المركز الخبري لجريدة السيمر الإخبارية / السبت 06 . 02 . 2016 — يلتقي بطريرك موسكو وسائر روسيا كيريل البابا فرنسيس في الـ12 من الشهر الجاري في هافانا، في خطوة تاريخية لمحاولة تسوية الخلافات القائمة بين الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية.
وقد بدأت الخلافات بين البطريركية الروسية والكرسي الرسولي في مرحلة ما بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، في عام 1991، عندما وجد أتباع الكنيسة الكاثوليكية اليونانية الوحدوية في أوكرانيا، التي يبلغ عدد رعاياها 5 ملايين مؤمن، (والتي ينتمي إليها رئيس الوزراء الحالي أرسيني ياتسينيوك) الفرصة سانحة، وبخاصة في غرب البلاد، للاستيلاء على مئات الكنائس الأرثوذكسية التابعة لبطريركية موسكو وسائر روسيا.
وقد اتهمت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية الفاتيكان برعاية نشاط هؤلاء ولسياسة التبشير على المناطق التابعة تقليديا للكنيسة الأرثوذكسية الروسية. وكذلك لإقامة الكاثوليك أبرشياتهم في الشرق الأقصى الروسي وسيبيريا وفي كثير من المناطق الروسية.
وذلك ما كان عائقا أمام لقاء البطريرك الروسي الراحل أليكسي الثاني مع البابا الراحل يوحنا بولس الثاني في عام 1996، لرفض الأخير مناقشة هذا الموضوع أو إدانته.
وقد تسبب هذا الاتهام من جانب الكنيسة الروسية بتعطيل أعمال اللجنة المشتركة للحوار اللاهوتي بين الكنيسة الكاثوليكية والكنائس الأرثوذكسية، ما أدى إلى وقف المناقشات خلال اجتماع لها في مدينة بلتيمور الأمريكية عام 2000.
وعندما رفعت الكنيسة الكاثوليكية درجة إداراتها الرسولية في الأراضي الروسية، في عام 2002، إلى درجة أسقفيات، احتجت البطريركية الأرثوذكسية الروسية، ورأت في ذلك “عمليات استفزازية ومحاولة لاقتلاع الروس من عقيدتهم”. وعند تجاهل الفاتيكان احتجاجاتها، قرر البطريرك أليكسي الثاني تجميد العلاقات الرسمية بينه وبين الكرسي الرسولي، ولم تُستأنف إلا في عام 2006، بعد وفاة البابا.
وعلى أي حال، فقد كان اللقاء مستبعدا بين البابا البولندي والبطريرك الروسي بسبب العداوات الغارقة في التاريخ بين روسيا الأرثوذكسية وبولندا الكاثولكية المتعصبة.
وكذلك للدور المعنوي، الذي ينسب إلى البابا في إسقاط الأنظمة لموسكو في أوروبا الوسطى والشرقية، ولا سيما أن الإضرابات العمالية المبكرة في بولندا قد بدأت في عام 1980، بعد عامين من انتخابه، وبعد عام من زيارته إلى وطنه الأم، ودعوته إلى “ثورة سلمية” لإسقاط حكم الجنرال فويتشخ ياروزيلسكي في بولندا، الأمر الذي استغله الرئيس الأمريكي الراحل رونالد ريغان في سياسته المناهضة للاتحاد السوفياتي. وقد أكد ذلك الزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشوف، عندما التقى البابا في أواخر عام 1989، واعترف في ختام اللقاء بأن “انهيار الستار الحديدي لم يكن ممكنا لولا يوحنا بولس الثاني”.
وقد أعرب يوحنا بولس الثاني لغورباتشوف أول وآخر رئيس سوفياتي، ولبوريس يلتسين أول رئيس روسي عن رغبته بزيارة موسكو، لكن رفض البطريركية كان دائما يحول دون ذلك.
بيد أن عمليات محاولة تحويل الأرثوذكس الروس عن عقيدتهم لمصلحة روما لم تنقطع حتى بعد وفاة يوحنا بولس الثاني في عام 2005.
ومع ذلك، فقد استؤنفت محاولات جمع البطريرك الروسي والبابا الجديد بنديكت السادس عشر ذي الأصول الألمانية، ولا سيما أن النشاطات التبشيرية في عهده بدأت تفقد زخمها. غير أن استقالة البابا في عام 2013، أفشلت هذه الجهود، كما يقول رئيس قسم العلاقات الخارجية للكنيسة الروسية وعضو السينودس المقدس الدائم المتروبوليت هيلاريون.
ومع مجيء البابا فرنسيس الأرجنتيني من قارة لاهوت التحرير، بدأت ملامح التغيير بالظهور.
ومن أهم سمات هذا التغيير، كان حضور البطريرك المسكوني برثلماوس الأول رئيس أساقفة القسطنطينية وروما الجديدة حفل تنصيب البابا فرنسيس في 19 مارس/آذار من عام 2013. وعلى الرغم من أن البطريرك المسكوني برثلماوس الأول لا يمتلك بين البطاركة الأرثوذكسيين سوى لقب فخري، فإن هذه الزيارة الاستثنائية كانت الأولى منذ الانشقاق الكنسي الكبير في عام 1054، والتي يقوم بها لهذا الغرض إلى روما رئيس الكنيسة الأرثوذكسية.
والبابا فرنسيس نفسه يختلف عن سلفيه، فهو يرى أن التحديات الكبرى للكنيسة هي في الفقر المتفشي في العالم، وهو يدرك القوة المدمرة للنزاعات الدينية، وبخاصة، عندما يؤججها الانقسام في إطار دين واحد، كما يحدث الآن بين المسلمين السنة والشيعة.
وكتب أندريا تورنيلي الخبير في الشؤون الفاتيكانية في صحيفة “لا ستامبا” الإيطالية في حينه أن “حبرا أعظم أقل انتماء إلى الغرب، وأقل ارتباطا باستراتيجيات التبشير قد يلقى بسهولة أكبر القبول في موسكو”.
ولعل التحضير الجدي للقاء قد بدأ آنذاك، حيث بحث المتروبوليت هيلاريون مع البابا فرنسيس مشروع لقاء تاريخي، في بلد ثالث يجمعه بالبطريرك كيريل بعيدا عن أوروبا. ويبدو أن إعداد تفاصيل اللقاء جرى منذ ذلك بعناية فائقة، لتفادي تحوله إلى مجرد حدث بروتوكولي.
ولعل أهم الموضوعات، التي ستكون موضع البحث في اللقاء، هي الهجرة من الشرق الأوسط إلى أوروبا، الجريمة والزواج المثلي. لكن الموضوع الأساس سيكون بالطبع موضوع اضطهاد المسيحيين في الشرق الأوسط، الذي لا يحظى بأي اهتمام من الغرب.
وفي هذا الإطار، قال رئيس المكتب الصحافي السابق للكنيسة الأرثوذكسية الروسية فلاديمير فيغيليانسكي لصحيفة “موسكوفسكي كومسوموليتس” إن “القوات الأمريكية خلال وجودها في العراق لم تحرك ساكنا للدفاع عن المسيحيين هناك (…). في حين أن كلا الأسدين – الأب والابن – (الرئيسين حافظ وبشار الأسد)، إذا وضعنا جانبا القضايا السياسية البحتة، فإنهما كانا دائما متعاطفين ومتسامحين في القضايا الدينية” (04 02 2016).
وعلى أي حال، فإن مجرد لقاء رئيسي الكنيستين هو أفضل بعد ألف سنة من الخصام.
روسيا اليوم