الرئيسية / مقالات / محمد رضا السيستاني، رسالة سابقة

محمد رضا السيستاني، رسالة سابقة

السيمر / فيينا / الجمعة 12. 06 . 2020

سليم الحسني

وعدتُ القارئ الكريم أن انشر عدة مقالات أبيّن فيها استقالة علاء الموسوي من الوقف الشيعي ولماذا جرت بهذه الطريقة. وأتطرق الى ما قبل ذلك وما قد يلحقه في اختيار رئيس جديد للوقف الشيعي.
أجد هنا من المناسب، أن أنشر مقاطع من رسالة بعثتها الى السيد محمد رضا السيستاني قبل أكثر من سنتين عن الذين يسيئون للمرجعية، ومنهم علاء الموسوي. الرسالة طويلة وفيها مواضيع عديدة، وقد اخترت منها هذه المقاطع:

سماحة آية الله السيد محمد رضا السيستاني حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

عندما ظهر ـ بعد سقوط النظام ـ اشخاص يدّعون المرجعية، كتبتُ عن هذه الظاهرة المنحرفة، وأطلقتُ عليها تسمية المرجعيات المصطنعة.. كتبتُ عنها الكثير من المقالات، وذكرت الأسماء صراحة متحملاً ردود أفعال أتباعهم.

في المقابل كتبتُ الكثير من المقالات عن مرجعية السيد السيستاني دام عزه، ودورها في العراق الجديد، مع أني أنتمي فكرياً الى مرجعية السيد فضل الله رحمه الله الرجل الذي مات كمداً حين تم تشويه صورته، وهو الذي كان يقف في جفن الموت في مواجهته لإسرائيل والمشروع الأميركي.

في زمن السلطة خسرتُ صداقات غالية لأني وجدتُ أن التجربة العظيمة التي صنعها السيد الشهيد محمد باقر الصدر، تم إهمالها، وبدل أن نعمل على تعميقها وتفعيلها أكثر في الساحة ووسط الأمة، فان الكثير من الأخوة المتصدين للعمل السياسي الحكومي، انصرفوا عنها، وسقطوا في اغراءات المنصب والكرسي والواجهة السياسية. فراحت أوراق ذلك التاريخ تتمزق ورقة ورقة، وإذا بالفكر الذي استشهد من أجله أطهر رجال الشيعة، صار يحترق فصلاً بعد فصل. وهنا كانت معارضتي الشديدة.. كتبتُ كثيراً وطويلاً ناقداً ومهاجماً ومديناً، أذكر الأسماء الصريحة، وأخسر علاقة سنين عزيزة معهم، فلقد شعرتُ بأن المبدأ (حسب تصوري) صار فيصلاً بيني وبينهم، ولست نادماً على ما فعلت، لكني حزين على ما اضطرني لذلك بسبب عدم التزامهم بالقيم الرسالية، وزهدهم بالتجربة واضاعتهم لفرصة التاريخ التي كان يمكن من خلالها إحداث أكبر نهضة شيعية واعية في العراق.

وحين كتبتُ في الأشهر الماضية عن أشخاص ينتسبون الى المرجعية بالعنوان، ويخالفونها في المضمون، فلأني وجدت أن الخطر صار يقترب من سمعة المرجعية، ضمن موجة الهجوم التي يتعرض لها التشيع والشيعة من قبل أميركا وإسرائيل والسعودية والامارات وغيرها.

لقد وجدتُ يا سماحة السيد الجليل، أن الانتكاسة التي وقع فيها الإسلاميون بعد توليهم السلطة والمناصب، أخذتْ تتسع لتصل الى الدائرة المحسوبة على المرجعية، وهذا يعني أن قلعة التشيع الأكبر والأهم والأقوى صارت مهددة، وأن الأمر لو بقي على هذا الحال، فانه بعد فترة من الزمن ستكون نظرة المجتمع الى المرجعية تتطابق مع نظرته السلبية للسياسيين.

في ضوء هذه القناعة قررت الكتابة، على أمل أن يشكّل ذلك تنبيهاً لهؤلاء المحسوبين على المرجعية والمسيئين لها والذين أتعمد تسميتهم بالمعممين لتمييزهم عن العلماء الأفاضل الذين يعرفون معنى العمامة الشيعية ورمزيتها الحقيقية.

كنتُ أريد أن أبين الزيف الديني وأعزله عن الأصالة الاسلامية للشيعة وللمرجعية باعتبارها القيادة الممتدة لمدرسة أهل البيت عليهم السلام.

كتبتُ لسماحتكم رسالة تفصيلية عن ممارسات السيد الصافي وغيره، وعن تهديدات بالقتل لبعض أفراد عائلتي، إضافة الى تهديدات مباشرة بقتلي وإحراق بيتي كانت تصلني عبر رسائل متكررة. ولم اتلق الجواب، ولكم الحق في ذلك لكثرة الالتزامات والمشاغل.

تصلني يا سماحة السيد الجليل، عشرات الرسائل من موظفين في الوقف الشيعي والعتبات المقدسة، مدعومة بالأرقام والوثائق عن ما يجري في هذه الدوائر والمؤسسات من مخالفات وسرقات وفساد مالي وإداري.. وأتلقى اتصالات ورسائل من أشخاص محترمين تعرضوا لعمليات النصب والاحتيال والسرقة من قبل السيدين أحمد الصافي وعلاء الموسوي، كما وصلتني شهادات عديدة من المقاتلين المجاهدين في فرقة العباس القتالية، وكيف كان قائد الفرقة يفرّط بحياتهم ويزجّهم لموت مجاني من أجل ان يظهر للإعلام يتحدث عن نصر لم يتحقق، بينما الحقيقة هي هدر للدم الشيعي وتلاعب بمصائر العوائل الفقيرة.

لم أكتب إلا في الإطار العام مع بعض الوقائع التفصيلية عن المخالفات القانونية والدستورية والمالية للسيدين الصافي والموسوي، وكنتُ أحاول أن أخلق رأياً مسانداً لسماحتكم لمعالجة الوضع فيما يخص ثلاثة اشخاص (الشيخ الكربلائي والسيد الصافي والسيد الموسوي) صاروا عبئاً على المرجعية العليا، بل صاروا مطعناً عليها، وإذا استمر الحال فستكون تبعاته بالغة الضرر على المرجعية وسمعتها ومكانتها ودورها وقيادتها.
فهل أسكت يا سيدنا الجليل على هذا الحال، وأنا أرى أن المرجعية تتعرض للتشويه والإساءة؟

ربما تكون لكم أسبابكم التي تمنع إحداث الإصلاح في الدائرة المحسوبة على المرجعية، لكن هذا لا يفهمه الانسان الشيعي ولا يستطيع استيعابه، فهو ينظر على ان المرجع الأعلى الذي يهز العراق باشارة منه، يمتنع عن معالجة خلل كبير قريب منه. هكذا يفكر ويقول الانسان الشيعي في عالم ينفتح على وسائل التواصل الاجتماعي وانتشار المعلومات.

أعرفُ خطورة ما أكتبه وضرره عليّ شخصياً وما قد يلحقني من البعض، ولكن ما أفهمه من مسؤولية شرعية يدفعني للكتابة، فالمرجعية هي آخر ما لدينا من عناصر القوة الميدانية، وهي الحافظة للكيان الشيعي، وتلك هي مسؤولية كل شيعي، وليست مختصة بالأفاضل في جهاز المرجعية الإداري وحدهم.

قد يستند السادة والشيوخ الأفاضل في مكتب السيد السيستاني دام عزه، الى رؤيتهم واعتباراتهم في السكوت على المسيئين للمرجعية العليا. لكن هذا لن يكون مبرراً للذين يمتلكون القناعة بضرورة الحفاظ على قيادة ومكانة المرجعية، وحمايتها من المتسترين باسمها، وهم أشد ضرراً عليها من الأعداء.

لا أملك إلا هذا القلم وسيلة للعمل، وكان بمقدوري ـ كما فعل الكثير من الكتاب ـ أن أجعله وسيلة ثراء وجاه، ولكني أخضعته للضمير فأزحتُ عن طريقي مضلات الهوى من المال السهل والجاه القريب، ورضيتُ ـ بعد الغنى ـ بالفقر أقهره بالاستغناء، وواجهتُ المشاكل والصعوبات، استعين عليها بعدم خوفي على شيء في الدنيا أخشى ضياعه أو أطمع به.

لا أملك غير هذا القلم الذي حرّمته على البيع، وليس عندي سوى فكر أؤمن به وأحافظ عليه وانطلق منه في تحديد مواقفي. بهذا القلم أدافع عن المرجعية، وبه ان شاء الله أتصدى للذين يتسببون لها بالضرر، فهي قيادتي وحصني وقلعتي، ومن حقي، بل من واجبي أن أدفع عنها الضرر.

أسال الله تعالى أن يوفقكم سيدنا الجليل في حفظ مقام المرجعية، والحفاظ عليها، وحفظها من المسيئين الذين يتعاملون بنظرة ذاتية، فيضعون الشيعة ومستقبلهم في خطر الانزلاق نحو الضعف، فيما لو ضعفت ـ لا سمح الله ـ المرجعية بسمعتها ومكانتها ورمزيتها.
تقبلوا خالص الاحترام والتقدير

سليم الحسني
٢٥ شباط ٢٠١٨
انتهت الرسالة
لا علاقة للجريدة بكل ما ورد من آراء بهذه المقالة 

اترك تعليقاً