الرئيسية / مقالات / الأسد في روسيا ، السياق الطبيعي

الأسد في روسيا ، السياق الطبيعي

أحمد الحباسى / تونس

قامت الدنيا و لم تقعد لحد الآن ، خبر زيارة الرئيس الأسد إلى روسيا و استقباله من طرف الرئيس بوتين احتل كل نشرات الأخبار و تعاليق وسائل الإعلام العالمية ، الكل يقدم وجهة نظره و الكل يدلى بدلوه و الكل يتساءلون في جنون ، الأسد في روسيا كيف يكون ؟ … المعيب أن هناك من المناصرين للمقاومة و للشعب السوري من لا يزال في حالة ذهول و منهم من لا يزال يجيب عن الأسئلة إلى يوم يبعثون و فيهم من أصبح يرى الأمور بنفس رؤية الخصوم و فيهم من يريد إقناع المتابعين أن ما حدث هو ضربة معلم و فيهم من يجيب بأن هذه الزيارة تاريخية و فيهم من يريد إقناعنا بأن ما قبل زيارة الأسد إلى روسيا لن يكون كما بعده و فيهم من يظن أن الأسد بصدد التفاوض على الرحيل و فيهم من يزعم بأن الأسد قد تم استدعاءه إلى الكرملين ليتلقى أمرا بالرحيل إلى آخر ما يردده هؤلاء منذ تسريب خبر الزيارة.
طبعا ، لا أحد يملك الجواب و لا أحد يعلم دواعي و خلفيات الزيارة ، و أكاد أجزم أن من يعلمون يعدون على الأصابع ، لكن من المهم التساؤل ، من باب فهم الوقائع و من باب التحليل ، الأسد في روسيا ، ما المانع ؟ … أولا ، يجب أن ندرك أن هناك ارتباط عضوي و قوى بين الفيتو الروسي في مجلس الأمن في بداية الأحداث السورية و بين الزيارة الأخيرة للرئيس السوري إلى روسيا ، لنفهم أكثر يجب العودة تدريجيا إلى تصريحات الأسد الأخيرة التي تحدث فيها عن ثقته التامة في صلابة و قوة العلاقة الإستراتيجية الرابطة بين روسيا و سوريا بما شكل لديه قناعة بأن الموقف الروسي من الأحداث السورية لن يتغير و أن روسيا لما رفعت الفيتو إمام وجه الإدارة الأمريكية قد كانت واعية تماما بقدرتها على تحمل كل الضغوط و تقبل نتائج هذا الانخراط في مواجهة اللوبي الصهيوني الساعي لإسقاط الرئيس السوري بشار الأسد ، هناك أمر مهم أيضا يتعلق بوجود قوات المقاومة التابعة لحزب الله في سوريا ، فهذا التواجد النوعي العلني لم يكن ممكنا لولا الموافقة الروسية الإيرانية و لولا قناعة الرئيس الأسد بان المؤامرة التي تنفذ بأيادي خليجية تحتاج فيما تحتاج إلى انخراط المقاومة و اختبار مدى قوة العلاقة السورية الروسية .
الكثيرون يتذكرون لا محالة زيارة الأمير بندر بن سلطان و الأمير سعود الفيصل إلى روسيا و حديث البعض في تلك الفترة عن بداية تغير في الموقف الروسي خاصة بعد أن تحدث البعض عن إغراءات سعودية مالية فاقت الخيال قدمت للرئيس بوتين نفسه مقابل التخلي عن الرئيس السوري ، طبعا ، السياسة الدولية مبنية على المصالح ، بهذا المعنى ، لا أحد يشك بان سوريا لا تقدر إطلاقا خاصة في مثل ظروفها الحالية على تقديم عشر ما قدمه نظام السعودية ، أيضا لا أحد يشك في أن النظام السوري قد شارف في بعض الأحيان على حافة الانهيار السياسي و الاقتصادي نتيجة بعض الخيانات الداخلية و الخارجية ، لا أحد يشك أن حماس قد لعبت دورا خبيثا في مساندة الجماعات الإرهابية و خلق بؤر توتر متنقلة استغلتها المجموعات الإرهابية السعودية لفرض سيطرتها على قدر كبير من التراب السوري ، و بالطبع لا احد يشك أن وسائل الإعلام العربية التي تمثل المشروع الصهيوني قد لعبت دورا قذرا لإسقاط النظام السوري ، يضاف إلى ذلك الضغوط الدولية الكبيرة المسلطة على إيران لجبرها على التخلي على الرئيس السوري مقابل رفع العقوبات الاقتصادية ، كل هذه العوامل المهمة كان بإمكانها أن تغير السياسة الروسية تجاه سوريا و لكنها لم تفعل .
بلغة المصالح و بعيدا عن العواطف ، لا تمثل السعودية رغم وزنها النفطي أية قيمة مضافة في الشرق الأوسط و لا يتعدى دورها الإقليمي و الدولي دور العميل و النظام الساقط الفاقد للشرعية ، و لعل الكثيرين قد تحدثوا عن هامشية الدور السعودي في المنطقة و اضمحلال هذا الدور خاصة بعد انتصار حزب الله في تموز 2006 و فشل هذا النظام في مؤازرته للقرار الصهيوني بكسر عظم المقاومة في تلك الفترة ، بالنتيجة ، انعكس انتصار الحزب على مثلث قوى المقاومة و بات يشكل هاجسا مقلقا لدوائر صنع القرار في الغرب و في إسرائيل ، هذا ما تحدث عنه هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي السابق و الصحفي الكبير روبرت فيسك ، و حيث يتحدث الكاتب المصري الكبير محمد حسنين هيكل مؤخرا عن “صبيانية ” النظام و استحالة تحقيقه لأي انتصار في “عاصفة الحزم” اليمنية فمن المؤكد أن هناك من وجد الآن كثيرا من الأجوبة الواضحة عن كون الزيارة الأخيرة للرئيس السوري إلى روسيا تأتى في سياقها الطبيعي خاصة بعد أن تحدث الرئيس الروسي شخصيا على أن رحيل الرئيس السوري يحدده الشعب السوري و لا شيء غيره و أن سياسة التدخل في سوريا لم تعد مقبولة بما يعنى فراسة أن الرئيس الأمريكي قد سمع نفس هذا المنطق في لقاءه الأخير بالرئيس الروسي و أن الضربات العسكرية الروسية لقوات التحالف الإرهابي الدولي ، ” أصدقاء سوريا” تحديدا ، قد جاءت لتعبر عن تحول مهم و مثير في الرؤية الأمريكية و قبولها بالحل على الطريقة الروسية بعد أن عاشت المنطقة لمدة عقود من الزمن على وقع الحل على الطريقة الأمريكية أو ما يسمى “PAX AMERICANA ” ، هنا بالذات ، لا يمكن للمتابعين أن يتغافلوا لحظة على أن الجيش السوري قد صنع طيلة ما يناهز الخمسة سنوات المستحيل لتفشل المؤامرة الغربية السعودية مما يدفع إلى الاعتقاد أن هناك فارق كبير بين القدرة القتالية لهذا الجيش و القدرة القتالية لجيش الاستعراضات السعودي الفاشل في اليمن .
هناك من يتندر بأن العرب لا يقرؤون ، لكن من الواضح أن العجم لا يقرؤون أيضا ، وعندما يصل الجهل السياسي إلى هرم السلطة في فرنسا أو انكلترا أو ألمانيا حد عدم الاطلاع على مجريات الأمور بين العملاقين و بين العملاق الروسي و حليفه النظام السوري بقيادة الرئيس بشار الأسد ، فمن الثابت أن هناك في هذه الدول من لم ينصت بانتباه إلى حديث الرئيس الروسي و من لم يفهم الرسائل الغير مشفرة التي أرسلها النظام الروسي بإرسال قواته العسكرية إلى سوريا للقضاء على المجموعات الإرهابية السعودية في تحد واضح لهذا النظام السعودي الهامشي العميل ، فهل يملك الملك سلمان الشجاعة ليتحدث مجددا عن المنطقة العازلة في سوريا دون أن يواجه نفس تهديد المندوب الروسي فيتالى تشوركين للطفل القطري حمد بن جاسم حين اعلمه بأن مجرد رفع صوته سيؤدى إلى محو قطر من الخريطة ، و هل تملك فرنسا اليوم الشجاعة للوقوف في وجه التواجد العسكري و السياسي الروسي في المنطقة ، لذلك سيبقى الأعداء في نفس الحيرة و ستبقى سوريا القوة الصاعدة القادمة التي ستؤرق كثيرا من العروش الآيلة للسقوط .

بانوراما الشرق الاوسط