السيمر / الاثنين 16 . 04 . 2018
جمال الكندي
تبنى التحالفات السياسية والعسكرية على أساس المصلحة الاقتصادية، والتقارب الفكري، والأيدلوجي والنظرة السياسية المتناغمة بين الدول المتحالفة.
هذه التحالفات تكون معلنةً وغالباً ما تتقاطع مع رؤية مشتركة معينة تبنى عليها هذه التكتلات وتكون منطلقاً في التعاطي السياسي لهذه الدول.
طبعاً هذه التوجهات السياسية معلنة ولها أحلاف سياسية وعسكرية واقتصادية، وربما تقع بينها وبين من تناهضها في الفكر السياسي صدامات عسكرية وسياسية، والصورة التي نراها في مجلس الأمن بين الخمسة الكبار هي ترجمة لهذه التناقضات في الفكر السياسي والاقتصادي، وهذا شيء طبيعي بين هذه الدول التي تجتمع وتفترق على أساس المنفعة والمصلحة.
ما ذكرناه هو أمر طبيعي خاصةً، بعد نتائج الحرب العالمية الثانية، والتي مازلنا نرى تناقضاتها في التعاطي مع الأزمات السياسية في العالم سواءً في الماضي أو اليوم وهذا أمر واضح الدلائل في الساحة العراقية والسورية والأفغانية والإيرانية وفي كوريا الشمالية.
نحن اليوم نرى تحالفات من نوع جديد، هي تحالفات ذات طابع سري، لا يجمع بينها وبين الدول المنضوية تحتها رابط العقيدة والفكر، والتاريخ بل أسست على قاعدة (مصطلح العدو المشترك). هذه التحالفات لم تظهر على السطح الإعلامي والسياسي في الماضي، لأنها إن ظهرت سوف تمثل بالنسبة لشعوبها تناقضات كبيرة بين المعلن والغير معلن.
هذه التحالفات لا تبنى على أساس المصالح الاقتصادية ولا التاريخية، ففيها البون والاختلاف شاسع جداً، ولا تقربها الثوابت العقدية من دين وفكر، لذلك فهي إن تم الإعلان عنها ستسبب صدمة في شرعها قبل شوارع الآخرين إن صح التعبير، وهذه بحد ذاتها معضلة يصعب حلها من قبل منظريها.
إذنً على ماذا تبنى هذه التحالفات السرية والتي لا يسمح لها أن تطفو على السطح، وتبقى كامنة في الأعماق ويتم تدارسها بين الحين والآخر في الغرف المظلمة.
الجواب هو في الأجندات المشتركة بينها؟ كيف ذلك؟ هذا يكون على أساس القاعدة التي تقول عدو عدوي صديقي، من هنا تتقاطع المصالح وتبنى الخيارات السياسية والعسكرية، ولو كانت في الوهلة الأولى متناقضة ولا يقبلها العنصر التاريخي ولا يهضمها الفكر العقدي ولا يتقبلها العقل الجمعي لهذا الجمهور أو ذاك، فقط هي تدخل من باب ضيق اسمه الطائفية والذي يسد كل الأبواب الأخرى.
نحن العرب والمسلمون كانت ومازالت لنا قضية محورية وثابة ناضلنا من أجلها، وخضنا حروباً مع الكيان الصهيوني الغاصب منذ 1948م وهي القدس وفلسطين.
وقد حاول الغرب الاستعماري إبعادنا عن هذه القضية بخلق حروب عبثية بيننا، لاستنزاف ثرواتنا، ولإضعافنا من الداخل لتبقى إسرائيل قوية.
قبل عدة أيام فاجأتنا الصحف الغربية بتصريحات لشخصيات خليجية فاعلة في السلطة على وزن (أمير وشيخ) بخصوص الموقف من إسرائيل وكيفية إيجاد حل سياسي بينها وبين الفلسطينيين، وكانت تصريحاتهم حسب كثير من المتابعين للقضية الفلسطينية كارثية، وهي نوع من أنواع التطبيع السياسي، والاقتصادي، والعسكري الذي ترفضه القوى المقاومة في فلسطين، فهي تغازل إسرائيل لدفعها لتعاون من أجل العدو المشترك المزعوم.
هذه التصريحات كانت لها وقع الصاعقة بالنسبة للذين هم ضد التطبيع مع العدو الصهيوني، والتيار الممانع والمقاوم في فلسطين والعالم الإسلامي، خاصة التي ذكر فيها أن اليهود من حقهم أن يكون لهم وطن في فلسطين.
التصريحات اعتبرها كثيرون طعنة للقضية الفلسطينية، فهي تدعو للتطبيع مع كيان الاحتلال لا سيما اقتصاديا، بالقول إن إسرائيل قوة اقتصادية مهمة، وإن هنالك مصالح مشتركة بينها وبين بعض الدول العربية، فهي تريد إنهاء القضية الفلسطينية عبر صفقة القرن والتفرغ بعد ذلك لمجابهة العدو الإيراني حسب وصف من أطلق هذه التصريحات.
إن صفقة القرن هي تنازل عن الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني لاسيما حق القدس والعودة، وبإتمام هذه الصفقة سوف تخلو الساحة من أي أيدلوجية تحمل فكر المقاومة، مقاومة العدو الصهيوني سياسياً واقتصاديا وعسكرياً .
المطلوب غربياً هو زيادة الخناجر التي تغرس في صدر وقلب أمتنا الإسلامية، فهي محاولة لجرنا لحرب طائفية جديدة تغذى فينا باسم محاربة الهلال المقاوم في المنطقة يتم التحالف فيها مع العدو الصهيوني.
فبعد كذبة داعش وخروجها من العراق وسوريا مهزومة، جاء دور شيطنة إيران في عيون العرب، ولا بأس بإنهاء قضيتهم بأي طريقة والتفرغ (للبعبع الجديد).
السر أصبح معلنا، وما كان في الماضي يدار في الغرف المظلمة، جاء اليوم ليظهر على السطح السياسي، وتكون له أجنداته الخاصة ونقاط التقاء مع منظري هذا الحلف، والبداية كانت بتلميع وجه من قتل وشرد الشعب الفلسطيني وإعطائه حق في أرض سلبها من أهلها قبل أكثر من سبعين سنة.
السؤال المطروح بعد هذه التصريحات هو: هل قضية بهذا العمق والكم الكبير من دماء شهدائها تحل عبر هذه التنازلات الكبيرة؟ وهل القضية الفلسطينية رخيصة لهذه الدرجة لكي تستخدم للوصول للرأس الإيراني؟ وهل الصهاينة سيكونون أداة سهلة في يد من يريدون إنهاء دور إيران في المنطقة عبر التطبيع معها؟ أسئلة كثيرة بعد هذه التصريحات التي حولت تحالف السر إلى العلن ، ولكن الإجابة القاطعة والحاسمة عند أصحاب الأرض التي سالت على ترابها دمائهم الطاهرة لنصرة القضية الفلسطينية والقدس.
كاتب من سلطنة عمان