السيمر / الأحد 20 . 11 . 2016
رواء الجصاني
هاهي ظلال جديدة على ضفاف السيرة والذكريات، ولانها شاملة هذه المرة، متنوعة المحطات واللمحات ، فسهل الامر عليك – ايها الرجل- وعلى الذين يقرأون لك، وأنثر التوثيق على ثلاثة محاور زمنية، وان تداخلت، وتحدثْ مااسطعت ايجازاً، عن تلكم العقود الخمسة مع الجواهري العظيم، مابين ولادتك عام 1949 ورحيله الى الخلود عام 1997… وقد كان، ويبقــى: خالاً وانساناً وعبقرياً، متفردأً في غير زمانه، ومكانه وأهله، كما قيلَ ويقال!!!. وأسبق، وقلْ بانك لن توفي في هذه العجالة الا ببعض يسير مما عندك، فقد كتبت ونشرت نحو مئتي مادة وحادثة وشهادة، وما زالت الجعبة والذاكرة تفيض بالكثير الكثير:
*فـي بغـــــداد…
تفتح عينيك على الدنيا، وانت في بيت وعائلة، بل ومجتمع، تنضح احداثها وتفيض، وتغرق بالجواهري … وتستذكر، كالطيف احياناً، ما اختزنته الذاكرة من عقود ستة، واكثر: جلسات ليلية شبه يومية، واحاديث ووقائع وطنية وسياسية، واجواء ثقافية وصحفية واجتماعية، وغيرها، متشابكة دون حدود …. وكذلك سفرات عائلية منها الى النجف حيث منبت العروق، والى علي الغربي، حيث الجواهري “مزارعاً” و”متزوجاً” حديثاً.. كما والى دمشق، التي لجأ اليها مخلفاً “غاشية الخنوع” وراءه …
ثم تتذكرـ وأنت أبن ثمانِ ونيف، الجواهري ذا الرئاستين، بعد قيام الجمهورية الاولى عام 1958 لاتحاد الادباء، ومجلس نقابة الصحفيين… وخلافاته مع رئيس الوزراء الزعيم عبد الكريم قاسم، والتي اضطر بسببها للاغتراب الى براغ عام 1961 وبعد ذلك عودته لبغداد بعد سبع سنوات “خالها سبعين لا كدراً، لكن لحاجتها القصوى الى الكدر” بحسب قوله. كما تذكر ليلة العودة، وانت والعائلة تستقبلونه في مطار بغداد مع جماهير غفيرة، ومن المطار الى البيت الذي استأجره له نجله “فلاح” في منطقة الداوودي، قرب بيتكم، ولا تفصل بين البيتين سوى مائتي متر لا اكثر .. وبمناسبة الحديث عن البيوت، وثقْ هنا، عسى ان ينفع التوثيق، انك – ايها الرجل – قد ساهمت عام 1970 في التخطيط الاولي لخارطة دارته الاولى والاخيرة للجواهري، ملكاً صرفاً، في العراق، باعتبارك مهندساً، ولم يكن قد مرّ على تخرجك غير أشهر قليلة ..
… ثم تبدأ سنوات السبعينات، والشاعر الخالد يتناصف الاقامة خلالها بين بغداد، وبراغ، وفي تلك الفترة ما فيها من وقائع حلوة ومرة، وشؤون وشجون، واستثناءات، ولعلك قد وُفقتَ في تغطيتها، بقدر ما، في كتابك الموسوم” الجوهري: اصداء وظلال السبعينات” الصادرعام 2001 في براغ، عن دار “بابيلون” وتوزيع مؤسسة المدى الدمشقية، آنئذِ …
*… وفـي بــراغ
مع أواخر العام 1978 تنتقل اقامتك – ايها الرجل- الى براغ لاسباب سياسية، وملاحقات امنية، كما وردت – وترد- بعض تفاصيلها في هذه “الضفاف على السيرة والذكريات”.. وقد سكنت في “شقيّقــة” الجواهري لبضعة اشهر، اولاً، حتى توفرَ لك “ملاذ آمن” في عاصمة بلاد التشيك، التي يعود اليها الجواهري يحمل “منقارا واجنحة” ليس الا، ليستقر مغترِباً من جديد، وحتى رحيله في دمشق عام 1991 فيعطر متربتها هناك عام 1997 والى اليوم..
وعلى مدى أثني عشر عاما في براغ (1979-1991) كانت اللقاءات مع الجواهري الخالد، يومية تقريباً، ومن برامجها ما يمكن الافصاح عنه، وقسم اخر يندرج تحت مقولة “للمجالس أمانات” !!! ومع ذلك فتلك كتاباتك المنشورة عن حقبة الثمانينات الجواهرية تغطي مساحات توثيقية واسعة، وتنقل وقائع وشهادات، إزعمْ – ايها الرجل- بأنها تسمن من جوع، وظمأ التواقين للتعرف على بعض تراث وأرث الشاعر العظيم، وصرح علناً: بانك الوحيد الذي عايش، وسجلّ، ونشرَ عن تلك الفترة الزمنية، المليئة بالاحداث، الادبية والسياسية والوطنية، والاجتماعية…
كما ووثق بانك كنت طوال تلكم السنوات الاثنتي عشرة: المؤتمن الاقرب للشاعر العظيم على “اسراره” وخصوصياته، وأتراحه وأفراحه، وحتى على بعض دوافع قصائده في تلك الفترة، وانطلاقة كتابة مذكراته… وكم كنت وكنت!! ثم ندمت بعد فوات الاوان، لأنك لم تقضِ وقتاً اطول واطول مما قضيته معه، وكم حذرك الخال العبقري، مزاحاً وجدية، من ذلك الامر، ولكنك ما طاوعتَ وفضلت نشاطك السياسي، و”الخاص”!!! في احيان كثيرة على ان تكون معه..
*… وفــي دمشــق
توزعت جلّ ثمانينات الجواهري، تقريبا، كما هو معروف للمتابعين، بين براغ، جنة الخلد التي “اطالت الشوط من عمره” ودمشق “التي احبها لا زلفى ولا ملقا”…وقد شاركته – ايها الرجل- تلك الحال، بقدر وشكل، أو آخر.. فقد كانت سوريا وطنا اضافياً تحضّنك لأكثر من ثلاثة عقود، وتحديدا للفترة 1979-2010… زائرا ومعارضاً وناشطاً جماهيرياً ولمرات عديدة في العام الواحد، وفي جميعها، او اغلبها الأعظم، مقيماً في دارة الجواهري، والعائلة، بدمشق ..
وهكذا كتبت – ايها الرجل- تفاصيل لا عدّ لها في توثيقك الموسوم: “مع الجواهري في دمشق” المنشور عام 2013 في صحف ومواقع اعلامية عديدة، وفيه ما فيه من ذكريات ووقائع واحداث. ومن شذرات ذلك التوثيق، شئ عن مجالس الجواهري، وضيوفه وخصوماته، وعائلياته، وليلياته، ومشاركتك في اختيار” العيون من اشعاره” عام 1985 والاعداد الاولي لتحرير جزأي ذكرياته عامي 1989-1990 وعن نكبتيه برحيل زوجته” آمنة” عام 1992 وقبلها رحيل اخته “نبيهة” عام 1987…وغيرها وغيرها، وحتى تموز1997حين نال منه الموت اللئيم- الذئب- الذي بقي يطارده عقوداً، وفوق نيوبه دم اخوته، واحبته، وصحابه …
كما وتذكرْ هنا – ايها الرجل- جلسات ما بعد منتصف الليل، حين تنفرج الاسرار والاسارير، وينحسر الستار عن الكلام المباح، وغير المباح، وتشتد المناكدات، ويُصرحُ بالتقيمات للاشخاص والاطر والاحداث والوقائع… وتوقف هنا، وعدْ لمقولة: ان للمجالس امانات، وقِ المؤمنين، وغيرهم، شرور القتال، فما عاد في المقدور مزيدا من قدرة التحمل والجدال، وخاصة مع اولئك الذين لا يستحقون المنازلات!!!… اما المخلصون ممن يهمهم حب التنوير والثقافة والادب، والسياسة، والجميل غير الممل، فدلّهم – ايها الموثق- الى نحو 70 شهادة وواقعة أرختَ لها تحت عنوان” مع الجواهري بعيدا عن السياسة والادب” نشرت ربيع العام 2014 في عشرات الصحف والمواقع الاعلامية، وغيرها ….———————- يتبع