وقد اقترح لورنس حكومتين منفصلتين للمناطق الكردية والعربية في العراق الحالي. كما اقترح حكومتين منفصلتين للعرب في بلاد الرافدين والأرمن في سوريا.
غير أن البريطانيين والفرنسيين كانوا قد اتفقوا، قبل بدء مؤتمر باريس، على مستقبل الأراضي العربية التي كانت خاضعة لتركيا.
وفي 20 مارس/آذار عام 1920 حضر مندوبون من فلسطين المؤتمر السوري العام في دمشق الذي أصدر قرارا برفض وعد بلفور وانتخب فيصل الأول نجل الشريف حسين بن علي ملكا على سوريا الموحدة (بما في ذلك فلسطين).
ولكن بعد أسابيع قليلة قسم الحلفاء المناطق التابعة سابقا للإمبراطورية العثمانية المهزومة في مؤتمر السلام الذي عقد في سان ريمو بإيطاليا في إبريل/نيسان عام 1920.
فقد تم تقسيم مملكة سوريا الفتية بوضع سوريا ولبنان تحت الوصاية الفرنسية وفلسطين تحت الوصاية (أو الإنتداب) البريطاني.
وفي يناير/كانون الثاني من عام 1920 عاد فيصل إلى دمشق التي سادها استياء شديد من أنباء الادعاءات الفرنسية بانتدابها على سوريا، وسرعان ما قامت فرنسا بغزو مملكة فيصل واحتلال دمشق في يوليو/تموز من عام 1920 بعد معركة ميسلون، وأُجبر فيصل على الخروج إلى المنفى، وذهب في النهاية إلى لندن بدعوة من الحكومة البريطانية.
ملك العراق
تقول دائرة المعارف البريطانية إنه في غضون ذلك أقامت بريطانيا منطقة نفوذ في العراق، وكانت قد احتلت عام 1917 خلال الحرب العالمية الأولى ولايات البصرة وبغداد والموصل، وكانت تابعة للدولة العثمانية.
غير أن العراق شهد انتفاضة ضد البريطانيين في مايو/آيار من عام 1920 (ثورة العشرين) حيث شعر الشعب العراقي بأنه تم التراجع عن الوعود التي قدمت لهم بالاستقلال، و تطلب الأمر نشر أكثر من 100 ألف جندي بريطاني وهندي.
وانتشرت الثورة في جميع أنحاء البلاد وتم قمعها بصعوبة كبيرة. وقد أسفرت المواجهات عن مقتل الآلاف من العراقيين ومقتل المئات من الجنود البريطانيين والهنود، وكلفت الحملة العسكرية بريطانيا عشرات الملايين من الجنيهات الاسترلينية، وهي أموال لم تستطع تحملها بعد الحرب العظمى.
وكانت هناك حاجة إلى طريقة جديدة للسيطرة على العراق، وقد طرح ونستون تشرشل، بصفته وزيرا للحرب في حكومة تحالف لويد جورج، إجراء تخفيضات ضخمة في الميزانية العسكرية مع إحكام القبضة من الجو.
وكان الوضع سيئا للغاية لدرجة أن القائد البريطاني، الجنرال السير أيلمر هالدين، طلب في وقت ما إمدادات الغاز السام.
وتم استخدام القوة الجوية العشوائية لقمع انتفاضة رجال القبائل في المنطقة، كما تم استخدام أساليب اعترف البريطانيون بأنها لم تكسبهم أصدقاء، وكما قال أحدهم إن تلك الأساليب زرعت كراهية لا تنضب للبريطانيين بين سكان المنطقة ورغبة في الانتقام.
ولتخفيف مقاومة الحكم البريطاني، قررت بريطانيا في مارس/ آذار عام 1921 رعاية فيصل كممثل عن العراق بغية إبرام معاهدة معه تنص على الاستقلال في نهاية المطاف. وقبل فيصل بالخطة ورُحب به بحماس في العراق حيث توج في أغسطس/آب من عام 1921 بحسب بريتانيكا.
وتضيف دائرة المعارف البريطانية قائلة إن قدرة فيصل بن الحسين على الحصول على دعم واسع النطاق في العراق وسوريا مثلت مؤشرا مستمرا على الشعور القومي بين العرب في منطقة الهلال الخصيب (العراق والشام).
وفي الواقع، استمد فيصل سلطاته، بصفته زعيما عربيا ليس له جذور سياسية محددة في العراق كما أبدى تقديرا للصداقة البريطانية مع الحفاظ على أوراق اعتماده الكاملة بين القوميين العرب المتحمسين له كزعيم.
لقد اتحدت الولايات الثلاث المتفرقة (البصرة وبغداد والموصل) في ظل الملك الهاشمي فيصل القادم من الحجاز في شبه الجزيرة العربية.
وكان العراق الجديد مزيجا معقدا من الجماعات العرقية والدينية والاختلافات الجغرافية الطبيعية.
وظلت هناك قضايا خلافية أخرى فقد استاء العراقيون بشدة من الحدود المفروضة عليهم، والتي كانت تعني وصولا محدودا للعراق إلى مياه الخليج.
وتقول دائرة المعارف البريطانية إن فيصل من موقع نفوذه تفاوض مع بريطانيا على سلسلة من المعاهدات بلغت ذروتها في عام 1930 بمعاهدة مكّنت العراق من تحقيق “الاستقلال” والعضوية في عصبة الأمم بحلول عام 1932.
لقد فرض البريطانيون نظاما ملكيا وشكلا من أشكال الديمقراطية، ولكن حتى بعد منح الاستقلال الرسمي في عام 1930، اعتقد معظم العراقيين أن البريطانيين هم الذين كانوا يحكمون البلاد فعلياً.
وقد ظل الملك فيصل الأول جالسا على العرش حتى وفاته في 8 سبتمبر/ايلول من عام 1933.
الأسرة الهاشمية
وقد عاشت الملكية في العراق حتى عام 1958 حيث جلس الملك غازي الأول نجل فيصل على العرش بعد وفاة والده وحتى عام 1939 ثم تولى الأمير عبد الإله الهاشمي الوصاية على عرش ولي العهد الصغير فيصل الثاني حتى وصل السن القانونية في عام 1953 واستمر في الحكم حتى عام 1958 عندما لقى مصرعه في انقلاب عبد الكريم قاسم في 14 يوليو/تموز من ذلك العام، بحسب دائرة المعارف البريطانية.
الملك غازي ثاني ملوك الأسرة الهاشمية في العراق
لفصيل بن الحسين ثلاثة أشقاء هم علي وعبدالله وزيد، و خلف علي والده في عام 1924 كثاني ملوك الحجاز، لكنه تنازل في العام التالي بعد الهزيمة على يد السعوديين، وأصبح عبد الله ملكا على شرق الأردن (الأردن فيما بعد).
وكان فيصل بن الحسين قد شهد نهاية حكم الأسرة الهاشمية في الحجاز.
وتقول دائرة المعارف البريطانية إنه في مارس/ آذار عام 1924 نصب الشريف حسين بن علي نفسه خليفة للمسلمين، لكن الحرب مع عبد العزيز آل سعود كانت وشيكة، وشن إخوان طاعة الله الموالين لآل سعود هجوما على الطائف في سبتمبر/أيلول من ذلك العام، ولم يكن الشريف حسين بن علي مستعدا لصد ذلك الهجوم.
فيصل الثاني آخر ملوك العراق
ونجحت قوات آل سعود في دخول الطائف ومكة عام 1924. وفي 5 أكتوبر/تشرين الأول من ذلك العام تنازل الشريف حسين بن علي عن العرش لنجله الأكبر علي، وقد نقله البريطانيون إلى قبرص.
ويذكر أن جدة صمدت أمام حصار قوات آل سعود حتى 17 ديسمبر/ كانون أول عام 1925، وبسقوطها سقطت مملكة الحجاز.
وعاش الشريف حسين بن علي في قبرص حتى عام 1930، ثم عاد إلى الشرق الأوسط ليعيش مع ابنه عبد الله في شرق الأردن حيث توفي عام 1931.