المركز الخبري لجريدة السيمر الإخبارية / الجمعة 29 . 04 . 2016 — في التاسع من شهر نيسان – أبريل الحالي اختطف مسلحون مجهولون يستقلون سيارات رباعية الدفع ويرتدون زيا رسميا شخصا سودانيّ الجنسية من منطقة الكرادة المزدحمة وسط العاصمة بغداد أمام مرأى المارة واقتادوه إلى جهة مجهولة.
لا يعرف أهالي المنطقة حتى اليوم مصير المختطف وهم يؤكدون في الوقت نفسه أن مثل هذه الحالة تتكرر بصورة مستمرة حيث يقدم مجهولون على اختطاف مواطن هنا أو هناك من دون معرفة مصير المختطف أو مكان احتجازه والجهة التي تقف وراء هذه الحوادث.
هذه الحوادث كانت مألوفة للغاية في عامي 2006 و 2007 في مرحلة الاحتقان الطائفي في بغداد لكنها اليوم عادت مجددا للظهور ففتحت باب الآلام مجددا للعائلات التي فقدت اولادها بهذه الطريقة والمحظوظة منها هي من وجدتهم مقتولين لاحقا او محتجزين في أحد المعتقلات فيما بقيت مئات العائلات تنتظر عودة المفقودين اليها دون جدوى.
منذ السادس عشر من حزيران عام 2014 واكتمال طه لا تعرف شيئاً عن نجلها الأكبر وليد الذي خرج صباح ذلك اليوم ولم يعد حتى اليوم.
وليد الذي يعمل سائقاً لسيارة أجرة خرج كعادته من منزله الواقع في منطقة الأعظمية وسط العاصمة بغداد لكنه لم يعد مساءً كما كان يفعل يومياً.
لا تزال أم وليد منذ ذلك اليوم تنتظر عودة ابنها الذي لم تفقد الأمل في أنه لا يزال على قيد الحياة رغم عدم تركها باباً إلا وطرقته برفقة زوجها بحثاً عن وليد الذي لا أثر له في مراكز الشرطة أو المستشفيات أو في اتصال هاتفي من خاطف مجهول.
“ما زلت أؤمن أن وليد على قيد الحياة.. وهو يشمّ الهواء” تقول أم وليد بعيون باكية وقلب لا يتوقف عن الدعاء.. وتضيف “الكل يطلب مني ان اعتبره ميتا لكنني لا أشعر بهذا، بل أشعر أنه موجود وسيعود قريبا”.
أما والد وليد،أحمد عبد الوهاب فيعتقد أن نجله محتجز في مركز أمني تابع للحكومة فكل ما حدث منذ ذلك اليوم وحتى الآن يجعله يوقن ذلك.
“آخر اتصال لي بوليد كان يوم اختفائه أي في السادس عشر من حزيران عام 2014 حيث تأخر عن موعد عودته عند العاشرة مساء كما اعتاد، فطلبته لأكثر من مرة لأطمئن عليه لكن هاتفه المحمول كان مغلقا” .. يقول عبد الوهاب.
ويضيف “بعد ساعتين تقريبا تمكّنت من ربط الاتصال بوليد الذي رد على اتصالي وأبلغني أنه بخير وسيعود قريباً وأنه يتجول في السيارة في إحدى المناطق القريبة”.
لكن والد وليد لم يقتنع بوقتها بكلام ابنه حيث كان صوته المتسلل من سماعة الهاتف لا يوحي بأنه موجود في السيارة بل هو في مكان هادئ بعيد.
يقول عبد الوهاب “طلبت من وليد أن يستخدم منبّه السيارة لكنه ردّ بأنه ليس الوقت المناسب لفعل ذلك ما زاد من شكوكي بأنه في مكان ما لا في سيارته”.
ويؤكد عبد الوهاب أنه لم يتمكن بعد ذلك اليوم من مكالمة وليد ولم يجد له أثراً في مراكز الشرطة أو المستشفيات وحتى في الطب العدلي حيث يتم تسليم جثث قتلى التفجيرات والجثث المجهولة وجثث المخطوفين المجهولين أو ضحايا الحوادث اليومية.
كما يستبعد والد وليد أن يكون ابنه مخطوفا إذ أن أحدا لم يتصل به لابتزازه وطلب الفدية ولا يعتقد أن وليد قد قتل مثلا لكونه شخصاً مسالماً ليس له مشاكل أو عداوات في حياته.
يحتفظ عبد الوهاب بأمل أن يكون ابنه وليد موجودا في مركز أمني بعد أن أخبره أحد أقاربه بأن حالات مماثلة تقع بين الحين والآخر غير أنه لم يتمكن من الاستدلال على اسمه في قوائم المحتجزين والمسجونين في جميع المواقف والمراكز الأمنية.
ما يزيد من اعتقاد والد وليد بصحة هذه الفرضية أن المناطق القريبة من منطقة وليد كانت تشهد إجراءات أمنية مكثفة واعتقالات واسعة للشباب تحسبا لوقوع أعمال مسلحة بالتزامن مع سقوط عدد من المدن بقبضة تنظيم داعش وقتها والذي تمكن من الوصول إلى مشارف سامراء في ذلك الحين بعد احتلاله الموصل وغيرها من مدن في شمالي العراق.
وتزداد هذه الحوادث في المناطق التي تشهد أعمال عنف متكررة ويرجح الأهالي أن تكون جهات أمنية أو سياسية نافذة وراء هذه الحوادث لاسيما وأن الجهات الأمنية تعمد أحيانا إلى عدم الكشف عن مصير المعتقل لحين الانتهاء من التحقيق معه إن كان الاعتقال متعلقاً بقضية إرهابية.
ام علي تعدّ نفسها واحدة من الامهات المحظوظات لأنها تعرفت على مصير ابنها بعد قرابة عامين على اختطافه، فالقصة بدأت حينما خرج علي الى السوق القريب منتصف عام 2007 وحدث انفجار مفاجئ قرب المكان فقامت احدى الدوريات الامنية بجمع عدد من الشباب من بينهم ابنها.
بعد عامين من البحث اكتشفت المرأة التي عمل زوجها خطيبا لأحد الجوامع في الغزالية أن ابنها معتقل في احد سجون وزارة الداخلية بتهمة الاشتباه به لأنه كان متواجدا في مكان التفجير عند وقوعه وبعد اربعة اعوام تم الافراج عنه.
تقول ام علي “ليست الكثيرات محظوظات مثلي كي يستعدن أبناءهن مثلي مجددا، أنا منذ ذلك اليوم لا اسمح له بالمغادرة بمفرده”.
ويتهم البعض ممن يفقدون أبناءهم الميليشيات التابعة للأحزاب الدينية بتنفيذ عمليات اعتقال واختطاف مماثلة لشباب توحي تصرفاتهم بالشك في مناطق عدة من بغداد او ان يتم اختطافهم بسبب نزاع شخصي يحدث بين احد ابنائهم وشاب آخر ينتمي الى ميليشيات دينية فيقوم الاخير بالانتقام من ابنهم باستخدام نفوذه فيخطفه ولا يجدون له أثراً، إذ وقعت حوادث عدة في هذا الإطار لا سيما في المناطق الشعبية من بغداد.
تشابه قصة وليد إلى حد كبير الكثير من القصص التي مرت بأشخاص آخرين في سنوات سابقة ومنها قصة إبراهيم السامرائي الذي تقول أمه ساهرة إبراهيم إنه اعتقل من بين يديها ظهيرة السادس والعشرين من تموز عام 2006 عندما اقتربت منهما مركبة عسكرية وترجل منها رجلان يرتديان زيا عسكريا ليأخذوه من دون أن تعرف عنه شيئا حتى الآن.
ظلت تبحث والدة إبراهيم عنه منذ ذلك الحين في قوائم المسجونين بمراكز الاعتقال الحكومية من دون جدوى غير أنها تحتفظ بشريط مصوّر لمجموعة سجناء بثتها إحدى القنوات المحلية تقول إن ابنها كان من بينهم من دون أن تؤكد الصورة متواضعة الدقة هل الشخص الذي تقصده أم إبراهيم هو ابنها أم لا.
كذلك هو حال الشقيقين خالد وأحمد فوزي الذين اعتقلا برفقة خمسين شاباً من منطقة السيدية ببغداد في الثلاثين من شهر كانون الأول 2005 ولم يتمكن ذووهم من العثور عليهم أو على أي إشارة لوجودهم في مكان ما.
عائلة خالد وأحمد تقولان أنهما اعتقلا على يد رجال يرتدون الزي العسكري قدموا بسيارات عسكرية وانتشروا ذلك اليوم في شوارعها بحثا عمّن قالوا إنهم مشتبه بارتباطهم بتنظيمات مسلحة حيث كان تنظيم القاعدة ينشط آنذاك في بعض مناطق العاصمة بغداد إبان فترة الاحتقان الطائفي.
وفي عامي الاحتقان الطائفي في العراق كانت عشرات الجثث لمفقودين تصل الى الطب العدلي وكان الاطباء يقومون بتصوير الجثث ويدونون العلامات الفارقة في الجسد في سجل خاص ثم يصدرون تصاريح دفنها، وكان الوقفانالسني والشيعي يتبرعان بدفن الجثث آنذاك إذ يوجد اليوم عشرة آلاف قبر مجهول الهوية من تلك الحقبة.
وفي الوقت الذي تؤكد وزارة الداخلية وجهات أمنية حكومية أخرى أن كل المحتجزين لديها يتم تسجيل أسمائهم في قوائم خاصة منذ اللحظة الأولى لاحتجازهم سواء على ذمة التحقيق أو بعد إصدار الأحكام القضائية بحقهم، تلمح وزارة العدل إلى أن بعض هذه الجهات تتحفظ لأسباب أمنية على أسماء بعض الأشخاص من الذين توجه إليهم تهم تتعلق بالمادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب.
يقول المتحدث باسم وزارة العدل حيدر السعدي لـ”نقاش” إن “بعض الجهات الأمنية تتحفظ أحيانا على أسماء المحتجزين لديها لاسيما إذا كانت لهم علاقة بأعمال إرهابية حتى يتم البت في شأنهم وهذا الأمر قد يأخذ أحياناً أشهرا ومن بعدها تزود الجهة الأمنية وزارة العدل بأسماء هؤلاء لتقوم بدورها بإضافتها إلى قائمة الأسماء الموجودة في الحاسبة المركزية”.
ويؤكد السعدي أن وزارة العدل هي جهة إيداع لا تتسلم أي محتجز من دون أوراق رسمية من الجهة الأمنية التي ألقت القبض عليه،داعيا ذوي المفقودين إلى مراجعة الحاسبة المركزية بين الحين والآخر أملا في ورود أسماء مفقوديهم.
الحرة حدث