسانية – مهما شكّك البعض فيمقاصدها-، ايّما نجاح، في استقطاب الكفاءات والعقول، والأيدي العاملة الذكية. أميركا وأستراليا وكندا وهولندا والسويد، وغيرها من “الدول المضيّفة”، تستقبل كل عام، الآلاف من المهاجرين الباحثين عن الحرية والفرص والمساواة. وفي حين نجحت الاغلبية من المهاجرين، في ضمانمصدر العيش الكريم والمستقبل الخالي من القلق، بسبب النظام الاجتماعي العادل، الذي يوفّر السكن والراتب الشهري حتى للعاطل عن العمل، فان هناك من المغتربين من نجح مهنيا، في الطب والهندسة، والأعمال الحرة، وارتقى المراتب العالية، اما في السياسة فحدّث عن النجاح، ولاحرج. من ذلك، انّ عائلة بوش ذات أصول إنجليزية وألمانية، أصبحت السلالة السياسيّة الأكثر نجاحًا في التاريخ الأميركي، بعد هجرتها. الرئيس الأمريكي بيل كلنتون، ابن بائع جوال من أب مهاجر، هو ويليام جيفرسون بلايث الأول (1918-1946)، وقد توفي والده بحادث سيارة بعد ولادة بيل، بثلاثة شهور. زوجته هيلاري، التي ولدت العام 1947، من عائلة بريطانية في الأصل، يعمل أفرادها في المناجم. ولأنّ التسامح يضمن اعتراف المجتمع بحق العيش في نظام قيمي يحترم الانسان، من دون شعارات وتنظيرات بلا تطبيق، افرزت الحالة الاجتماعية، والإدارات المؤسساتية الحقة، الابداع والخلق، مهما كانمصدره، سواء من ابن البلد الأصلي، أو من المهاجر. ألبرت أينشتاين من عائلة يهودية، ولد العام 1879، وكان والده هيرمان يمتهن بيع الرّيش المستخدم في صناعة الوسائد، وعملت أمّه بولين كوخ في ورشةٍ لتصنيع الأدوات الكهربائية، لكن التسامح، أتاحلعقله الابداع والابتكار، قبل ولادة البعبع النازي المتشدد. وزير خارجية أمريكا الأسبق هنري كسينجر، مهاجر من المانيا، والوزيرة السابقة، أولبرايت، مهاجرة من تشيكوسلوفاكيا، فيما كولن باول مهاجر من جامايكا، وكان والده محاسبا، وأمه خيّاطة. الرئيس الكولومبي السابق خوليو طربيه، ابن مهاجر لبناني، وكارلوس منعم الذي حكم الأرجنتين، سوري الأصل، وغيرهم الكثير من النخب المهاجرة في أمريكا اللاتينية. وكلما اتّسعت مساحة التسامح، زخر التنوع الذي يغني المجتمع بالأفكار والمشاريع، والابتكارات، وحيثما حلّ التعصب، انحدرت الشعوب الى التخلف والحروب الاهلية، ومعارك الكراهية التي تقتل زهور الابداع، وتمنع الشمس عنها. وهناك الكثير من المهاجرين الذي لا يبحثون عن المال، ومنهم من بلدان عربية ونفطية غنية، وعلى رغم انهم يتمتعون بمعدلات دخل عالية، في أوطانهم، فانهم يهجرونها، ويهرعون الى دول ديمقراطية متسامحة. بل انّ رجال اعمال ومليارديرات، يؤاثرون بلدان الغرب بسبب الحرية والاعتدال، والأمن، فيحرصون على نقل أرصدتهم من بلدانهم اليها، ويفضّلون الاستثمار فيها. فواز حجار، مهاجر سوري، بدأ عمله بمشروع “بيتزا” صغير، وحين دخل الرئيس الأميركي الأسبق، جورج بوش الأب، وزوجته باربرا بوش، مطعمه، صدفةً ، لشراء قطعة بيتزا، سمحا له بإطلاق اسميهما على المأكولاتالتي يحضّرها، لتطبق شهرته، الآفاق. ووصلت ثقافة تقبّل الآخر، واحترامه، الى اقصى انفتاحها، حين تجد مهاجرا نجح في دولة مثل الولايات المتحدة او ألمانيا، لكنه يجاهر بحبّه لبلده الأصلي، ويرفع علمه حتى في المحافل الرسمية، مندون ان يثير ذلك، الحفيظة. كان الرئيس السابق للولايات المتحدة الأمريكية نيكسون، يتحدث دائما على القيم الإنسانية والرحمة، التي طُبّقت بشكل عملي لا تنظيري، كما هو الحال في البلدان العربية والإسلامية، حيث يكثر الكلاموينقص الفعل، وانتقد ذات يوم افراد شعبه بالقول ان “بعض الأمريكيين يميل إلى تصوير المسلمين على أنهم نمط واحد من الناس غير المتمدنين، غير النظيفين، المتوحشين وغير العقلانيين”، محذرا من نزعة العنصرية والكراهية، التي إذا ما تمكّنت من الشعوب، نخرتها، وحالت دون وقوفها، قوية، ماجِدة، تحت الشمس.