الرئيسية / مقالات / مبالغة بعيدة عن الواقع

مبالغة بعيدة عن الواقع

السيمر / الأربعاء 03 . 10 . 2018

صالح الطائي

إن إعطاء الأشياء حجما أكبر من حجمها الواقعي والطبيعي، يؤدي عادة إلى الوقوع في مطبات قد يكون بعضها خطيرا للغاية، لأنه يكشف عن حقيقة الهذيان الذي أوحى بكل تلك المبالغة، وكل ذلك التناقض، هذا ما تبادر إلى ذهني وأنا أقرأ أقوال الكاتب اسماعيل حسني مؤلف كتاب (علمانية الاسلام والتطرف الديني) في دفاعه المستميت ولكن غير العلمي عن العلمانية. وهذا ما تفضحه أقواله غير المنسجمة، التي يبدو أنه لم يلتفت إلى الغرابة الموجودة فيها، فأطلق لها العنان دون أن يتأكد من صلاحيتها، فهو يقول:
• “استطاعت العلمانية أن تتعايش في سلام مع مختلف العقائد والديانات على وجه الارض”. وهذا يعني أنها استطاعت التعايش مع جميع العقائد باختلاف أنواعها،
وهو الأمر الذي لم يقع مطلقا، حيث كان الصراع مرة معلنا وأخرى خفيا على مر التاريخ، وفقا للأشكال التي اتخذها، والمصطلحات التي أطلقت عليه، فمصطلح العلماني المعاصر، يقابله مصطلح الكافر أو المشرك القديم، وهما يشتركان تقريبا في المعنى في الأقل وفقا للفهم العام لهما.
• ثم أردف قائلا وكأنه يريد أن يستثني مجموعة صغيرة أو عقيدة مغمورة من هذا التعميم: “ولم تجد مقاومة حقيقية الا في المجتمعات التي تنتشر فيها الديانات الابراهيمية الثلاثة: اليهودية والمسيحية والاسلام”
بينما هو يتحدث عن أكبر تكتل ديني في العالم يشكل نسبة 54,9% من مجموع البشرية.
• وقال بعد ذلك: ذلك أن الديانات الشرقية التي يدين بها اكثر من نصف سكان الارض كالهندوسية والسيخية والبوذية والكونفوشية والشنتونية والجينية والطاوية لم تجد نفسها في تناقض معرفي أو عملي مع الفكر العلماني”
وهذا لي لعنق النصوص فيه الكثير من التدليس، فأديان نصف سكان الأرض لا تمثل نسبة أعلى من باقي النسب، نعم هم الأكثر نسبة إلى الإحصاء السكاني ولكنهم يمثلون الأقلية في الإحصاء الديني، ولكي أقنعه علميا وبالدليل، سأورد له احصائية مركز بيو الأمريكي للأبحاث لعام 2012 عن حجم المجموعات الدينية الرئيسية في العالم, وأترك له حرية إجراء المقارنة:

الديانة النسبة المئوية
مسيحية 31.5%
الإسلام 23.2%
اليهودية 0.2%
غير منتسبين 16.3%
هندوسية 15.0%
بوذية 7.1%
فولك 5.9%
اخرى 0.8%

وبذا تكون النتيجة الإحصائية الأخيرة:
الأديان الإبراهيمية الثلاث تشكل نسبة 54,9%
غير منتسبين إلى دين، يشكلون نسبة 16.3%
وهذا يمثل نسبة 71,2% من مجموع سكان الأرض، وبالتالي لا يشكل أتباع الأديان الذي امتدحها الكاتب سوى نسبة 29,8% من مجموع سكان الأرض.
وحتى مع هذه النسبة المتدنية، أرى أن هذا لا يعني أن العلاقة بين هذه الأديان والعلمانية مستقرة أو تميل إلى الاستقرار، أو أنها تلقى لديهم القبول، طالما أن هناك الكثير من الحساسيات بين أتباع هذه الأديان نفسها فيما بينهم، وبينها وبين أتباع الديانات الإبراهيمية، واذكره بما فعله الرهبان البوذيون بأقلية الروهينغا في ميانمار مؤخرا.
وأخر ما أود طرحه في هذه العجالة؛ هو أني لست ضد العلمانية، طالما أن العلمانية لا ترغب في أن تكون ضدي، لكنها متى ما اتخذت موقف الضد مني، سأجابهها بالضد عينه، وأتصدى لها بسلاحها نفسه. وأنا في موضوعي المختصر هذا، لا أسعى إلى الطعن بالعلمانية، لا أبدا، فما بيني وبين الكثير من أصدقائي العلمانيين من الود يفوق التصور، ولكني أحببت أن أتبنى دعوة وجوب الكتابة عن المعتقد، أي معتقد كان، سواء كان سماويا أو أرضيا، وفق أسس علمية عقلانية محايدة، لأنها الطريقة الوحيدة التي من الممكن لها أن تجد قبولا لدى الآخرين، أملا في أن تجد المجاميع البشرية مشتركات تربطها بالمجاميع الأخرى، تحثها على النظر إلى الآخر من خلال إنسانيته، لا من خلال عقيدته ولونه وأصله وجغرافيته، فكلنا لآدم، وآدم من تراب!.

اترك تعليقاً