السيمر / الاثنين 18 . 12 . 2017
صالح الطائي
بعض أصدقائي الملحدين لهم آراء غريبة في الدين والرسل والأنبياء نتيجة تأثرهم غالبا بنظريات فلسفية غربية عقيمة لا تقوم على أساس متينٍ قابلٍ للتصديق، ففيهم من يدعي أن محمدا، يقصد رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنما هو مجرد رجل مصلح ذكي، سخَّر موهبته لكسب الناس ونيل رضاهم، ومن هنا ولد الإسلام، بعدما انتمى إليه، وتبعه أهله واقرباؤه وأصدقاؤه، فتأثر بهم الآخرون من السذج والبسطاء والجهلاء والهمج الرعاع والعبيد والموالي، أما واقعا فبرأيهم لا يوجد وحي مُنزل، ولا رسالةٍ نزلت من السماء، ولا نبيٍ بين الأنبياء الآخرين اسمه (محمد). هكذا يعتقدون، ويفكرون، ويحاولون إقناع الآخرين برؤاهم واعتقادهم، ويُشْكِلونَ بل يعيبون علينا إيماننا بالرسل والرسالات السماوية، ويلوموننا على ذلك!.
صديقي العتيد أنا احترم رأيك، ولكن هذا لا يعني أني اعتقد بصحته، أو أوافقك عليه؛ لأسباب معقولة لا تحصى، كلها لا تصب في صالحك ولا في صالح رأيك، ولذا لن أطيل عليك الحديث، ولكني أقول لك للتذكير لا أكثر: إن العالم قبل 1400 عام لم يكن مثلما هو عليه اليوم، وبالمختصر المفيد، كان متخلفا 1400 عام بالضبط عن عصرنا المثقف المتحضر الراهن، وهذه حقيقة لابد وأنك تتفق معي بشأنها، فهي غير قابلة للنقاش، ليس من باب دكتاتورية الرأي، ولكن لأنها من المسلمات البديهية المعروفة. والإسلام كدين سماوي، ولد في ذلك العصر المتأخر، وبين أولئك الناس الذين كانوا يعيشون في عصر الجاهلية. ولد في بيئة صحراوية لا تشجع حتى على انتشار الأفكار البسيطة بله رسالة دينية معقدة المناهج، ولم يكن هناك يومها، لا انترنيت، ولا قنوات فضائية، ولا هواتف، ولا وكالات أنباء، ولا صحف، ولا منتديات، ولا منظمات، ولا مؤسسات، ولا أي وسيلة اتصال أو وسيلة إعلام جمعي أخرى؛ باستثناء المقابلة والمواجهة الشخصية المباشرة، ومع ذلك، نجح، واتسع، وانتشر، ودام وتطور، ليصبح عدد المسلمين اليوم أكثر من مليار ونصف المليار، ويصبح دين الإسلام واحدا من أكبر الديانات السماوية المعروفة، فكيف تسنى لذكاء هذا الرجل الصحراوي القادم من ذلك المجتمع الجاهلي ـ مهما كان خارقا ـ أن يصمد أمام التقدم، والتحضر، والتبدل اللحضوي، والتغيير المتسارع، والنمو الفكري المطرد، والذكاء الصناعي المُلْهِم، والخطط الاستراتيجية العظمى؛ كل هذه السنين؟.
طيب إذا لم تؤمن بذلك، أو كان لديك اعتراض على مضمونه، دعني أتوجه إليك بسؤال بسيط آخر: لو كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) هو الذي ابتكر العقيدة الإسلامية، وكان الأنبياء الذين سبقوه قد ابتكروا رسالاتهم ـ مع أن حديثكم ينصب أساسا على دين الإسلام ونبيه وحدهما دون الإشارة إلى من سبقه من الأنبياء ـ فلماذا لم يظهر بين البشر أجمعين من يبتكر عقيدة جديدة مثل الإسلام، أو أفضل منه؟ ولاسيما وأن الفرصة متاحة اليوم دون أي وجه مقارنة مع ما كانت عليه بالأمس!
ثم ألا ترى يا صديقي العتيد أن استثناء الأنبياء؛ الذين سبقوا النبي محمد (صلى الله عليه وآله) من هذا القول، وهذا الاتهام الخطير، يؤكد دون أدنى شك أن أتباعهم هم الذين نشروا هذه الآراء المنحرفة، فتبعهم بعض المأجورين الذين يبحثون عن ثمن لما يقدمون، وبعض من لم ينضجوا فكريا بعد من الشباب المغرورين، أو المغرر بهم، وبعض من اعتنقوا أحزابا لا تؤمن بوجود الرب، أو ترى أن الرب قد مات؟ وانت يا صديقي العتيد مهما تعللت وتحججت لست أكثر من واحدٍ من بين هذه النماذج الثلاث، وثق أنك لا تملك دليلا مقنعا يثبت غير ذلك.
وفي الختام تقبل محبتي لك، ليس لأنك تحمل هذه الأفكار التي أراها غريبة، وإنما لأنك إنسان، وانا يا صديقي العتيد أحترم الإنسان لإنسانيته لا أكثر. لكن اليس من العدل والانصاف والإنسانية أن تحترم رؤيتي ورأيي، وأن تكف عن التطاول على ما أؤمن به في الأقل احتراما لشخصي لأني أحترمك؟