السيمر / الاثنين 08 . 02 . 2016
د . صادق اطيمش
حتى لا تنسى اجيالنا الناشئة تلك الجرائم المروعة التي حلت باهلها ووطنها في الثامن من شباط الأسود من عام 1963، ولكي يعطي من عاصروا هذه الجرائم، الذين لم يُكتب لهم الموت تحت آلات التعذيب البعثفاشية واجهزتها القمعية، صوراً عن بعض ما عاشوه من مآسي وما حملوه من اوزار تلك الحقبة السوداء من تاريخ وطننا، يصبح من الواجب الوطني إستذكار تلك القوى التي نفذت هذه الجرائم بشكل مباشر والإشارة إليها بكل وضوح دون اي تردد او تستر على هؤلاء المجرمين وجرائمهم البشعة. ويكتسب هذا الإستذكار اهمية خاصة اليوم وتحت هذه الظروف الماساوية التي يعيشها وطننا واهلنا منذ سقوط دولة دكتاتورية البعث ووضع سلطة الإحتلال الأمريكي لوطننا قوى الإسلام السياسي والتطرف القومي على قمة السلطة السياسية في العراق، وذلك لإستمرار بعض هذه القوى التي نفذت جرائم شباط الاسود بالأمس على تنفيذ ذات الجرائم اليوم بعد ان لبست جلوداً اخرى محاولة ان تستر بها ما تقدم من جرائمها المنكرة تلك.
لقد شملت هذه الجرائم كافة القوى الوطنية التي وقفت للدفاع عن ثورة تموز وعن مكاسبها الوطنية، بغض النظر عن مواقف قائد الثورة الزعيم الوطني الراحل عبد الكريم قاسم تجاه هذه القوى، وخاصة موقفه من الحزب الشيوعي العراقي الذي نال ما نال من الملاحقات والسجون من قِبَل الأجهزة الأمنية التي كانت تدعي الإنتساب للثورة إلا انها إستطاعت، مع اعداء تموز الآخرين، من الإلتفاف على هذا الإنجاز الوطني العظيم وعلى قائد هذا الإنجاز نفسه الذي لم يدرك في ذلك الوقت ، مع ألأسف الشديد ، ما تريد الوصول إليه احابيل ووشايات وأكاذيب وتصرفات اعداء تموز وتوجهاتهم لعزل الثورة وقادتها عن اشد المناصرين واقوى المدافعين عنها وعن انجازاتها الوطنية حتى اصبح قائدها الزعيم الوطني الراحل عبد الكريم قاسم يُكنى بحق ” ابو الفقراء “.
وهنا تبرز ، من لم يتعمد تجاهل الحقيقة والواقع الذي مر به الحزب الشيوعي العراقي منذ منتصف 1959 وحتى الثامن من شباط الأسود ، الأصالة المبدئية لهذا الحزب الذي لم ينظر إلى ما كان يعانيه من ملاحقات فيتخذ موقفاً معادياً لثورة تموز وقادتها ، بقدر ما كان ينطلق من تقييم وطني معاد للنفوذ الأجنبي وتوجه جاد من جانب الثورة وقيادتها لخدمة الإنسان العراقي في كل مفاصل حياته . وبتفضيل الحزب الشيوعي العراقي آنذاك لمصلحة الشعب والوطن فوق مصالحه الحزبية الخاصة برهان جلي لا يقبل النقاش على مدى إرتباط هذا الحزب بالشعب والوطن .
وحينما نعود إلى ذكريات الثامن من شباط الأسود عام 1963، التي عاشها جيلنا بكل مآسيها وتلقى اهوالها، ونتساءل عن القوى التي كانت لها المصلحة الأساسية في إغتيال ثورة الرابع عشر من تموز وقادتها ومناصريها فإننا سوف لن نجد القتلة الأوباش بين صفوف البعثفاشية بمفردها ، بل هناك قوى أخرى عملت وخططت مع قوى البعث الإجرامية لسنين طويلة خلت لتنفيذ هذه الجريمة التي لم تنافسها جريمة في بشاعتها في تاريخ العراق الحديث . وإذا ما حاولنا التركيز على القوى العراقية الداخلية ، على إعتبار ان دور القطار الأمريكي الذي نقل عصابات البعث ومن معها إلى الحكم في العراق بات واضحاً اليوم لكل ذي بصر وبصيرة ، فإننا سنجد كل القوى الرجعية المتخلفة التي مثلها الإقطاع والإسلام السياسي وقد وقفت متراصة جنباً إلى جنب مع عصابات البعث لتنفيذ هذه الجرائم الدنيئة التي حملت عنواناً كبيراً وواضحاً يشير إلى القضاء على الشيوعية والشيوعيين في العراق من خلال القضاء على ثورة تموز وكل من يقف إلى جانبها ويناصرها على اعداءها ويعمل على تحقيق طموحاتها
لم يكن للإسلام السياسي في العراق اي دور نضالي معروف ضمن الحركة السياسية العراقية التي تصدت للوضع القائم بعد إستيراد السياسة البريطانية لشخص من خارج العراق كفيصل الأول وتنصيبه ملكاً على العراق بعد ان رفضه السوريون ان يكون ملكاً في بلادهم . ولم يُعرف لأحزابهم القائمة الآن اية مساهمات جماهيرية تصب في مجرى النضال الوطني القائم آنذاك . وحينما نقول هنا الإسلام السياسي فإن ما نعنيه هي تلك القوى الدينية التي تنتظم اليوم في أحزاب سياسية هدفها الأول والأساس بلوغ السلطة عبر الدين . أي انها احزاب سياسية بواجهات دينية ، تُوظِف فيها التعاليم الدينية لتحقيق الهدف السياسي المنشود الذي يرتبط في أكثر الأحيان بتشويه التعاليم والثوابت الدينية التي اخضعتها أحزاب الإسلام السياسي هذه إلى متغيرات السياسة اليومية ، إنطلاقاً من القاعدة الميكافيلية ” الغاية تبرر الواسطة.”
كما انه يجب التفريق بين هذه الأحزاب وبين بعض رجال الدين المعروفين في نضالهم الوطني في ذلك العهد والذين لم ينتموا إلى أي حزب سياسي من الأحزاب القائمة آنذاك، كما انهم لم يحاولوا تشكيل اي تجمع سياسي، إلا أنهم ساهموا ، بل وقادوا ،كما في ثورة العشرين ، النضال الوطني ضد السياسة البريطانية التي هيمنت على العراق بعد سقوط الدولة العثمانية، فنالوا بذلك إحترام وحب الجماهير الشعبية لهم .
في منتصف خمسينات القرن الماضي بدات أرهاصات العمل السياسي المنظم لبعض القوى الدينية وذلك على شكل محاولات تنظيمية إنخرط فيها بعض رجال الدين بغية تشكيل أحزاب سياسية، كمحاولات تشكيل الحزب الفاطمي مثلاً او حزب الدعوة الإسلامية . لا نريد التطرق في موضوعنا هذا إلى هذه الإرهاصات ، بل إلى محاولات رجال الدين الذين إنخرطوا في العمل السياسي ضمن توجهات فرضت عليهم التعاون والعمل المشترك مع قوى سياسية لها تنظيماتها القائمة ، في الوقت الذي لم تكتمل بعد مثل هذه التنظيمات لدى رجال الدين هؤلاء . وهذا ما برز بشكل واضح في التآمر على ثورة الرابع عشر من تموز الذي خططت له سياسة المخابرات المركزية الأمريكية ونفذه مجرمو البعث وشركاؤهم في جريمة الثامن من شباط عام 1963.
لقد سبق تنفيذ جريمة الثامن من شباط واغتيال الجمهورية العراقية الأولى سلسلة من الإجراءات لتهيئة الأجواء لمثل هذا العمل الإجرامي الذي تحَمَل مآسيه وتبعاته الشيوعيون العراقيون إلى جانب الكثير من القوى الوطنية العراقية الأخرى التي طالتها مجازر البيان رقم 13 لذلك اليوم الشباطي الأسود في تاريخ العراق .
وبما ان حزب البعث في العراق لم يستطع إستيعاب مبادئ ثورة الرابع عشر من تموز التحررية وتمسكه بما كان يُملى عليه من قبل الحركة القومية العربية التي كان جمال عبد الناصر رائدها الرئيسي آنذاك ، والمتمثلة بتحقيق الهدف الذي كانت تدَّعيه هذه الحركة بسعيها لتحقيق الوحدة العربية التي لم تستطع ان تحققها وهي على رأس السلطة السياسية ، وبالتالي عدم إستطاعة حزب البعث التأثير على تطور العمل السياسي الذي أصبح يتأثر يومياً وبشكل إيجابي بالتأييد الذي كان يلقاه الزعيم الوطني الشهيد عبد الكريم قاسم ، وشعور هذا الحزب بالعزلة الجماهيرية التي كان الشارع العراقي يواجهه بها ، فقد لجأ البعث للتعاون والتنسيق مع بعض القوى الدينية والإقطاعية العراقية التي وقفت موقف العداء من ثورة الرابع عشر من تموز ، خاصة بعد الإعلان عن قانوني الإصلاح الزراعي والأحوال المدنية .
لم يستطع حزب البعث العراقي ولا مَن إلتجأ إليها وتعاون معها من القوى والشخصيات الدينية السياسية ان يجاهروا بعدائهم لمثل هذه المكتسبات كموقف سياسي ، إذ ان مثل هذه المكتسبات كانت تعكس طموحات الطبقات الفقيرة من ابناء الشعب وتتفق مع تطلعات القوى الوطنية العراقية التقدمية التي ساندتها بكل قوة وعملت على تنفيذها فعلاً في المجتمع العراقي . إلا ان هذه الإنتهازية في الموقف إضافة إلى الفشل السياسي الذي واجهه حزب البعث، لم يثنه عن تجاوز مبادءه التي طالما رددها على أنها تعكس التوجه العلماني في إدارة الدولة ، إلى التوجه صوب القوى الدينية التي وجد عندها المَخرج اللاهوتي من أزمته هذه . فقد إلتقى هذا الحزب بالقوى الدينية المعادية لثورة الرابع عشر من تموز ليتفق الإثنان على إجهاض الثورة من خلال تجريدها من مؤيديها . وبما ان الحزب الشيوعي العراقي كان يقف في صدر المواجهة للدفاع عن ثورة الرابع عشر من تموز ، فقد أصبح عنوان الإنقضاض عليها يعني أول ما يعني الإنقضاض على الحزب الشيوعي العراقي ومن ثم الإنفراد بالثورة ذاتها. وهنا برز دور القيادات الدينية على محورين :
المحور الأول الذي أرتبط بالفتاوى الدينية التي أصدرها بعض رجال الدين المحسوبين على المرجعيات الدينية في ذلك الوقت والتي كانت في الواقع أقرب إلى الفتنة التي تؤسس للقتل والتهميش أكثر مما تدعو إلى الرشد والصلاح الذي يتوقعه المرء من فتوى دينية . فبدات هذه السلسلة من الفتاوى إذ ” تطوع الشيخ مرتضى آل ياسين بكتابة فتوى لقياس ردة الفعل ونصها يقول : ( ألإنتماء إلى الحزب الشيوعي من أعظم المحرمات التي يشجبها الدين ، وتنبؤ عنها شريعة سيد المرسلين ، هدانا الله جميعاً إلى صراط المستقيم الذين انعم الله عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) (أنظر الملتقى الإسلامي 20.07.2001)” ( دراسة للسيد محمد باقر الحسيني ، بعنوان :علاقة المرجعية الشيعية بثورة 14 تموز ، القسم الثاني ، بتاريخ 28.05.2007 )
ويستمر السيد محمد باقر الحسيني في دراسته هذه قائلاً : ” فلم ينتبه أحد لا لإسم الشيخ ولا للمضمون ولا للشكل ، والفتوى هي على الأحوط بالون للإختبار . كان اللاعب ألأمريكي على الخط . فقد روى لي المحامي حسون سميسم عام 69 وأكد هذه الرواية المحامي جواد عبد الحسين أن دفعة كبيرة من المال وصلت لمصرف الرافدين في النجف مرسلة من تركيا بإسم السيد (والمقصود هنا السيد محسن الحكيم ـ ص إ ـ ) ، وارسل قاسم ضباطاً للتحقيق مع السيد الذي قال بانها حقوق شرعية ، واستلمها السيد مهدي. وقد ذكر هذه الحادثة عبد الكريم قاسم نفسه (الحديث للمحامي جواد عبد الحسين ) عندما إجتمع مع وفد أنصار السلام في بغداد . وبعد أسبوع من ذلك كتب السيد فتواه الشهيرة ( بسم الله الرحمن الرحيم . لا يجوز الإنتماء إلى الحزب الشيوعي فإن ذلك كفر وإلحاد أو ترويج للكفر والإلحاد . اعاذكم الله وجميع المسلمين عن ذلك وزادكم إيماناً وتسليما ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ) وهي مؤرخة بتاريخ 17 شعبان 1379 المصادف 15 شباط 1959 ” (نفس المصدر السابق )
ولم يستجب احد لهذه الفتنة وحتى الغارقون في الإيمان من مقلدي السيد محسن الحكيم وجدوا في هذه الفتوى تحريضاً على قتل ابناءهم. خاصة وان الحزب الشيوعي العراقي كان يحظى بدعم كبير من اهالي المناطق الجنوبية والوسطى التي كانت في عداد مقلدي السيد الحكيم . إذن لم تجد هذه الفتاوى نفعاً ولم تسهل الطريق امام الإنقضاض على جمهورية الرابع عشر من تموز من خلال تجريدها من مؤيديها قبل كل شيئ . لقد ادى فشل هذه الحسابات البعثية الإسلاموية إلى التفكير بمخططات اخرى أكثر فعالية تصب في هذا الإتجاه ، إتجاه التخلص من جمهورية الرابع عشر من تموز ، خاصة في المرحلة التي بدأت فيها الشركات البترولية تعبر عن قلقها بوضوح إذا ما بقيت هذه الجمهورية على قيد الحياة . ” وهنا تلاقح الإقطاع بالبعث، والبعث بالمرجعية الدينية، والمرجعية بالخطط الشاهنشاهية الأمريكية البريطانية ، فجاء هذا التلاقح بولادة المولود المسخ (14 رمضان ) . وكان نتيجة هذا السفاح الفتوى الثانية التي اعطاها السيد ( المقصود هنا السيد محسن الحكيم ، ص ـ إ ) بدون ان يرمش له جفن ( الشيوعيون مرتدون وحكم المرتد هو القتل ، وإن تاب الشيوعيون نوعان ألأول مَن آمن بها وحمد بها ولا يرجع عنها ، فحكمه كما جاء اعلاه والنوع الثاني من اعتبرها تقدمية ومعاونة المحتاجين ، وهؤلاء يحجزون ويفهمون ويعَلَمون الصح من الخطأ . فإن تابوا يطلق سراحهم . وإن اصروا عليه فحكمهم كما جاء اعلاه ) ” (نفس المصدر السابق )
سلسلة الفتاوى هذه التي صاغها الإسلام السياسي وحملتها في قطارها المخابرات المركزية الأمريكية لتنفذها عصابات البعث في الثامن من شباط الأسود ولتغتال من خلالها الجمهورية العراقية الأولى ورجالها الذين لم يسجل عليهم تاريخ وجودهم في السلطة اي نوع من السرقات واللصوصية والتزوير والإثراء الفاحش على حساب قوت الجماهير والفساد الإداري والمالي وتردي خدمة المواطن واستغلال الدين للعمل السياسي اليومي المتقلب، كما نلاحظ ونعيش كل ذلك اليوم تحت “رحمة ” الأحزاب التي تدعي الدين، وما ابعدها عن تعاليم الدين الحقة بمثل هذه التصرفات الهمجية المنافية للقيم الإنسانية والأخلاق الدينية .
اما المحور الثاني فهو ذلك الذي وظفه حزب البعث من خلال تنظيماته ليجعل من نفسه بوقاً سمجاً للإسلام السياسي الذي بارك له هذا الإسلام بدوره هذا النشاط اللاأخلاقي طالما يصب ذلك في إضعاف جمهورية الرابع عشر من تموز للإنقضاض عليها في نهاية المطاف . فقد أوعز حزب البعث إلى منظماته باختلاق الأكاذيب وافتعال التهم التي من شأنها تشويه سمعة الشيوعين العراقيين ، وأكد على ان تصب هذه الإتهامات والأكاذيب في مجرى القناعات الدينية التي ستلقى التأييد والدعم من رجال الإسلام السياسي.
” ولعل اکثر التهم الملفقة إثارةً کانت تلك التي اصبحت محور الفتاوي ومادتها لبعض مُعَمَمي النجف وکربلاء والکاظمية وآياتها العظمی-;- والأقل عظمة، عن الشيوعيين المُلحدين الذين احرقوا القرآن، ويدعون الی-;- الأباحية لکونهم يغنون ويصفِّقون في اجتماعاتهم وندواتهم “بتالي الشهر، ماکو مهر!!! لقد فضح بعثي سابق اسمه حسن العلوي هذه القضية المثيرة، وذکرها الزميل رشيد الخيون في مقالة راجع فيها کتاب حسن العلوي “العراق الأمريكي”. نُشرت تلك المقالة علی-;- موقع (عراق الغد). قال الزميل الخيون ما يلي: ” لكن العودة إلى ما كتبه العلوي في العديد من كتبه وما قاله في محاضراته يظهر أنه أُعجب متأخراً بمشروع الحزب الشيوعي في اتحاد عربي لا وحدة عربية، وأنه كشف ما كان مستوراً من ألاعيب البعثيين في الدين ومع رجال الدين ضد اليسار. فله الفضل في كشف جريمة حرق صفحات القرآن الكريم من قبل البعثيين واتهام الشيوعيين أمام المحاكم…….. وترتب عن الاتهامات الباطلة والاحکام الجائرة ان ضجَّت سجون الحلة وبعقوبة والکوت والسجن المرکزي في بغداد بالکثير من المعتقلين الشرفاء من اعضاء الحزب الشيوعي وانصاره وكثير من الديمقراطيين، حتى استلمتهم أيدي الانقلابيين في 8 شباط، حيث سحقتهم عجلة الحقد الفاشي. ” ( عن : الدكتور محمد الأزرقي : الحلقة التاسعة من تاريخ الناصرية )
” وتبع ذلك نشر أكذوبة حرق القرآن وإتهام الشيوعيين العراقيين بذلك، والتي كذبها بعد عقود السيد حسن العلوي، وهو الكادر الحزبي البعثي آنذاك، وأشار إلى أن من نفذ هذه الجرائم هم فرق من البعثيين كجزء من سعيهم لإلصاق التهمة بالشيوعيين ولزعزعة الإستقرار وإثارة الفتن وتهيئة الأجواء لتنفيذ مجازرهم في 8 شباط لاحقاً. ولجأ المفبركون إلى نشر صور تعود لضحايا مواطنين جزائريين قتلوا على يد المستعمرين الفرنسيين، ليعلنوا أنها من ضحايا النزاع العرقي في كركوك في تموز عام 1959، ويلصوقونها بالحزب الشيوعي العراقي بهدف دق إسفين بين عبد الكريم قاسم والحزب الشيوعي، وترويج الإتهامات ضده كجزء من التحضير لمأساة شباط عام 1963. والقائمة قد تطول لو إستعرضنا كل تلك الفبركات الطويلة والعريضة في تلك الأيام المضطربة. ” ( عادل حبه : عباس بيزه وحسنة ملص وضحايا عائلة الكواز ، في الحوار المتمدن العدد 2117 بتاريخ 02.12.2007)
وهكذا إجتمعت قوى الظلام البعثية والإسلاموية والإقطاعية لينقلها القطار الأمريكي ، بعد ان موَّلها وسلَحها لتنقض على ثورة الرابع عشر من تموز وجمهورية العراق الأولى، بعد ان سحبت البساط من تحت أقدامها وجردتها من مؤيديها وتركتها تسبح عائمة في أجواء الشكوك بين قيادة الثورة وجماهيرها .
إلا أن منفذي جرائم الثامن من شباط ألأسود لم يقتصروا على الفتاوى الدينية من بعض المراجع السنية والشيعية في تنفيذ جرائمهم ضد معارضيهم السياسيين في الصف الوطني العراقي فقط , بل إعتمدوا وبشكل أساسي أيضآ على تلك القوى الرجعية التي وقفت منذ البدء ضد ثورة الرابع عشر من تموز والتي إصطفّت في الصف الذي تزعمته بقايا ألإقطاع والرجعية العربية الشوفينية التي لبست اللباس العربي القومي المليئ بالشعارات العنصرية والرجعية والتي وجدت في الفكر البعثي الفاشي متنفسآ لعنصريتها وانعكاسآ لتخلفها الفكري ، وفرصة للإنقضاض على تلك القوى التي سعت إلى تحقيق ما جاءت به ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 سواءً كان ذلك على النطاق الزراعي الذي وضع له قانون الإصلاح الزراعي قاعدة ألإنطلاقة الثورية الجديدة ، أو على النطاق ألإجتماعي ـ السياسي الذي تبلور من خلال الإنطلاقة الجماهيرية في تنظيم النقابات والجمعيات والمؤسسات المهنية التي أرعبت أعداء العمل الجماهيري المنظم مهنيآ وسياسيآ . كما وشكلت بعض القوانين التي تبنتها ثورة تموز كابوسآ مخيفآ لهذه القوى التي عملت منذ البدء على الإنتقام من الثورة بالإنتقام من مؤيديها والساعين إلى تحقيق إنجازاتها المتمثلة بقانون إستثمار الحقول النفطية وطريقة التعامل مع شركات النفط الأجنبية , وقانون ألأحوال الشخصية الذي أعاد للمرأة العراقية كرامتها التي حاولت القوى المتخلفة أن تلبس إضطهادها للمرأة وامتهان كرامتها لبوسآ دينيآ فضحته الثورة كما فضحت أساليب إستغلال الدين هذه .
كل هذه القوى والعناصر التي أخرستها قوانين واجراءات الرابع عشر من تموز ظلت تمارس التصدي لهذه الثورة للإيقاع بها وبمؤيديها ومسانديها من الشيوعيين والتقدمين المستقلين والقوى الوطنية العراقية التي وضعت حرية الوطن وسعادة الشعب هدفآ ثابتآ لنضالها . وبعد أن تسنى لإنقلابيي الثامن من شباط ألأسود الوصول بالقطار الأمريكي , حسب تصريحات أحد قادتهم آنذاك علي صالح السعدي ، لم يبخل الإسلام السياسي بتأييده لهولاء المجرمين بالرغم من معرفته مسبقاً بما يخطط له هؤلاء من مجازر بحق العراقيين ، لا لشيئ إلا لكونهم من أنصار ثورة الرابع عشر من تموز التي حاربها الإسلام السياسي هذا مُمَثلاً بالسيد محسن الحكيم الذي سارع إلى إرسال برقية التأييد لإنقلابيي الثامن من شباط بالرغم من معرفته التامة بجرائم القتل التي إقترفوها والتي سيقترفونها، في الوقت الذي نسي أو تناسى فيه سماحته ألإعلان عن تأييده لثورة الرابع عشر من تموز تحريرياً او شفوياً. كما لم تتوان بقايا الإقطاع من إعلان ولاءها التام للإنقلابيين وجرائمهم التي بدأوا بممارستها منذ الساعة الأولى لإغتيالهم ثورة الرابع عشر من تموز وقادتها وأنصارها
ألإسلام السياسي بمختلف طوائفه ومذاهبه الذي أجرم بحق العراقيين بالأمس من خلال إرتباطه بمجرمي البعثفاشية وبقوى الإقطاع ، يواصل جرائمه اليوم من خلال مليشيات أحزابه ومن خلال تبنيه الكامل للطائفية والمذهبية والمحاصصات القومية والمناطقية والدينية ، كل ذلك الذي يؤدي ، حتى يومنا هذا ، إلى مزاولة جرائم السرقات للمال العام واختلاس موارد الدولة وتشجيع الفساد الإداري والمالي والتفريط بخدمات المواطنين في سبيل الإثراء الفاحش على حساب الفقراء والمعوزين والأرامل واليتامى الذين خلَفَتهم دكتاتورية البعث البغيضة، والكثير الكثير من الإنتهاكات اللاأخلاقية والجرائم التي تحدث كل يوم في الدولة العراقية التي يقودها الإسلام السياسي . ومع كل ذلك يدَّعي منتسبو هذه الأحزاب بأنهم مسلمون وملتزمون بتعاليم دينهم ايضا. فأي إسلام هذا الذي يدعَّون الإنتساب إليه؟ إنه إسلامهم الذي وصفه الكاتب والمفكر عبد الرزاق الجبران في كتابه القيم المعنون ” جمهورية النبي” والذي جاء فيه على الصفحة111 ما يلي:
“” الشريعة التي يعرضها المعبد اليوم، لم تُطوِّل الطريق إلى الله فحسب، وإنما سدَّت الطريق إليه. فهي عينها التي جعلت الكثيرين يهربون وينفرون من هذا الدين، بحثاً عن ايديولوجيا أخرى. بل وهي التي جعلت الكثيرين ينقلبون اعداءه.. فالأحكام التعسفية في التشريع الفقهي، ليس احكاماً غير منطقية فحسب، او غير اخلاقية، او غير جمالية، وإنما احكاماً جعلت من الدين عبئاً على الناس ونفياً للوجود.. جعلته ممهداً للإستعباد والإستغلال والإستحمار.. احكاماً إستلابية وظلامية، صانعة للعدم.. بينما الدين مدارات إلهية لأنجاز الوجود””
كلمة لابد منها نخاطب بها اهلنا الواقعين اليوم بين مطرقة احزاب الإسلام السياسي ومن يشاركها في توجيه العملية السياسية في وطننا، وسندان الإرهاب وبعض قواه المتنفذة اليوم في البرلمان العراقي وفي كثير من مؤسسات الدولة العراقية السائرة نحو الهاوية، ان تجعلوا من الإحتجاجات الجماهيرية والإنتفاضات الشعبية طريقاً للإعلان الصريح والواضح عن اسماء سارقي قوتكم وناهبي خيرات وطنكم وتقديم قوائم الجرائم ومرتكبيها إلى القضاء الذي لم يزل لنا بعض الأمل فيه، والكف عن طرح الشعارات العامة التي اصبحت مادة لمراوغة ثعالب الأحزاب الحاكمة وقواها المتنفذة والمعشعشة في كل اجهزة الدولة المغلوبة على امرها. فمجرمو اليوم بحق اهلنا ووطنا ولصوص الليل والنهار من الأحزاب الحاكمة هم إما ان يكونوا انفسهم من مجرمي شباط الأسود، او من احفاد او اولاد اولئك المجرمين الأوباش. فلا يغرنكم تغيير الوجوه وتجديد الطلعة. والنصر للشعوب دوماً طال الزمن ام قصُر.