السيمر / الجمعة 14 . 04 . 2017
باسم العجري
أي امرأة انتِ؟ تنظرين بعين المقاتل، وتبكين بعين الأنوثة، تتنفسين الآهات مع صنديد كربلاء، تشعرين بكل آف قالها في المواقف، وبدأت بولدهِ الأكبر وهو يقدمه الى سيوف المنية، على الدنيا بعدك العفى، يترقبه ويتابعه لحظة بلحظة، وقلبك لا يفارق الحزن شهدتِ المصائب، تتقلدين الاصرار درعا، بكل عنفوان العطاء الكريم، لا تخفينً شيء، أنه يوم البذل وتقديم الأرواح، أنتي لست امرأة في أرض الطف، رجال تلوذ وراء التلة، وأنتِ قائد فذ يراقب من فوقها.
يوم عاشوراء؛ كنتي أم أخوتك، وتشعرين بحرارة الغدرهم بكثرتهم، وقلة الناصرين لكم، فراق الأحبة، يقطع قلبك، وتمدين النساء قوة، وتلملمين اطفال الحسين، وتردين اليتامى و الفارين، والنيران تاكل أطراف الخيم وثيابهم ، فبيوت محمد واله، مطلوبين للطغاة و مشردين وسط الفلاة، دمائهم مهدورة ومسفوكة، في الصحراء، على يد شرار القوم وأرذلهم.
شهدتِ لحظات، شهادة قاسم ال محمد، فتجددت في نفسك، مصيبة الحسن عليه السلام، فكنتِ تشاركين ألم الحسين عليه السلام، فقلبك حمل حرارة أعظم كارثة أنسانية، على وجه التاريخ، فتمزق قلب سيد الشهداء، وهو يفقد أصحابه، ويتلوى حرقة على أبنائه وأخوته، وانت بقربه، فما أعظمك وانتِ تناصرينه في اشد الظروف، وأحلكها، فأنتِ سيدة الصبر، وانت أم القرابين، وأنت أم الشهداء، وأنت روح الطف.
ساعات ذلك اليوم؛ القلوب اصطفت، وانحنى الحزن، امامك مقهورا، مدحورا، قطعوا الكفين؛ فصعدت راية الحق إلى السماء، أنكسر الظَهر، وقفت الدنيا لتمطر غضبا، وتصهل خيل الجبار على ذلك القمر المسجى قرب العلقمي، سمعتِ صرخة قلب الحسين بفقد أخيه ابا الفضل العباس (عليهم السلام) يكفكف دموعه، وقلبك يعتصر ألم، فتقفين كالبطل المغوار، وتشدين أزر الرسالة المحمدية، ودموعك حبيسة القلب الرقيق، المتسلح باليقين.
شهدتِ موقف الطفل الرضيع، الذي أبكى الملائكة في السماء، عطشان بين أحضان الموت، يرمى بسهم الحقد الأموي، ويمنع قطرات الماء، يرفرف كالطير المذبوح، فيلتحق بركب الشهداء، لحظات أشد من الموت وطأة، على النفس البشرية، قضتها سيدة الطف، وبين بكاء النساء لفقد أزواجهن، وبين صراخ اليتامى وطلب الماء، وبين أن تحافظ على العصمة، وسلالة الائمة، وبين حرقة الفراق، لأبنائها وأخوتها، تقدم جواد المنية، لخامس أهل الكساء.
أي مشروع هذا يا بنت علي (عليه السلام)؟ الذي يستحق أن تقدمِ أخت فرس المنية لأخيها، ,أي واجب تحمليه، لأبد أنه تكليف رباني، وتقدير الهي وضع المرأة المناسبة، في المكان المناسب، تنظرين الى القوم وخيولهم ترض صدر شبل حيدر، وقفتِ عليه وهو يتلوى ويلوذ برقبته، يتوسد رمضاء كربلاء، وتضعين يديك تحت رأسه الشريف، تقديمي قربان لرب السماوات، فتقول: (أللهم تقبل منا هذا القربان)، ما أعظمكِ، وما أعظم، تلك الرزية، التي لا يعرف معناها، ولا يشعر بها ألا سيدتي عقيلة الطالبين.
في الختام؛ رأيت كل تلك المصائب، فقالت: ليت الموت أعدمني الحياة، فكم كان عمق الحزن الذي يحمله قلبها؟ من جراء تلك الرزية الكبيرة التي مرت على آل البيت (عليهم السلام) لتصبح ميزان للمصائب.