السيمر / الاحد 20 . 11 . 2016
صالح الطائي
سألني: أما آن لك ترك الكتابة، والخلود إلى الراحة والدعة، بدل وجع القلب، وهم الفؤاد؛ وأنت قد قاربت السبعين، وشخت، وكلت سواعدك؟
فأجبته بما قاله عمارة بن عقيل:
عجبتُ لغرسي نوى النخل بعدما
طلعتُ من السبعين أو كدتُ أفعلُ
وأدركتُ ملءَ الأرض ناساً فأصبحوا
كأهلِ ديارٍ قوضوا فتحملوا
وما نحنُ إلا رفقةٌ قد ترحلتْ
وأخرى؛ تقضي حاجها ثم ترحلُ
وأردفت بمثل ضربته له: (زرعوا فأكلنا ونزرع فيأكلون) وقصة هذا المثل أن أحد الخلفاء كان يتجول في مملكته، فشاهد رجلا ً مُسنّاً يزرع فسيلةَ نخلٍ، فسأله: لِـمَ تزرع الفسيل وأنتَ في هذه السن؟ فقال الشيخ: زرعوا فأكلنا ونزرع فيأكلون. استحسن الخليفة الجواب، وأمر له بألف درهم. فقال الشيخ؛ كُنتَ تحسبُ هذه الفسيلة لن تُثمر إلا بعد سنين طوال، وها هي قد أثمرت، فأُعُجب الخليفةُ بذكائه، وأمر له بألف أخرى.
ثم عززت ذلك بقول بثالث:
لقد غرسوا حتى أكلنا وإننا
لنغرس حتى يأكل الناس بعدنا
وربعت بقول للإمام علي (عليه السلام): “كل الحادثات إذا تناهت فموصول بها الفرج”
وختمت بقولي:
كم من مؤَّملِ شيءً ليسَ يُدْرِكه
والمرءُ يزري بهِ في دهرهِ الأملُ
يرجُو الثراءَ ويرجٌو الخلدَ مجتهداً
ودونَ ما يرتجي الأقدارُ والأجلُ
وقلت له في ختام حديثي معه: صحيح يا ولدي، أننا في آخر عمرنا نزرع فسيل النخل، ونحن على يقين أنا لن نجني منه ثمرا، إلا أننا على يقين أيضا أنكم ستأكلون من ثمره، وتستظلون في ظله. وقد يخرج من بينكم من يتجاوز السبعين، ليزرع فسيلة في بستان حياتكم، طالما أن ذلك عملا صالحا، وطالما أن الله سبحانه وتعالى، قال: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات إِنَّا لَا نُضِيع أَجْر مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا}
وإذا كان الغرب يعتقد أن الحياة تبدأ بعد الأربعين، فنحن نعتقد أن حياة الحكماء والمفكرين تبدأ بعد الستين.