الرئيسية / مقالات / مفهوم كلمة العرش في القرآن الكريم (ح 6)

مفهوم كلمة العرش في القرآن الكريم (ح 6)

فيينا / الخميس 18. 04 . 2024

وكالة السيمر الاخبارية

د. فاضل حسن شريف

تكملة للحلقات السابقة جاء في تفسير الميسر: قال الله تعالى عن عرش ومشتقاتها:  “ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ” ﴿التكوير 20﴾ عِنْدَ ذِي العَرْشِ مَكِينٍ: أنه عند الله ذو مكانة عالية رفيعة. أقسم الله تعالى بالنجوم المختفية أنوارها نهارًا، الجارية والمستترة في أبراجها، والليل إذا أقبل بظلامه، والصبح إذا ظهر ضياؤه، إن القرآن لَتبليغ رسول كريم هو جبريل عليه السلام، ذِي قوة في تنفيذ ما يؤمر به، صاحبِ مكانة رفيعة عند الله، تطيعه الملائكة، مؤتمن على الوحي الذي ينزل به. قوله عز وجل “ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ” ﴿البروج 15﴾ ذُو العَرْشِ: صاحب العرش. إن انتقام ربك من أعدائه وعذابه لهم لَعظيم شديد، إنه هو يُبدئ الخلق ثم يعيده، وهو الغفور لمن تاب، كثير المودة والمحبة لأوليائه، صاحب العرشِ المجيدُ الذي بلغ المنتهى في الفضل والكرم، فَعَّال لما يريد، لا يمتنع عليه شيء يريده.

جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تعالى “وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ” (الزمر 75) الحف الإحداق والإحاطة بالشيء، والعرش هو المقام الذي يصدر منه الفرامين والأوامر الإلهية التي يدبر بها العالم، والملائكة هم المجرون لمشيته العاملون بأمره، ورؤية الملائكة على تلك الحال كناية عن ظهور ذلك وقد طويت السماوات. والمعنى: وترى يومئذ الملائكة والحال أنهم محدقون بالعرش مطيفون به لإجراء الأمر الصادر منه وهم يسبحون بحمد ربهم. وقوله: “وقضي بينهم” احتمل رجوع الضمير إلى الملائكة، ورجوعه إلى الناس والملائكة جميعا، ورجوعه إلى جميع الخلائق، ورجوعه إلى الناس فالقضاء بين أهل الجنة وأهل النار منهم أو بين الأنبياء وأممهم. ويضعف الاحتمال الأخير أن القضاء بين الناس قد ذكر قبلا في قوله: “وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون” فذكر القضاء بينهم ثانيا تكرار من غير موجب. لكن ظاهر القضاء بين جماعة هو الحكم لبعضهم على بعض لوجود اختلاف ما بينهم ولا تحقق للاختلاف بين الملائكة. قوله تعالى “سبحان رب السماوات والأرض رب العرش عما يصفون” (الزخرف 82) تسبيح له سبحانه عما ينسبون إليه، والظاهر أن “رب العرش” عطف بيان لرب السماوات والأرض لأن المراد بالسماوات والأرض مجموع العالم المشهود وهو عرش ملكه تعالى الذي استوى عليه وحكم فيه ودبر أمره. ولا يخلو من إشارة إلى حجة على الوحدانية إذ لما كان الخلق مختصا به تعالى حتى باعتراف الخصم وهومن شئون عرش ملكه، والتدبير من الخلق والإيجاد فإنه إيجاد النظام الجاري بين المخلوقات فالتدبير أيضا من شئون عرشه فربوبيته للعرش ربوبية لجميع السماوات والأرض.

عن التفسير الوسيط للدكتور محمد سيد طنطاوي: قوله تعالى “عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ” (التكوير 20) أى: أن من صفات جبريل عليه السلام أنه ذو مكانة رفيعة، ومنزلة عظيمة عند الله تعالى. قوله تعالى “فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ” (المؤمنون 116) أى: فتعاظم وتقدس عن كل ما لا يليق بجلاله وكماله، الله الملك الحق، فهو عز وجل منزه عن أن يخلق الناس بدون حكمة أو غرض صحيح. “لا إِلهَ إِلَّا هُوَ” فإن كل ما عداه مخلوق له، وهو سبحانه “رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ” (المؤمنون 116). قوله سبحانه “الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ” (غافر 7) والمراد بالذين يحملون العرش: عدد من الملائكة المقربين إلى الله تعالى ولا يعلم عددهم أحد سوى الله تعالى لأنه لم يرد نص صحيح في تحديد عددهم. والمراد بمن حوله: عدد آخر من الملائكة يطوفون بالعرش مهللين مسبحين مكبرين لله تعالى كما قال تعالى: “وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ” (الزمر 75) وعرش الله تعالى كما قال الراغب مما لا يعلمه البشر إلا بالاسم، فعلينا أن نؤمن بان لله تعالى عرشا عظيما، أما كيفيته وهيئته فنفوض معرفتها إلى الخالق عز وجل. وقد ذكر هذا اللفظ في القرآن الكريم في إحدى وعشرين آية. والاسم الموصول في قوله تعالى: “الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ” (غافر 7) مبتدأ. وخبره قوله: “يُسَبِّحُونَ” والجملة الكريمة مستأنفة ومسوقة لتسلية النبي صلّى الله عليه وسلم ببيان أن هؤلاء الملائكة الذين هم أقرب الملائكة إلى الله تعالى يضمون إلى تسبيحهم لذاته سبحانه، الاستغفار للمؤمنين، والدعاء لهم. وقد ذكر كثير من المفسرين كلاما طويلا في صفة هؤلاء الملائكة وفي صفة العرش. رأينا أن نضرب عنه صفحا لضعفه وقلة فائدته. أى: الملائكة الكرام المقربون إلينا، والحاملون لعرشنا، والحافون به، من صفاتهم أنهم “يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ” أى: ينزهون الله تعالى عن كل نقص، يلهجون بحمده وبالثناء عليه بما يليق به. “وَيُؤْمِنُونَ بِهِ” تعالى إيمانا تاما لا يشوبه ما يتنافى مع هذا الإيمان والإذعان لله الواحد القهار. قال صاحب الكشاف: فإن قلت: ما فائدة قوله تعالى: “وَيُؤْمِنُونَ بِهِ” ولا يخفى أن حملة العرش ومن حوله مؤمنون؟. قلت: فائدته إظهار شرف الإيمان وفضله، والترغيب فيه، كما وصف الأنبياء في غير موضع من كتابه بالصلاح كذلك، كما عقب أعمال الخير بقوله تعالى: “ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا” (البلد 17) فأبان بذلك فضل الإيمان. ويستغفرون للذين آمنوا، أى: أنهم بجانب تسبيحهم وحمدهم لربهم، وإيمانهم به، يتضرعون إليه سبحانه أن يغفر للذين آمنوا ذنوبهم. وفي هذا الاستغفار منهم للمؤمنين، إشعار بمحبتهم لهم، وعنايتهم بشأنهم، لأنهم مثلهم في الإيمان بوحدانية الله تعالى وفي وجوب إخلاص العبادة والطاعة له. ثم حكى سبحانه كيفية استغفارهم للمؤمنين فقال: “رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً” (غافر 7). والجملة الكريمة على تقدير قول محذوف، وهذا القول في محل نصب على الحال من فاعل “يَسْتَغْفِرُونَ”وقوله “رَحْمَةً وَعِلْماً” منصوبان على التمييز. أى: أنهم يستغفرون للذين آمنوا، حالة كونهم قائلين: يا ربنا يا من وسعت رحمتك ووسع علمك كل شيء، تقبل دعاءنا.

تكملة للحلقات السابقة جاء في كتاب مفاهيم القرآن للشيخ جعفر السبحاني: 5 ـ إنّ العرش حقيقة من الحقائق العينيّة وهو المقام الذي يجتمع فيه جميع أزمّة الاُمور وبعبارة اُخرى هو المقام الذي يبتدأ منه وتنتهي إليه أزمّة الأوامر والأحكام الصادرة من الملك، وهو في ذلك وإن كان موجوداً مادّيّاً إلاَّ أنّ المحكمات من الايات مثل قوله “لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ” (الشورى 11). وقوله “سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ” (الصافات 159) تدلّ على انتفاء الجسم وانّه ليس من خواصّه تعالى فينفي من العرش الذي وصفه لنفسه كونه سريراً مؤلّفاً من مادّة معيّنة، ويبقى أصل المعنى وهو أنّه المقام الذي يصدر عنه الأحكام الجارية في نظام الكون هو من مراتب العلم الخارج عن الذات، والمقياس في معرفة ما عبّرنا عنه بأصل المعنى أنّه المعنى الذي يبقى ببقائه الاسم، وبعبارة اُخرى يدور مداره صدق الاسم وإن تغيّرت المصاديق واختلفت الخصوصيّات. وعلى ضوء هذا ينفى عن العرش ما يلازم المادّيّة من كونها من خشب أو معدن أو على صورة خاصّة، ويبقى ما لا يلازم ذلك كوجود مقام تنتهي إليه أزمّة الاُمور ومنه تصدر الأحكام. ولو صحّت تلك النظرية لكان العرش بعض الخلق لا كلّه ويكون وجوداً مجرّداً لا مادّيّاً حتى يناسب كونه مركزاً لصدور الأحكام ومرجعاً لانتهاء الاُمور إليه. ومثل ذلك يعدّ من مراتب علمه الفعلي لا الذاتي، فإنّ لعلمه الفعلي مراتب ودرجات، ويؤيد هذا التفسير بعض الروايات التي تفسّر العرش بالعلم. روى عبد الله بن سنان عن الصادق عليه‌ السلام في تفسير قول الله عز وجل “وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ” (البقرة 255). قال عليه ‌السلام: السموات والأرض وما بينهما في الكرسي، والعرش: هو العلم الذي لا يقدر أحد به قدره. روى الكليني بسند صحيح عن صفوان بن يحيى، قال: سألني أبو قرّة المحدّث أن أدخله على أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليهما ‌السلام، فاستأذنته فأذن بي، فدخل فسأله عن الحلال والحرام، ثمّ قال له: أفتقرّ أنّ الله محمول؟، فقال أبو الحسن: كل محمول مضاف إلى غيره محتاج، والمحمول اسم نقص في اللفظ، والحامل فاعل وهو في اللفظ، مدح ولم يسمع أحد آمن بالله وعظمته قطّ قال في دعائه يا محمول. قال أبو قرّة: “وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ” (الحاقة 17) وقال “الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ” (غافر 7) فقال أبو الحسن عليه‌السلام: العرش ليس هو الله والعرش اسم علم وقدرة، والعرش كل شيء، وعرش فيه كل شيء، ثمّ أضاف الحمل إلى غيره، خلق من خلقه لأنّه استعبد خلقه بحمل عرشه وهم حملة علمه، وخلقاً يسبّحون حول عرشه وهم يعملون بعلمه، وملائكة يكتبون أعم العباده. ويؤيّد ذلك ما ذكره أمير المؤمنين عليه‌ السلام في جواب الجاثليق: فكل شيء محمول والله تبارك وتعالى الممسك لهما أن تزولا والمحيط بهما من شيء وهو حياة كل شيء، ونور كل شيء سبحانه وتعالى عمّا يقول الظالمون علوّاً كبيراً. وروى سنان بن سدير عن الصادق عليه‌ السلام: إنّ الكرسي هو الباب الظاهر من الغيب الذي منه مطلع البدع ومنها الأشياء كلّها، والعرش هو الباب الباطن الذي يوجد فيه علم الكيف والكون والقدر والحدّ والعلم والمشيئة فهما في العلم بابان مقرونان.

عن مركز الأبحاث العقائدية: السؤال: في رواية عن الإمام علي عليه السلام: محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان علي عليه السلام يقوم في المطر أول ما يمطر حتى يبتل رأسه ولحيته وثيابه، فقيل له: يا أمير المؤمنين الكن الكن، فيقول: إن هذا ماء قريب العهد بالعرش ثم أنشأ يحدث فقال: إن تحت العرش بحرا فيه ماء ينبت أرزاق الحيوانات، فإذا أراد الله أن ينبت به ما يشاء رحمة منه لهم أوحى الله إليه فمطر ما شاء من سماء إلى سماء حتى يصير إلى سماء الدنيا فيلقيه إلى السحاب الحديث. ورواه الصدوق في (العلل) عن أبيه، عن عبد الله بن جعفر الحميري، عن هارون بن مسلم من الثابت علميا أن المطر يحدث في طبقات جو الأرض، وفي هذه الرواية أن المطر ينزل من تحت العرش. فكيف نوفق بين العلم والدين؟ حيث أن العرش هنا بعيد جدا في السماوات العلا، ولم يثبت العلم وجود المطر أو الماء خارج الغلاف الجوي. وإذا كان العرش بمعنى الملك، فماذا تعني الرواية؟ الجواب: العرش هنا إما كناية عن العلم والقدرة أو عن محدب محدد الجهات وهو الفلك المحيط بعالم الملك، وهو الأنسب هنا ويفهم منه استحباب التبرك بالمطر في أول أوان هطوله. وتوجيه الخبر (على فرض التسليم بصحته) هو أن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام كان بصدد صرف أذهان الناس عن السبب الطبيعي لسقوط المطر وتوجيهها نحو السبب الالهي، فكأنه يريد لفت انتباههم إلى مراحل تكون الماء عن أسبابه القصوى وكونه أصلا للحياة على الارض، وأن حياة كل كائن حي مترتبة على وجود هذه النعمة الالهية المغفول عنها إذ الحياة في حقيقة أمرها عبارة عن الروح التي تحل في الأبدان ولكنها لا تستقر في بدن حي إلا بالماء، وهذه الروح كما ورد ذكرها في القرآن “قل الروح من أمر ربي” (الاسراء 85) مصدرها هو عالم الأمر وهو عالم علوي فوق عالم الملكوت، والقرب المعنوي والرتبي لذلك العالم من الله عز وجل وسببيته للحياة الأرضية وافتقاره مع ذلك لحامل وقابل خاص، ناسب أن يرتبط بذلك الجوهر الشريف والعنصر العلوي النفيس الذي يصدر من تحت العرش وهو أقصى مدى تبلغه الاجسام في عالم الملك، وهذه المعاني كانت غائبة عن اذهان أولئك الناس الذين لا يتوجهون في الغالب إلا إلى السبب الطبيعي المنظور لحصول المطر وهو صورة هطوله من السحاب. فالإمام أمير المؤمنين عليه السلام لم يكن إذن بصدد ذكر ماهية الماء ولا حقيقة تركيبه ولا كيفية نزوله من السماء كما يراه كل أحد، حتى يكون كلامه معارضا للعلم الحديث بخصوص كيفية حصول المطر، ولكنه صلوات الله عليه كان بصدد ذكر معنى أكثر عمقا لا يفطن له أكثر الناس يتعلق بأصل الحياة وترتبها على وجود الماء وشرفية هذا العنصر الذي لولاه لم يوجد الإنسان ولم توجد سائر الكائنات الحية التي جعلها الله أرزاقا للانسان كالنباتات و البهائم والدواجن ومشتقاتها التي هي مصادر رزق الانسان وديمومة حياته الارضية.

اترك تعليقاً