السيمر / الأربعاء 19 . 10 . 2016
عبد الباري عطوان/ فلسطين
نعترف بأننا عندما نتناول أمور منطقتنا العربية وتطورات ازماتها لا نتردد في اعلان ايماننا بنظرية “المؤامرة” دون أي تحفظ، ليس لأننا مندفعين او نميل الى اطلاق الاحكام دون تمحيص ودراسة، وانما لأننا اكتوينا، وما زلنا، بنيران هذه المؤامرات، وندفع ثمنا غاليا من دمائنا، واستقرار بلداننا، ووحدتها الترابية والجغرافية.
نطرح هذه المقدمة بمناسبة ما يجري حاليا في مدينة حلب من أوضاع انسانية مؤلمة، وتخلي المجتمع الدولي، بما في ذلك “أصدقاء الشعب السوري”، عن هذه المدينة، واكثر من ربع مليون من أبنائها يعيشون تحت حصار خانق.
اليوم (الأربعاء) اعلن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، الذي تعهد في مناسبات عديدة بأنه لن يسمح بسقوط حلب، وسيدافع عن سكانها، انه اتفق مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، خلال مكالمة هاتفية بينهما، على انسحاب مقاتلي “فتح الشام” او “النصرة” سابقا، من حلب، وأضاف في كلمة القاها امام نحو 400 من ممثلي المناطق والاحياء التركية (المخاتير) في انقرة “اعطينا اصدقاءنا الأوامر الضرورية في هذا الشأن” ورأى الرئيس التركي “ان انسحاب جبهة فتح الشام والتي كانت محسوبة على شبكة القاعدة الإرهابية، سيحقق السلام للسكان في حلب”.
***
فرص نجاح هذا الاتفاق التركي الروسي الذي اعلن عنه الرئيس اردوغان، تبدو كبيرة جدا للوهلة الأولى لانه يشكل خطوة مهمة لحقن الدماء، وإنقاذ أرواح السكان الأبرياء المحاصرين، لان وجود قوات “فتح الشام” الذي قال المبعوث الدولي ستيفان دي مستورا ان عددهم في حدود 900 مقاتل، لن يمنع سقوط المدينة في يد قوات التحالف الروسي السوري الذي يملك الطيران والدبابات والقدرات القتالية العالية، مثلما يملك الإرادة لمواصلة القصف الجوي والبري حتى القضاء على هؤلاء المقاتلين المصنفين على قائمة الإرهاب الدولي، حسب القوانين الامريكية والغربية.
جبهة “فتح الشام” كانت وما زالت مثل فصائل سورية اخرى، ضحية خدعة عربية أمريكية كبرى عندما طالبها بعض حلفائها في الخليج بفك ارتباطها بتنظيم “القاعدة” وتغيير اسمها، وتعهدوا لها وقائدها، بنفي تهمة الإرهاب عنها، وإعادة تقديمها للغرب كفصيل سوري معتدل يكون له مكان بارز في مستقبل سورية.
قيادة “النصرة” بلعت هذا الطعم، وصدقت هذه الوعود، لتكتشف ان هناك اتفاقا أمريكيا روسيا على تصنيفها، وتشكيل غرفة عمليات مشتركة لهذا الهدف لأنها جبهة إرهابية، اسوة بغريمتها “الدولة الإسلامية”.
اين الحلفاء العرب، اين ذهبت وعودهم وتعهداتهم ومحطات تلفزتهم؟ الجميع اختفوا وتركوها وجنودها وحلفاءها من فصائل أخرى تواجه قدرها وحدها، تواجه هذا الخيار الصعب، اما البقاء وفي هذه الحالة استمرار القصف الجوي دون ان تملك القدرات العسكرية لمواجهته، وهذا يعني الفناء التام ومعهم آلاف من أبناء المدينة، واما الانسحاب الى ملاذ آمن، ولكن الى حين.
لا نعرف ما اذا كانت جبهة “فتح الشام” ستقبل بهذا الاتفاق بين اردوغان وبوتين، ولكن ما نعرفه انه ليس امامها أي خيار آخر غير القبول به والخروج من حلب الشرقية، لان رفضها يعني إعطاء الذريعة للقضاء عليها وقواتها، والحاضنة المدنية الشعبية لها.
***
قيادة المعارضة السورية بشقيها في كل من الرياض وإسطنبول صبت جام غضبها على المبعوث الدولي دي ميستورا عندما طرح قبل أسبوع مبادرة مماثلة، وتعهد ان يرافق شخصيا قوات جبهة فتح الشام في حال موافقتهم على الخروج الى مكان آمن، وبما يؤدي الى فك الحصار عن المدنيين المحاصرين ووقف القصف الجوي لاحيائهم، وتلقى الرجل، أي ديمستورا، سلسلة من الشتائم واتهامات التخوين، والعمالة للنظام في دمشق، الى جانب المطالبة لفصله من وظيفته.
لا نعتقد ان قيادة المعارضة هذه ستوجه الاتهامات نفسها ولا حتى واحد من المئة منها الى الرئيس اردوغان، او دول مجموعة “أصدقاء سورية” وعلى رأسهم الولايات المتحدة الامريكية لاسباب يعرفها الجميع.
نظرية المؤامرة التي بدأنا بها هذا المقال واضحة.. حلب للروس وحلفائهم.. والموصل للامريكان وحلفائهم.. اما غير ذلك فهو فصول لمسرحية جرى اعدادها بشكل مدروس، وستكشف الأيام والاسابيع والاشهر المقبلة عن فصول جديدة ومرعبة منها مليئة بالمفاجآت.. والأيام بيننا.
رأي اليوم