الرئيسية / مقالات / المارد الفلسطيني : الخروج من القمقم الاسرائيلي،ولكن من هو العدو الحقيقي للفلسطينيين؟؟

المارد الفلسطيني : الخروج من القمقم الاسرائيلي،ولكن من هو العدو الحقيقي للفلسطينيين؟؟

السيمر / فيينا / الثلاثاء 14 . 11 . 2023

د. لبيب قمحاوي / الأردن

لماذا الحديث عن اسرائيل ولماذا لا يكون الحديث عن أمريكا كونها  ُتَزوِّد اسرائيل بكل ما يُمِكّنها من ارتكاب جرائمها، وتدفع لها ما يكفي لتمويل تلك الجرائم وأدواتها من سلاح وعتاد وبشر تجاوز حتى الآن في الحرب الأخيرة على غزة مبلغ ثلاثة عشر ألف مليون دولار (أي 13 مليار دولار) .

فَزِعَ الإسرائيليون وإرتعبوا لما جرى يوم 7/10/2023 ولهول المفاجأة التي ضربت في ذلك الصباح عقيدتهم الأمنية والعسكرية والوجودية المبنية على تزوير التاريخ، ولكن أحداً لم يذكر أمريكا بالرغم مِنْ أن إدراتها قد أصابها نفس المقدار من الصدمة والذعر والرعب من هول المفاجأة الناتجة عن فشل أجهزة الاستخبارات الأمريكية في إكتشاف مخطط حماس و بالتالي في تحذير ربيبتها إسرائيل مما هو قادم .

من السذاجة قبول ما يشاع عن وجود خلافات أو اختلافات بين سياسة اسرائيل وسياسة أمريكا في التعامل مع الفلسطينيين أو في معالجة الأزمة الأخيرة مع حماس والعدوان الدموي على غزة  . الخلاف هو في كيفية تمرير تلك السياسات بالحد الأدنى من المعارضة الدولية والإنسانية. أما في الجوهر فإن ما تريده أمريكا حقيقة هو بالضبط ما تريده اسرائيل . الوقاحة الاسرائيلية في التعبير عن سياساتها الاجرامية تجاه الفلسطينيين أصبحت الآن أيضاً وإلى حد كبير من سمات الموقف الأمريكي الذي يرفض وقف اطلاق النار علناً وعلى الرغم من عمليات القتل الجماعي للأطفال والمدنيين الفلسطينيين والدمار الهائل الذي أصاب مئات آلاف المنازل والمدارس والمستشفيات بحجة القضاء على حماس .

إن المغالاة الأمريكية في إظهار التأييد المطلق لإسرائيل يرقى إلى مستوى إعطاء اسرائيل تفويضاً مفتوحاً مبرراً لقتل الفلسطينيين بل وحتى تشجيعاً لهم لفعل ذلك كما جاء في تصريح الناطق بإسم الخارجية الأمريكية صامويل ويربرغ (ٍ Samuel Wurburg) بأن أمريكا لا تضع قيوداً على كيفية استعمال السلاح الذي تبيعه لإسرائيل .

الحرب الحالية على غزة مثال صارخ على الأزمة الأخلاقية التي تعيشها أمريكا واسرائيل والدول الغربية المؤيدة لهما .  فالفلسطينيون في إقليم غزة المحاصرون منذ حوالي عقدين من الزمن، يجابهون الآن اتحاداً في الموقف يشمل أمريكا واسرائيل وبعض دول العالم الغربي في حرب تهدف إلى تدمير إقليم غزة وقتل اكبر عدد ممكن من سكانه المدنيين وتدمير مؤسساته العلاجية والمدنية حماية لنظام احتلال عنصري مجرم يدعى اسرائيل . وهنا يبرز السؤال لماذا نرى مثل هذا الائتلاف لدول العالم الغربي في دعم اسرائيل في الوقت الذي نلمس فيه التهديد الامريكي المبطن والعلني لدول الاقليم بعدم التدخل في هذا الصراع أو عدم محاولة توسيع رقعة الحرب أو زيادة عدد الدول المتحاربة ؟ لماذا؟ وما الذي حدث وجعل أمريكا ودول الغرب تتصرف بطريقة تخلو من التوازن في احترام القانون الدولي والقيم الانسانية علماً أنها تسعى إلى تزويد اسرائيل بكل ما تريده، ومَنْعِهِ في نفس الوقت عن الفلسطينيين مع أن اسرائيل هي المعتدي والفلسطينيون هم المعتدى عليهم .

ما اعتدنا سماعه من أفواه الجميع بمن فيهم بعض العرب يتمحور حول إسرائيل، ويمكن تلخيصها بجمل مثل إسرائيل تريد؟ وإسرائيل لا تريد؟ إسرائيل توافق؟ وإسرائيل ترفض؟ ولكن ماذا عن الفلسطينيين وما يريدونه وما يقبلوه وما يرفضوه؟ إن تجاهل الفلسطينيين وحقوقهم وعدم الاكتراث بمعاناتهم وبما يتعرضون له من ظلم واضطهاد قد يكون وراء ما حصل مؤخراً. وعلى الامريكان والاسرائيليين وحلفاؤهم استيعاب هذه الحقيقة المرَّة بأن الشعوب لا تختفي وقضاياها لا تذوب بإرادة الغير .إن ممارسات اليمين المتطرف الحاكم في اسرائيل وَسنّ مجموعة من القوانين العنصرية قد وضع الفلسطينيين تحت الاحتلال في قمقم من اليأس والقتل والإهانة اليومية وإهانة أماكنهم المقدسة مما زاد في غضب الفلسطينيين وقناعتهم بأن اسرائيل ومَنْ ورائها لا يكترثون للفلسطينيين وحقوقهم . بالإضافة إلى أن إمعان إسرائيل في احتقار القيادة الفلسطينية واساءة التعامل معها كما حصل ويحصل مع السلطة الفلسطينية، كل ذلك خلق احساساً عاماً لدى الفلسطينيين ومنهم حركة حماس بأن مياه القضية الفلسطينية قد أصبحت راكدة وأن رائحتها قد أصبحت مليئة بالعفونة التي توحي بفساد البيئة المحيطة بها وبخطر الموت البطئ . وابتدأت الجهود الشعبية الفلسطينية في التحضير بصمت لهز تلك المياه الراكدة وإعادة القضية الفلسطينية إلى وضعها الذي تستحق كأكثر قضايا عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية عدلاً في مطالبها في عالم يخلو من العدالة ويطبقها ضمن معايير مزدوجة وهو ما حصل صبيحة يوم 7/10/2023 .

القضاء على حماس هو شعار أكثر منه محتوى . وهو في أحيان كثيرة عذراً  تستعمله أمريكا لتبرير عدم وقف اطلاق النار، وتستعمله اسرائيل عذراً لقصف المدارس والمستشفيات والابراج السكنية وقتل أكبر عدد ممكن من المدنيين تحت حجة البحث عن قيادات حماس . ولكن يبقى هذا المطلب الاسرائيلي بالقضاء على حماس ضمن عائلة الشعارات التي تكمن أهميتها فقط بإمكانية إستغلالها لغايات  أخرى مختلفة ومنها قتل الفلسطينيين وتدمير مدنهم ومؤسساتهم تحت شعار القضاء على قيادة حماس أو مخازن أسلحتها أومقاتليها .

من الصعب جداً، إن لم يكن من المستحيل القضاء على حماس . فحماس أصبحت جزأ ً من النسيج الوطني الفلسطيني ولم تعد حزباً سياسياً بالمفهوم التقليدي . ومن هنا يصبح هدف القضاء على حماس مماثلاً لهدف القضاء على القضية الفلسطينية نفسها . بمعنى آخر، لا أحد يستطيع القضاء على فكرة ما بإطلاق النار عليها وهذا هو وضع حماس التي أصبحت فكراً ونهجاً  وليست تنظيماً بالمعنى التقليدي .

إن ما فعلته حماس يوم 7/10/2023 قد أعاد وضع القضية الفلسطينية على خارطة الأحداث وعلى أجندة الاهتمام العالمي بعد أن كادت تختفي من تلك الأجندة بشكل كامل خصوصاً بعد استسلام السلطة الفلسطينية المخزي   والتام لإرادة الاحتلال، وانجراف العديد من الدول العربية في مسار التطبيع المجاني مع العدو الاسرائيلي .

إن اللغة المبتذلة التي استعملها الاسرائيليون في بداية الحرب لم تكن غلطات أو هفوات غير مقصودة ولم تكن زلة لسان بقدر ما كانت سياسة مقصودة وانعكاساً للتفكير العنصري لإسرائيل . فالنعت المستمر في وسائل الاعلام الاسرائيلية وعلى لسان المسؤولين الاسرائيليين للفلسطينيين بأنهم “حيوانات وليسوا بشراً” كان يهدف إلى إجراء عملية غسل دماغ للعالم بأن القانون الإنساني لا ينطبق على الفلسطينيين لأنهم ليسوا بشراً، وكأن ما يفعله الاسرائيليون وفعلوه لإقليم غزة وسكانه المدنيين هو شئ انساني وليس فعلا اجرامياً وحشياً يعاقب عليه القانون الدولي .

إن ما حصل في فلسطين بعد يوم 7/10/2023 كان بمثابة تفجير قنبلة فلسطينية بأصداء دولية أعادت قضية فلسطين وهي “ُ أم القضايا” لقيادة مسيرة الُمثُل السامية والتغيير الايجابي في هذا العالم المتوحش القاسي بهدف الوصول إلى عالم جديد يكون أكثر انسانية وأكثرعدلاً و إحتراماً لحقوق الإنسان ويرفض العقوبات الجماعية والقتل الجماعي للمدنيين من أطفال ونساء وشيوخ ضمن مخطط لئيم يهدف إلى استباحة أوطانهم وهضم حقوقهم .  

*مفكر عربي

14/11/2023

الجريدة غير مسؤولة عما ينشر فيها من مواد واخبار ومقالات

اترك تعليقاً