السيمر / السبت 26 . 01 . 2019
أياد السماوي
رئيس الوزراء حيدر العبادي يكشف من خلال برنامج ( قصارى القول ) الذي تعرضه قناة روسيا اليوم عن وجود نفوذ إيراني في العراق يمارس عند تشكيل الحكومات واختيار النخب الحاكمة , قائلا أنّ هذا الأمر يثير الحزن لديه , وأضاف أن هنالك نفوذا في العراق لعدة دول , رافضا في الوقت نفسه عمل أجهزة بعض الدول إن كانت من الولايات المتحدّة أو إيران أو السعودية ( من دون أن يذكر من هي هذه الأجهزة ) في التأثير على تشكيل الحكومات في بلاده , معللّا أنّ التدّخل الخارجي في الحياة السياسية في العراق جاء نتيجة الضعف والصراع الداخلي وتقديم المصالح الخاصة على المصالح العامة , وداعيا إلى وحدة وطنية ليست ضدّ دول الجوار بل للتعاون من أجل المصالح الداخلية ( وهو الذي شقّ وحدة حزب الدعوة الإسلامية وتسبب في فقدانه للسلطة ) , كما حذرّ من أن تكون للقوى العراقية المسلّحة رأيا وقرارا سياسيا تنحاز به لصالح جهة سياسية ضد أخرى ( المقصود بهذه القوى المسلّحة هو الحشد الشعبي ) , مختتما حديثه بالقول أنّ أي مسؤولية أمنية داخل البلد هي من صلاحيات السلطة المدنية وهؤلاء القوات المسلّحة والحشد الشعبي لا يجوز أن يتدّخلوا في تنصيب الحكومات والوزارات , ( وهذه أيضا المقصود منها الحشد الشعبي ) , وأن لا يتدّخلوا في الصراع السياسي لأنّ هذا خطر على البلد . انتهى حديث السيد العبادي .. ولا اعتقد أنّه يحتاج إلى محلل ستراتيجي في الشؤون السياسية لتوضيح أبعاده ومقاصده , فالحديث واضح الأبعاد والمقاصد وإن حاول جاهدا إظهاره بلباس وطني ينطلق من المصلحة الوطنية في رفض التدّخلات الخارجية في الشأن السياسي العراقي والتحذير من مخاطر تدّخل القوات المسلّحة والحشد الشعبي في تنصيب الحكومات والوزارات , والحقيقة أنّ هذا الكلام لا ينطلي حتى على عقول ربّات الحجال , فواضح جدا أن الرجل موتور من موقف الجمهورية الإسلامية والحشد الشعبي في رفض إعاة تنصيبه رئيسا للوزراء للمرّة الثانية , وفي نفس الوقت يغمز خانة رئيس الوزراء الحالي بأنّ من جاء به إلى سدّة رئاسة الوزراء هما إيران والحشد الشعبي , وهذا صحيح إلى حد كبير ولا غبار عليه , ومن يقول عكس ذلك فإنّه يجانب الحقيقة وإن كان هنالك طرف ثالث في هذه المعادلة تحاشى السيد العبادي ذكره ( جبنا ) وليس لسبب آخر , أنا شخصيا لا أعتقد أنّ حديث العبادي كان بتوجيه أمريكي أو سعودي وإن جاء متوافقا مع الاتهامات التي تطلقها الإدارة الأمريكة بخصوص التدّخل الإيراني في العراق وتبعية الحشد الشعبي لإيران , وأرجح الغباء السياسي السبب وراء هذه التصريحات . فالسيد العبادي يتّجنب الحديث عن الأسباب الحقيقية التي تقف وراء رفض إيران والحشد الشعبي لولايته الثانية ,فبالنسبة لإيران لا يمكن أن تقف مكتوفة الأيدي أمام عودة القوات والقواعد الأمريكية إلى العراق مرّة أخرى بعد أن رحلت عنه لآخر جندي نهاية عام 2011 والتي أعادها العبادي إلى العراق تحت ذريعة محاربة الإرهاب والتصدّي لداعش , وما تمّثله عودة هذه القوات إلى العراق من تهديد أمني مباشر على الأمن القومي الإيراني وأمن المنطقة بشكل عام , وكذلك بالنسبة للحشد الشعبي الذي أوقف زحف داعش على بغداد والمدن المقدّسة وخاض معارك التحرير والفداء والبطولة في محيط بغداد وآمرلي وجرف النصر وصلاح الدين وديالى والرمادي والفلوجة والموصل والحويجة ومناطق غرب العراق في وقت كانت فيه القوات المسلّحة العراقية في حالة انهيار كامل عندما سقطت محافظات الغرب العراقي جميعا بيد داعش وأصبحت على مشارف بغداد , ففي الوقت الذي كان ينبغي على رئيس الوزاء تقديم كل أشكال الدعم العسكري من حيث السلاح والعتاد والتجهيزات العسكرية باعتبار أن الحشد الشعبي هو من أوقف المؤامرة الأمريكية الصهيونية على العراق وأنقذ العراق من أخطر هجمة إرهابية ظلامية عرفتها البشرية كادت أن تغرق العراق في بحر من الدماء والقتل , ينحني رئيس الوزراء العبادي للضغوطات الأمريكية والسعودية بتحجيم الحشد الشعبي وعدم مدّه بالسلاح والمعدات الثقيلة التي تحمي أرواح منتسبيه من دروع وناقلات أشخاص ليتركهم يتّصدون بصدورهم لنيران داعش وأمريكا بذريعة القصف الخطأ , بل وضيّق عليهم الخناق ماديا وخفّض موازنتهم إلى الربع في عام 2018 بقصد حل الحشد الشعبي , ناهيك عن الاتهامات الظالمة لقيادات الحشد الشعبي المجاهدة بالفساد بين حين وآخر . لكن السيد العبادي تجاهل دور القوات الأمريكية التي أعادها إلى العراق وما تمّثله من تهديد لأمن العراق وسيادته وأمن المنطقة بأسرها , ودور المبعوث الأمريكي ماكغورك قبل وبعد الانتخابات النيابية الأخيرة , فالذي أعاد القوات والقواعد الأمريكية إلى العراق وسمح لماكغورك أن يتدّخل بهذا الشكل السافر في الشأن العراقي , عليه أن لا يخدع الشعب العراقي ويظهر بصورة الوطني الغيور و الحريص على مصالح الشعب العراقي والرافض للتدّخلات الخارجية .. فأنت يا سيد حيدر العبادي آخر من يتكلّم عن الوطنية .. فالذي لا يكون حريصا على وحدة حزبه الذي أوصله لرئاسة الوزراء لن يكون حريصا على الوحدة الوطنية …