السيمر / الجمعة 15 . 02 . 2019
غزوان البلداوي
التاريخ طويل ليس لعدد ايامه وسنينه، وإنما لكثرة أحداثه، فعندما تكتب عن موضوع ما، تعددت فيه الأحداث، سيصعب عليك إجمالها في موضوع محدود، لصغر المساحة المتاحة أمامك. لو رجعنا لعام (٢٠٠٣) وتذكرنا بعض الأحداث التي سجلها التاريخ، فمثلاً يوم ١٠ابريل/ نيسان ٢٠٠٣، اليوم الذي قتل فيه (عبد المجيد) نجل المرجع الأعلى السيد (ابو القاسم الخوئي)، واتهم (مقتدى الصدر) في مقتله، وهي حركة عبقرية ممن استثمروه من المخابرات الخارجية، فقد تكون عن دراية او عن جهل، فقتل الخوئي تعني ازاحة اكبر منافس له في الساحة السياسية، لما يتمتع به الضحية من قوة الشخصية الراكزة والمتمكنة سياسياً وعلاقاتياً واقتصادياً، لما يمتلكه من ارث مرجعي، باعتباره ابن اكبر احد مراجع الشيعة، ولفتح ساحة اكبر له، قامت المخابرات الدولية بقتل (محمد باقر الحكيم) المنافس الاقوى لجميع القوى السياسية، ثم اثاروا العداء بينه وبين المجلس الاعلى، كفصيل سياسي يحظى بمقبولية الشارع، ويستند لارث مرجعي… ولديه إمكانيات مالية ونفوذ سياسي، يعجز الصدر ان يتحرك بوجودهم في الساحة السياسية. في اغسطس /آب ٢٠٠٣، أعلن عن تشكيل (جيش المهدي) وهو مجموعة من اتباع والده الشهيد السيد (محمد الصدر)، تخلله مجموعة من أبناء البعثية، والمخابرات الدولية، كان الهدف منهم تأمين الحماية لنفسه، ومصدر تهديد لأي جهة تعترضه، او تمتنع عن تلبية مطالبه، فلقد أعلن ان الهدف من ورائه محاربة الاحتلال، لكن العراقيين يعلمون جيداً ما كان يفعله جيش مقتدى الصدر. اما في ١٤ أكتوبر/ تشرين الاول ٢٠٠٣، فهو اليوم الاول لإعلان الصدر عن حكومته الجديدة “حكومة الظل” والتي تكونت من عدد من وزارات الدولة، كما قرر اعادة (وزارة الاعلام والاوقاف) واستحدث “وزارة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر). تلك الحركات الثلاث يكفين لمعرفة نواياه، وما يسعى لأجله، انها السلطة والزعامة التي يبحث عنها. أعلن الصدر انه لن يشارك بالحكومة في ظل الاحتلال، الا انه شكل اكثر من كتلة منها تحت اسم رساليون بزعامة (بهاء الأعرجي) مقرر لجنة كتابة الدستور، ومستقلون بزعامة (فتاح الشيخ) الذي استوزر (وزارة النقل) كما استوزر علي الشمري (وزارة الصحة) المتهم باختلاس (مليار دولار) من الوزارة ثم هرب بعدها الى امريكا لطلب اللجوء، خوفاً من (حاكم الزاملي) مفتشها. كان الصدر يدير المكر والخديعة بحرفية عالية، وإمكانية عجيبة في استعطاف الجمهور، واللعب على مشاعرهم، تحت رعاية خارجية فكانوا اتباعه يقتلون الجيش والشرطة في المحافظات ويوزعون الورود عليهم في بغداد، يستغلون المظاهرات الغاضبة على الحكومة وفسادها ويركبون موجتها ويديرون مغانمها باتجاههم، فهم الأكثر وجوداً في البرلمانات جميعها, والأكثر تمثيلاً في الحكومات المتعاقبة, والأكثر استيزاراً فيها، الا انهم دائماً ينتقدون ادائها ويُثيرون الشارع عليها، لغرض استحصالهم على منافع اكثر، وما يزالون على هذه الشاكلة. كانوا هم الكتلة الأكبر في “الاتلاف الوطني الموحد”، فما ان لوح لهم المالكي في الوزارات والمناصب حتى تَرَكُوا الاتلاف والتحقوا بالمالكي، وهذا ما صرح به المالكي في لقاء تلفزيوني عشية عيد الفطر المبارك في ٢٠١٠، ثم التحق بهم الجعفري ثم بدر العامري. اما في انتخابات ٢٠١٤، فكانوا من اهم المعترضين على اخراج الحكومة من حزب الدعوة، وأصروا على حلفائهم ان تبقى لهم، لكن بعد تنصل المالكي من اتفاقاته معهم، التي كان من اهمها اخراج اتباعهم من السجون والمعتقلات التابعة للحكومة، ذهبوا يجمعون المختلفين مع المالكي من الأكراد والسنة وعدد من الشيعة، لإسقاط حكومته. بعد فشل تجربتهم ولكي لا تخرج الحكومة لشخص لا يخضع لهم ولطلباتهم التي لا تتوقف عند حد معين، طلبوا من العبادي ان يتبرأ من حزبه، وتعهدوا له بولاية ثانية، الا ان الاخير رفض ذلك الامر. اختاروا (عادل عبد المهدي) رئيساً للحكومة، بعدما أعلن استقلاله، بينما كانوا هم من أشد المعترضين على توليه الحكومة، وبشهادة قياديين كبار من التيار الصدري، شكلوا تحالف الاصلاح والبناء، الا ان ذلك التحالف لم يحقق كل تطلعاتهم، فأخذوا يديرون اجتماعات سرية وعلنية مع كتل وتحالفات سياسيّة، كتحالف البناء والإعمار، اللذين اعترضوا على مرشحهم لوزارة الداخلية، (فالح الفياض)، الا انهم في الاجتماع الاخير اتفقوا على استحداث (وزارة الامن الوطني) يستوزرها الفياض بدل الداخلية، مقابل حصولهم على (٦٥٠٠) درجة وظيفة تكون حصة سرايا السلام. مقتدى الصدر واتباعه اعتادوا على المكر والخديعة، واللعب بمشاعر وعواطف الناس، والادعاء بما ليس فيهم من الصلاح، لأنهم لُب الفساد وبؤرته، فبمجرد منحهم (٦٥٠٠) درجة وظيفية باعوا تحالفهم وزهدوا بالمتحالفين معهم, ونكلوا بعهودهم ومواثيقهم التي تعهدوا بها مع أعضاء تحالفهم، ليست المشكلة فيهم، وانما بالجهلاء والسذج اللذين يصدقون بادعاءاتهم الكاذبة والزائفة.