السيمر / فيينا / الأحد 28 . 11 . 2021
د. لبيب قمحاوي */ الاردن
يجابه العالم العربي الآن مجموعة جديدة من التحديات التي تفوق في خطورتها وأبعادها أي شئ آخر مَرَّ به العرب في علاقتهم مع اسرائيل والصهيونية، ويجري العمل عليها الآن بقبول أو انصياع أو صمت رسمي لبعض الأنظمة العربية بهدف نقل مفهوم التطبيع مع اسرائيل الى مستويات تفوق حتى ما يمكن أن يتخيله أكثر العرب تشاؤماً أو استسلاماً.
تسعى اسرائيل والصهيونية الآن الى الخروج بمنظومة جديدة تعيد صياغة العديد من المفاهيم الدينية لتلتقي مع المدرسة التي تدعو الى التصرف باعتبار الاسلام والمسيحية واليهودية عقائد “ابراهيمية” تنبع من نفس المصدر الابراهيمي وبالتالي تحث أتباع الديانات الثلاثة على التصرف بإعتبارهم ينتمون الى اطار ديني واحد والى مصدر روحاني واحد.
تجري الدعوة الى “العقيدة الابراهيمية” والتمهيد لها بهدوء سام وتسريبات أقرب ما تكون الى عمليات غسل دماغ من خلال مجسَات هادئة . تساهم في ادخال الفكرة الى العقل الباطن للمواطنين وتنقلها من حالة الرفض الفوري المطلق الى الاعتياد على المصطلحات المرافقة لهذه الدعوة المشبوهة وإلى القبول”بالابراهيمية” كإطار جامع له أبعاد ايجابية وهنا مكمن الخطر.
الشق الروحي المتعلق بتلك الدعوة المزعومة الهادف الى تطويع العرب المسلمين والمسيحيين روحياً وتحويلهم الى اتباع للعقيدة الابراهيمية المقترحه هو أمر شديد الخطورة كونه يتعرض لصلب القناعات الروحية ويتصدى لها ويعمل على تطويعها خدمة للمصالح اليهودية الاسرائيلية والسماح لها بالتغلغل في الحياة الروحية لسكان المنطقة وتقاسم كافة الأماكن المقدسة الاسلامية والمسيحية مع اليهود.
الفلسفة الابراهيمية هي بدعة اسرائيلية صهيونية تأخذ المنطقة العربية آلاف السنين الى الوراء حتى تتمكن من النفاذ الى واقع المنطقة الحالي واعادة صياغته بشكل يعطي اليهود الحق بفرض حقوق لهم أو المطالبة بها بإعتبارهم ممثلي الديانة الأقدم والاقرب الى ابراهيم “أبو الأنبياءً” . تفكير شيطاني بالتأكيد، ولكن القدرة على تنفيذه تتوقف الى حد كبير إما على سذاجة أو غباء الأطراف الأخرى المعنية أو خيانتها . الفلسفة الإبراهيمية بشكل عام هي فخ وقعت فيه العديد من الأنظمة العربية سواء عن جهل أو غباء أو تآمر خصوصاً عرب التطبيع الذين فتحوا الباب على مصراعيه أمام “الفلسفة الابراهيمية”.
“العقيدة الابراهيمية” تهدف الى ان تصبح المظلة الروحية الجديدة فيما لو تم قبولها والعمل بها. الرفض اللفظي لبعض رجال الدين في مجابهة القبول الضمني لن يجدي شيئاً. تصريح يتيم من هنا أومن هناك او من بعض المراجع الدينية لن يجدي شيئاً اذا لم يؤدي ذلك الى حملة مستمرة تجعل من قبول الفلسفة الابراهيمية انتحاراً سياسيا أو دينياً لكل من يقبل بها ويتبناها.
المطروح لا يهدف الى إلغاء الأديان القائمة الاسلامية والمسيحية، بل يهدف الى خلق اطار روحي ” ابراهيمي” يتم بموجبة وضع الأديان السماوية الاسلامية والمسيحية واليهودية ضمن اطارعام واحد يكون أقرب الى “الحلف الروحي” الذي يفسح مجالاً لليهودية لإحتلال مكان مساوٍ لباقي الاديان بغض النظر عن التاريخ والواقع البشري الذي يجعل من اليهود قطرة في بحر الاسلام والمسيحية البشري.
أساس هذا التفكير الصهيوني ينطلق من الرغبة في السيطرة على المنطقة من النيل الى الفرات دون الحاجة الى خوض حروب واحتلال أراضٍ للوصول الى ذلك الهدف . فالحروب تنطوي على مخاطر وتضحيات بالنسبة للإسرائيلين، كما انها تتطلب القدرة ، في حالة وقوع الاحتلال، على ابتلاع وهضم المناطق المحتلة كما فعل الاسرائيليون في فلسطين ، الأمر الذي يفوق القدرة والطاقة البشرية الاسرائيلية ، والبديل في التفكيرالاستراتيجي الاسرائيلي كان من خلال طرح افكار وفلسفات تؤدي الى تغيير التاريخ وابتلاع العقائد السياسية والروحية واحتلال عقول البشر عوضا عن الاحتلال العسكري.
ان استنهاض المقاومة الروحية الاسلامية والمسيحية للهجمه الصهيونية اليهودية الجارية تحت شعار الابراهيمية هو امر هام واساسي بعد أن سقط الجدار العربي والعروبة كقيمة سياسية مٌقاوِمة للوجود وللإحتلال الاسرائيلي .ان استنهاض المقاومة الروحية يجب أن يكون بعيداً عن أي مسعى لفرض التعصب الديني لأن نتائج مثل ذلك السلوك سوف تكون سلبية ومتناقضة مع مسعى مقاومة المخطط اليهودي الصهيوني الداعي الى ” العقيدة الابراهيميه” كون ذلك المخطط اليهودي الصهيوني متعصبًا وإقصائياً في صلبه ، ودموياً وقمعياً في ممارساته.
الجميع يقر ويعترف بأن العالم العربي الآن في حالة انهيار، وهذا الانهيار الى مزيد كون عوامل النهوض اصبحت إما غير متوفرة أو غير مسموح بها.
ومع ذلك فإن فضح هذه الأفكار والأساليب و المخططات هي الخطوه الأولى على طريق مقاومتها وإفشالها ، وليس قبولها والخضوع لها.
أن مستقبل فلسطين والعرب ، مسلمين ومسيحيين ، على المحك الآن . ومع أن معظم حكام العرب لا يمثلون بالضرورة آمال شعوبهم، إلا أن واجب التصدي لمثل تلك الأفكار والمخططات يبقى من مسؤولية الشعوب لأن من سيدفع الثمن في النهاية هو الشعوب وليس الحكام.
احتلال التاريخ العربي واعادة كتابته من خلال العبث بالمناهج المدرسية والجامعية وحذف المواد المتعلقة بالمجتمع العربي والقضية الفلسطينية وكل ما يشير الى العداء لإسرائيل أمثلة صارخة على هذا المسار وخطورته على تفكير الأجيال الجديدة ، بالإضافة إلى احتلال الروح العربية دينياً وثقافياً تحت قيادة اليهودية الصهيونية العالمية والاستيلاء على الموارد الطبيعية والثروات العربية هي أهداف اسرائيلية ينتظر العرب الآن تحقيقها . وما كان ضربًا من الخيال أصبح الآن واقعاً يجري العمل على تطبيقه بخطىً اسرائيلية حثيثة واستسلام عربي شبه كامل.
*مفكر عربي
21. 11 . 2021