السيمر / الخميس 30 . 11 . 2017
صالح الطائي
تعاني الكثير من المشاريع البنائية والحضارية في العراق من التلكؤ بسبب العوز المالي، في الوقت الذي لا تجد فيه دعما من الدولة بسبب الأزمة المالية التي تمر بها، ولا من عامة الناس لأسباب كثيرة، أهمها قلة الشعور الجمعي بالمسؤولية، وقلة الوعي المعرفي بأهمية مساعدة الآخرين، وضعف المشاركة في النشاطات واللاأبالية المقيتة التي تعود عليها شعبنا!.
من هنا لا تجد ولا تسمع عن أحد من الأغنياء العراقيين والرأسماليين والمتخمين والطبقات الراقية وكبار الموظفين والمسؤولين أنه تبرع بمبلغ من المال لدعم هذا المشروع او ذلك انشاط، حتى مع وجود عشرات الآيات والأحاديث الشريفة التي تدعو إلى ممارسة الانفاق على مثل هذه المشاريع، مقابل حصول المنفق على عشرة أضعاف ما انفق يوم القيامة. لكن لا الدعوة الدينية، ولا إغراء يوم القيامة، ولا حتى إغراء التشبه بالمدنية، ولا شعور المشاركة، حرك لهم ساكنا، لتبقى حالة الفوضى على وضعها، لا تجد من يحركها إلى الأمام لتهدئتها، لأن الراغب بالتغيير لا يملك مالا يعينه على تنفيذ مشروعه الذي يحلم به. وأنا هنا لا أنكر وجود بعض المتصيدين الذين يحملون شعارات بنائية ولكنهم يعملون لمصالحهم، ولا أنكر أثرهم على زرع روح الممانعة والرفض لدى الناس التي تتأهب للعطاء وهي تعلم ان عطائها لن يذهب إلى ما خطط له.
المؤسف أنك تجد هذا حتى مع انتقاد أغلب تلك الطبقات لما يحدث في العراق، وشكواهم المتكررة من قلة المشاريع النهضوية في العراق، دون ان يلوموا أنفسهم على تقصيرهم. أقول هذا لأن أكثر من (12) ألف شخص تبرعوا بأكثر من (350) مليون دينار عراقي خلال أسبوع واحد لشخص أنفق مجرد (25) ألف دينار عراقي فقط لمساعدة سيدة وقعت في ورطة بسيطة. وهي قصة حقيقية أوردتها وكالة (رويترز) الاخبارية، عن رجل مشرد بلا مأوى، أنفق آخر 20 دولارًا يملكها لمساعدة امرأة من (نيوجيرسي) نفد الوقود من سيارتها في طريقها ليلا إلى بيتها.. وكانت (كيت ماكلور) (27 عامًا) قد دشنت صفحة على موقع (جو فاند مي دوت كوم) بهدف الوصول لـ(10) آلاف دولار تجمعها لهذا الرجل النبيل (بوبيت) وهو أحد أفراد مشاة البحرية سابقا، ومسعف، وعمره 34 عامًا، ظل بلا مأوى لمدة عام تقريبًا.
وقالت (ماكلور): إنها كانت تقود سيارتها ليلا على طريق بين ولايتين خلال الشهر الماضي عندما نفد البنزين من سيارتها. بالقرب من (بوبيت) الذي كان يجلس على جانب الطريق مع علامة تسول، فطلب منها أن تعود إلى سيارتها، وتجلس فيها، وتغلق أبوابها وتنتظره، ثم تركها وذهب، ليعود إليها بعد دقائق قليلة بعبوة بنزين، أنفق عليها آخر (20) دولارًا كانت معه، هي آخر كل ما يملكه، ليمكنها من العودة إلى منزلها وأسرتها سالمة.
ونظرا لهذا الموقف الإنساني النبيل، قرّرت هي وزوجها البدء بحملة لجمع أموال لإيجار بيت، وثمن سيارة، ونفقات أخرى للرجل لحين تمكنه من العثور على وظيفة. فشارك في التبرع أكثر من 12 ألف شخص خلال أسبوع واحد جمعوا (348094) دولارًا، ومازال الرقم يتزايد باستمرار.
الغريب أن يحدث هذا في العالم الذي نسميه (دول الكفر) في الوقت الذي نجد فيه آلافا من امثال (بوبيت) ومن هم أفضل منه مثل عوائل الشهداء التي قدمت فلذات أكبادها لتحمي العراق من شرور الدواعش، وهو ثمن غال لحفظ الشعب والوطن، والمقاتلين الأبطال الذي أصابهم العوق أثناء تصديهم لهجمة التكفير الداعشية، وهو ثمن لا يمكن تعويضه، نجدهم في منتهى البؤس بسبب العوز والحاجة ولا من يلتفت إليهم ويمد لهم يد العون والمساعدة، ومن يخالف القاعدة يسعى لأن تنشر الصحف والفضائيات صورته ليحصل من خلالها على الدعم والتأييد إذا ما أراد الترشيح في الانتخابات.
إن شعبنا لن يخرج من ورطته الكبيرة ومازقه الخانق إلا غذا ما تخلى عن مناهجه القديمة البالية والتعلم من (دول الكفر) كيفية احترام الإنسان والتعامل مع إنسانيته وفق مبدأ الكرامة والعدل لا وفق مبدأ الربح والخسارة، فذاك هو قانون العدالة والرحمة، وهذا قانون التجارة والربح والخسارة.