السيمر / الاثنين 25 . 12 . 2017
حسام عبد الحسين
للفساد مفاهيم بين دولة وأخرى؛ والشعوب بثقافاتها ورؤيتها للواقع السياسي والاقتصادي تنهض بحكامها وترسم خارطة نظام دولتها، العراق الجديد مختلف بنظرة شعبه المتنوعة للفساد، حيث جزء منه لا يعتقد بوجود الفساد ويصنف القائل به بمفهوم الأجندة التي تهدم الدولة، والجزء الآخر ادهى من الاول كونه يهدف إلى “التسقيط والاسقاط” بأمنية العودة إلى ما قبل عام 2003، اما الجزء الأخير يتصدى للفساد وأدواته ويصارع منافذه وشعاراته المبطنة في كلمات بعض الساسة؛ لكنه ضعيف الجناح، وحاله حال الطير في متناول الذئاب.
الجزء الأخير يواجه الفساد بدقة ومعرفة أسبابه وانواعه المتمثلة بالفساد السياسي في فقدان الديمقراطية، وسيطرة الدولة على الاقتصاد، أدى الى نظام المحسوبية العرجاء مع الفساد الإداري في حجم الوظيفة وموقعها التنظيمي المرتبط بالفساد الأخلاقي للموظف المنحرف في تعامله السلبي مع المواطن الضائع بين ويلات الحروب وفساد الدولة التى تعاني من تراكم الفساد بسبب غياب رقابتها الادارية، وعدم تطبيق مبدأ الثواب والعقاب.
في حين ان أسبابه تكمن في ضعف الممارسة الديمقراطية الضائعة في العراق، وشيوع الاستبداد الممنهج، والتفكير الديكتاتوري الشائع لدى بعض الساسة، أدى إلى عدم استقلالية القضاء لشيوع الفساد حسب الخط المرسوم لبعض الجهات، مع استثمار التركيبة السكانية والولاء للغير في انتشار افة “الوساطة” التي أصبحت “الفخر” في مجتمعاتنا، أضافة إلى تشابك الاختصاصات وقلة تنظيم الوحدات الإدارية، والاعتماد على الفردية الشخصية، أدى إلى مفهوم الاستغلال الوظيفي واللا عدالة في توزيع المناصب مع ضعف العمل الرقابي، وعدم استخدامه للاساليب التكنولوجية الحديثة، وهذا الضعف حتى في وسائل الإعلام ومحدوديتها على فضح الفاسدين.
إن الفساد في العراق فساد “مشرعن”، اي مقنن بقوانين وقرارات حكومية عليا، وهذا من توفيقات الشعب العراقي المظلوم، الذي تميزت دولته عن بقية دول العالم بهذا النوع من الفساد، للتخلص من قانون “هيئة النزاهة” الذي يقول في الامر رقم (55) الخاص بتأسيسها، بأن عبارة (قضية الفساد) تعتبر قضية جنائية تنطوي على مخالفة نص المواد: 234، 233، 272، 271، 275، 276، 293، 290، 296، من قانون العقوبات رقم (11) لسنة 1969، وكذلك الفقرات 307 إلى 341 الفصل السادس من قانون العقوبات، وكل بند من قانون العقوبات ينطبق عليه نص البنود 5، 6، 7 من الفقرة 135 المضافة بموجب الأمر 55 الذي بين اعلاه، وانتج هذا النوع من الفساد حالات مزرية في الشعب العراقي، “حيث أكد الجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط”، بأن عدد الذين يقعون تحت خط الفقر يبلغ ستة ملايين ونصف تقريبا، اي بنسبة 22،9%، اما نسبة الفقر 45%، مع انتشار ظاهرة البطالة وغيرها.
يحتل العراق المرتبة الثالثة عالميا بالفساد، حيث كان قبل عام 1958 تقسم الموازنات السنوية على قلة مبالغها إلى قسمين تشغيلية 30% والباقي 70% تخصص للمشاريع، اما بعد عام 1958 وبزمن “عبد الكريم قاسم” قسم الموازنة 50% للتشغيل و 50% للمشاريع، نظرا لحاجة الدولة لإرسال البعثات الدراسية، وازدهار الاقتصاد آنذاك، ففي حكم البعث عام 1963 حتى حقبة صدام حسين قلبوا المعادلة، فكانت 70% تشغيل و 30% مشاريع، فقرر في الحصار الغاء الموازنة واعتماد طريقة “المكرمة”، فحصل ما حصل في شعب الويلات، حتى عام 2003 وسقوط النظام اعادوا التخصيص إلى 70% تشغيل و 30% استثمار، وهذه طريقة نيرة لتهيئة الظروف للفساد المشرعن!.
لذا على الحكومة فرض القوانين والعقوبات لمرتكبي الفساد دون استثناء، ووضع معايير الخبرة والكفاءة في اتخاذ المناصب الحكومية، وتفعيل الدور الإعلامي بكافة فروعه بنشر المبادىء الأخلاقية في الإدارة الحكومية، ووضع المعلومات في متناول المواطنين؛ لإثارة الرأي العام الذي يعتبر الجانب المهم في مكافحة فساد الدولة، مع إتباع الوسائل العلمية المتقدمة في حفظ الوثائق داخل أقراص وتوزيعها على اكثر من جهة، لكي لا تتم عمليات الحرائق (التماس كهربائي)، والنهوض بعملية إصلاحية تشمل مؤسسات الحكومة كافة، وإعادة هياكلها وتحديث اساليبها، إضافة إلى توحيد النشاط التعاقدي للدولة، وفرض إجراءات قانونية صارمة عند إجراء عملية التعاقد.
لذلك لابد من الفصل بين السلطات، واستقلال القضاء، واحترام استقلالية هيئة النزاهة، واختيار رئيسا كفوءا لها، واختيار مفوضية انتخابات رصينة، مع إشراك منظمات المجتمع المدني في إدارة الشؤون العامة.
هذا كله يتطلب برلمان نزيه، يخرج حكومة نزيهة، ولا يحدث ذلك الا بإرادة جماهيرية أولها في الانتخابات، وآخرها بالوقوف بوجه الفاسدين