السيمر / الاثنين 05 . 03 . 2018 — يعدّ “الإسلام السياسي” أكثر الاصطلاحات جدلاً في العصر الحديث. ورغم أنّني من مخالفي هذا الاصطلاح لاعتقادي بأنه لا وجود لإسلام غير سياسي كون هذا الدين عبارة عن منظومة متكاملة دينياً وسياسياً واجتماعياً واقتصاديّاً، “فسياستنا عين ديننا”، كما يقول العالم الإيراني آية الله حسن مدرّس، إلا أن رواج هذا المصطلح يُجبرني على استخدامه في ثنايا هذا المقال لرسم صورة أوضح عن القضية المُعالجة.
عند معاجلة قضيّة الإسلام السياسي لا بدّ من الوقوف على الأوجه المتعدّدة للقضيّة المطروحة، دون الاقتصار على وجه واحد يفضي إلى نتيجة منقوصة ترسم صورة مغلوطة عن الواقع. لذلك، ينبغي التمييز بين أصحاب النوايا الحسنة والسيئة تجاه هذا المصطلح الذي يكثر استخدامه في السياق المنفّر وليس المحبب.
أصحاب النوايا السيئة الذين يحاربون الإسلام السياسي بشدّة لأهداف سنعرضها لاحقاً، نرى كثيرين منهم ينتقدون الإسلام كونه محصوراً في قضايا الحلال والحرام، وبالتالي يهاجمون الدين ويتّهمونه بالتخلّف، ولكن في حال تدخل الدين في الحياة العامة، التي من ضمنها الحياة السياسية بل أحد أركانها، يوجهون التهم للفقيه السياسي ويدعونه إلى العودة إلى إطاره الفقهي الجاف!
بعيداً عن خلافات المصطلح، يُحاكم الناس أي قضيّة وفقاً لنجاحها على أرض الواقع، مدى تأقلمها وقدرتها على معالجة قضاياهم، وبالتالي فإن الضعف الاقتصادي والعلمي الذي تعاني منه دولنا الإسلاميّة، رغم التقدّم الملحوظ في إيران وتركيا، انعكس على كل ما يتعلّق بهؤلاء، والإسلام السياسي من ضمن هذه المنعكسات.
لا يعترض مخالفو الإسلام السياسي على دور المؤسسات الدينية، بل هناك شريحة واسعة منهم تدعو إلى تعزيز دور المؤسسات الدينية عبر رعاية وحدة العبادة والتعليم الديني والفتوى ونبذ الطائفية. ولكن البعض حاول محاربة الإسلام السياسي بأسلوب ساذج تحت عنوان الدين ناصع والسياسية ملوّثة، ولا ينبغي أنّ نلوّث الدين بالسياسة، وهنا نسأل: ماذا يفعل العلمانيون أصحاب الأخلاق الرفيعة؟ هل يبتعدون عن السياسة حتى لا يتلوّثوا بالأوساخ أم إنّ واجبهم الإصلاح؟ ألا يؤدي هذا المنطق إلى فساد المجتمع عبر بوابة السياسة؟
المشكلة مع بعض البسطاء من محاربي الإسلام السياسي تكمن في اعتقادهم أن العلاقة بين الدين والسياسة تقتصر على الدين الإسلامي متجاهلين وجود مسيحية سياسية، ويهودية سياسيّة تحت مسمّيات مختلفة، إلا أنّ المشكلة الأكبر تكمن مع من يحاولون تلبيس الإسلام ما ليس فيه سواءً من المخالفين وتحديداً أصحاب الحكم الذين يخشون تأثير العامل الديني على سطوتهم، أو حتى من الداعمين الذين يخطئون القراءة السياسية تحت شعارات دينية غافلين عن مضار هذا الأمر على الإسلام بصورة عامّة.
وأمّا الطامّة الكبرى فتأتي من دعاة الإسلام السياسي أنفسهم حيث إن هناك جملة من الممارسات ساهمت في تعزيز الشرخ بين الدين والسياسة، عبر استخدم بعضهم الغطاء الديني في سبيل تمرير مشاريعه السياسية الأمر الذي انعكس سلباً على جماعات الإسلام السياسي وجعلها أمام تهمة احتكار السلطة باسم الدين.
كذلك، لا يمكن التغافل عن الدور الغربي في شيطنة الإسلام السياسي نظراً للتبعات الكارثية على مشاريعهم تجاه المنطقة، ولعلّ جميع الضربات التي تلّقتها دول الاستعمار بدءاً من الاحتلال العثماني مروراً بالاحتلالين الفرنسي والبريطاني ووصولاً إلى الاحتلالين الأمريكي والإسرائيلي كانت إمّا من حركات وطنيّة، أو من حركات الإسلام السياسي وتوابعها العسكريّة، وإن لم يكن العنوان العام لهذه الحركات كذلك. نجح الغرب في صنع العديد من التنظيمات الإسلاميّة، أو الإسلاموية، بغية تعميق النظرة السلبية إلى المسلمين، حتى غدا الكثير من المسلمين يتألم من واقع التيارات الإسلامية التي تريد أن تحكم باسم الدين كالقاعدة وداعش وغيرها، لكن البعض أطلق العنان لمشاعره في العداء لكل حركات الإسلام السياسي، وهذا أحد أهم الأهداف الغربية.
لم تقتصر أفعال أصحاب النوايا السيئة على هذا الشقّ، بل عمد البعض إلى تقديم المشروع الإسلامي مقابل المشروع الوطني، كما حصل في السودان، الأمر الذي نفّر جيلاً واسعاً من الشباب الوطني من “بُعبع” الإسلام الساسي رغم أن حقيقة الأمر ليست كذلك.
في الخلاصة، لا يمكن إلقاء اللوم على مناهضي الإسلام السياسي، فللأسف بعض قادة الإسلام السياسي حاولوا التكيّف مع متطلبات الواقع السياسي، دون مراعاة الأصول التي بني عليها الإسلام السياسي، وبالتالي أهملوا المبادئ تبعاً للمصالح، ليصبح الإسلام السياسي عبارة عن دين سياسي وليس سياسة دينية، كما هي الحقيقة، وكلّ الشبهات تنطلق من هذه النقطة تحديداً.
المصدر: موقع الوقت التحليلي