السيمر / فيينا / الجمعة 10 . 09 . 2021 —— من شرفته المطلة على شارع ضيق في أحد ضواحي القاهرة، يبدو علي شاردا ، وهو يتحدث عن أشياء أصبحت من رفاهية الحياة بعدما طالت بطالته لسنوات. ” اللحوم مفيش، الفراخ مفيش” هذه الأطعمة لا يمكنني شراؤها، أتناولها فقط عندما أكون مدعوا لدى الأقارب.
علي في الثلاثينيات من عمره، مطلق وحاصل على مؤهل بالدراسات الفندقية، يقضى جل يومه متصفحا الانترنت والصحف بحثا عن وظيفة لإعالة طفلته الوحيدة. لكنه حلمه في العثور على عمل يتماثل مع أحلام الملايين من الشبان العاطلين عن العمل في المنطقة العربية.
ويشير التقرير الأخير للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) ومنظمة العمل الدولية إلى أن المنطقة العربية سجلت أعلى معدل للبطالة في العالم. . وتقدر إحصائيات منظمة العمل الدولية أن أكثر من 26% من الشباب أدرجوا ضمن فئة العاطلين عن العمل في العالم العربي ما قبل أزمة كورونا.
تقدم علي بطلبات توظيف إلى العديد من الشركات والفنادق آملا أن يجد عملا في مجال اختصاصه، ولكنه يقول إن مساعيه قوبلت بالرفض لأسباب مختلفة تتراوح بين “الواسطات وعدم كفاية الشهادات التعليمية أو الشكل واللباس” حسب قوله.
“مشكلة مزمنة”
ورغم أن وباء كوفيد_19 فاقم من معدلات البطالة عالميا، إلا أن المشكلة في العالم العربي أقدم وأعمق من ذلك. فقد بلغت أعداد العاطلين عن العمل في المنطقة العربية ما قبل تفشي كورونا، أكثر من 14 مليون شخص في عام 2019 بحسب منظمة العمل الدولية. بينما خسر العالم العربي ما يعادل 15 مليون وظيفة في الربع الأخير فقط من عام 2020 بسبب الجائحة.
ووفقا للدكتورة ربا جرادات المديرة الإقليمية لمنظمة العمل الدولية، فإن “أزمة كوفيد_19 زادت من الضغط على سوق العمل ورفعت معدلات البطالة بشكل كبير”، وتتابع “لا شك أن المنطقة غير قادرة على خلق فرص عمل للأعداد المتزايدة من السكان وذلك بسبب تضخم القطاع العام من جهة وضعف إنتاجية القطاع الخاص من جهة أخرى”.
إلا أن الأسباب لا تقتصر على ذلك فقط، حيث أدت النزاعات والحروب وعدم الاستقرار السياسي “إلى عدم رغبة كثير من المستثمرين والأفراد بالاستثمار في المنطقة العربية”.
ورغم شيوع البطالة عربيا ، إلا أن بعض الفئات أكثر عرضة لها من أخرى، فقد سلط التقرير الذى حمل اسم “نحو مسار منتج وشامل للجميع: إيجاد فرص عمل في المنطقة العربية”، الضوء على حالة عدم المساواة بين الجنسين في أسواق العمل العربية.
وأفاد بعدم خلق فرص عمل كافية وعادلة، رغم ضيق الفجوة التعليمية بين الجنسين، بسبب عدم قدرة سوق العمل العربي على ذلك، خاصة القطاع النظامي.
وقد ارتفع معدل بطالة النساء خلال الفترة 2000-2020 بنسبة 3.4 % كما اتسعت الفجوة بين الجنسين في المناصب العليا بما يقارب أربعة أضعاف مقارنة بالفجوة بينهما في حصص العمل بدوام كامل.
نادية ، أرملة مصرية في الخمسينيات من العمر ، واحدة من هؤلاء اللاتي يبحثن عن عمل منذ سنوات. و تسعى نادية لإعالة بناتها الست إلا أنها تواجه تمييزا من أصحاب العمل ” يتم تسريح الصغار من وظائفهم فكيف سيجدون عملا لكبيرات السن؟”.
رغم ذلك لم تيأس نادية فعملت كبائعة صحف وعاملة نظافة، لكنها تشكو أن حتى هذه الأعمال “لا تدر دخلا يكفي لسد النفقات الأساسية”.
ويعزو سليم عراجي مسؤول الشؤون الاقتصادية في الإسكوا ارتفاع معدلات البطالة بين النساء إلى الظروف السياسية وظروف الحرب التي مرت بها المنطقة فضلا عن جائحة كورونا التي يتوقع أن تزيد الأوضاع سوءا خصوصا بين النساء.
ويقول عراجي إن النساء اضطررن للعودة للمنازل لرعاية الاسرة كما تم الاستغناء عنهن أكثر من الرجال خلال الجائحة.
ذوو الإعاقة يعانون أكثر
وبحسب تقرير الإسكوا يعد ذوو الإعاقة من الفئات الأكثر معاناة من ارتفاع معدلات البطالة كالنساء.
وعلى بعد آلاف الاميال من القاهرة حيث تسكن نادية، يشاركها طه الفندي في محافظة البلقاء بالأردن نفس الحلم في العثور على عمل.
وتخرج طه منذ عام 2012 وحصل على دبلوم في تصميم الجرافيك إلا أنه منذ ذلك الوقت لم يحصل على وظيفة.
وتتراوح معدلات الإعاقة في العالم العربي بين 0.2 % في دولة قطر إلي 5.1 % في المغرب. وتتجاوز معدلات تشغيل ذوي الإعاقة نسبة 14 % من النساء و34 % للرجال.
ويقول طه إن المشكلة الرئيسية أحيانا تكمن في تهيئة البيئة لعمل ذوي الإعاقة ويضيف ” كثير ما كنت أحرم من فرصة عمل مناسبة واستحقها لعدم توافر أدراج مناسبة استطيع التعامل معها في مكان العمل أو لعدم وجود أدوات تتناسب مع إعاقتي تعينني على أداء مهامي”.
وتؤكد سمية مجذوب وهي مسؤولة التنمية الاجتماعية في الاسكوا إن ” الدول العربية التزمت بتشريعات تضمن كوته و حصة إلزامية لذوى الإعاقة في أماكن العمل إلا أن أصحاب العمل في معظم الدول العربية لا يعرفون كثيرا عن هذه الحصص الإلزامية”.
نادية و طه وعلي وجوه مختلفة ، لكنها ترسم صورة قاتمة لمستقبل العمل في المنطقة العربية، وحسب مسؤولة منظمة العمل الدولية فإنه يتعين على الدول العربية القيام بإجراءات طارئة للتقليل من معدلات البطالة، مثل تبادل الخبرات حسب حاجة السوق وإصلاح وتمكين القطاع الخاص ليتمكن من خلق فرص عمل أكثر.
المصدر / بي بي سي