أخبار عاجلة
الرئيسية / مقالات / المفهوم القرآني للمودة (ح 3)

المفهوم القرآني للمودة (ح 3)

فيينا / الثلاثاء 13. 08 . 2024

وكالة السيمر الاخبارية

د. فاضل حسن شريف
التفسير الوسيط للدكتور محمد سيد طنطاوي: قوله عز وجل “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” ﴿الروم 21﴾ “وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً” أى: ومن آياته الدالة على رحمته بكم، أنه سبحانه خلق لكم مِنْ أَنْفُسِكُمْ أى: من جنسكم في البشرية والإنسانية أزواجا. قال الآلوسى: قوله: مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً فإن خلق أصل أزواجكم حواء من ضلع آدم عليه السلام متضمن لخلقهن من أنفسكم (فمن) للتبعيض والأنفس بمعناها الحقيقي، ويجوز أن تكون (من) ابتدائية، والأنفس مجاز عن الجنس، أى: خلق لكم من جنسكم لا من جنس آخر، قيل: وهو الأوفق لما بعد. وقوله سبحانه: “لِتَسْكُنُوا إِلَيْها” بيان لعلة خلقهم على هذه الطريقة. أى: خلق لكم من جنسكم أزواجا، لتسكنوا إليها، ويميل بعضكم إلى بعض، فإن الجنس إلى الجنس أميل، والنوع إلى النوع أكثر ائتلافا وانسجاما “وَجَعَلَ سبحانه بَيْنَكُمْ” يا معشر الأزواج والزوجات “مَوَدَّةً وَرَحْمَةً” أى: محبة ورأفة، لم تكن بينكم قبل ذلك، وإنما حدثت عن طريق الزواج الذي شرعه سبحانه بين الرجال والنساء، والذي وصفه تعالى بهذا الوصف الدقيق، في قوله عز وجل: “هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ”. إِنَّ فِي ذلِكَ الذي ذكرناه لكم قبل ذلك لَآياتٍ عظيمة تهدى إلى الرشد وإلى الاعتبار “لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” في مظاهر قدرة الله تعالى ورحمته بخلقه.
وعن  تفسير الميسر: قوله سبحانه “عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً ۚ وَاللَّهُ قَدِيرٌ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ” ﴿الممتحنة 7﴾ مودة اسم، عسى الله أن يجعل بينكم أيها المؤمنون وبين الذين عاديتموهم من أقاربكم من المشركين محبة بعد البغضاء، وألفة بعد الشحناء بانشراح صدورهم للإسلام، والله قدير على كل شيء، والله غفور لعباده، رحيم بهم. قوله عز شأنه “ذَٰلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ۗ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ۗ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ” ﴿الشورى 23﴾ الْمَوَدَّةَ: الْ اداة تعريف، مَوَدَّةَ اسم. ِلَّا المَوَدَّةَ في القُرْبى: إلا أن تحفظوني في قربتي و لا تكذبوني. ذلك الذي أخبرتكم به أيها الناس من النعيم والكرامة في الآخرة هو البشرى التي يبشر الله بها عباده الذين آمنوا به في الدنيا وأطاعوه. قل أيها الرسول للذين يشكون في الساعة من مشركي قومك: لا أسألكم على ما أدعوكم إليه من الحق الذي جئتكم به عوضًا من أموالكم، إلا أن تَوَدُّوني في قرابتي منكم، وتَصِلوا الرحم التي بيني وبينكم. ومن يكتسب حسنة نضاعفها له بعشر فصاعدًا. إن الله غفور لذنوب عباده، شكور لحسناتهم وطاعتهم إياه.
وعن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله عز شأنه “ذَٰلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ۗ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ۗ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ” ﴿الشورى 23﴾ الذي يفيده سياق الآية أن الذي يندب إليه الإسلام هو الحب في الله من غير أن يكون للقرابة خصوصية في ذلك، نعم هناك اهتمام شديد بأمر القرابة والرحم لكنه بعنوان صلة الرحم وإيتاء المال، على حبه ذوي القربى لا بعنوان مودة القربى فلا حب إلا لله عز اسمه. ولا مساغ للقول بأن المودة في القربى في الآية كناية عن صلتهم والإحسان إليهم بإيتاء المال إذ ليس في الكلام ما يدفع كون المراد هو المعنى الحقيقي غير الملائم لما ندب إليه الإسلام من الحب في الله. وقيل: معنى القربى هو التقرب إلى الله، والمودة في القربى هي التودد إليه تعالى بالطاعة والتقرب فالمعنى: لا أسألكم عليه أجرا إلا أن توددوا إليه تعالى بالتقرب إليه. وفيه أن في قوله: “إلا المودة في القربى” على هذا المعنى إبهاما لا يصلح به أن يخاطب به المشركون فإن حاق مدلوله التودد إليه أووده تعالى بالتقرب إليه والمشركون لا ينكرون ذلك بل يرون ما هم عليه من عبادة الآلهة توددا إليه بالتقرب منه فهم القائلون على ما يحكيه القرآن عنهم: “مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى” (الزمر 3)، “هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّه” (يونس 18). فسؤال التودد إلى الله بالتقرب إليه من غير تقييده بكونه بعبادته وحده، وجعل ذلك أجرا مطلوبا ممن يرى شركة نوع تودد إلى الله بالتقرب إليه، وخطابهم بذلك على ما فيه من الإبهام والمقام مقام تمحيضه صلى الله عليه واله وسلم نفسه في دعوتهم إلى دين التوحيد لا يسألهم لنفسه شيئا قط مما لا يرتضيه الذوق السليم. على أن المستعمل في الآية هو المودة دون التودد فالمراد بالمودة حبهم لله في التقرب إليه ولم يرد في كلامه تعالى إطلاق المودة على حب العباد لله سبحانه وإن ورد العكس كما في قوله: “إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ” (هود 90)، وقوله: ” وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ” (البروج 14)، ولعل ذلك لما في لفظ المودة من الإشعار بمراعاة حال المودود وتعاهده وتفقده، حتى قال بعضهم على ما حكاه الراغب أن مودة الله لعباده مراعاته لهم. و الإشكال السابق على حاله ولو فسرت المودة في القربى بموادة الناس بعضهم بعضا ومحابتهم في التقرب إلى الله بأن تكون القربات أسبابا للمودة والحب فيما بينهم فإن للمشركين ما يماثل ذلك فيما بينهم على ما يعتقدون. وقيل: المراد بالمودة في القربى، مودة قرابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهم عترته من أهل بيته عليهم السلام وقد وردت به روايات من طرق أهل السنة وتكاثرت الأخبار من طرق الشيعة على تفسير الآية بمودتهم وموالاتهم، ويؤيده الأخبار المتواترة من طرق الفريقين على وجوب موالاة أهل البيت عليهم السلام ومحبتهم. ثم التأمل الكافي في الروايات المتواترة الواردة من طرق الفريقين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم المتضمنة لإرجاع الناس في فهم كتاب الله بما فيه من أصول معارف الدين وفروعها وبيان حقائقه إلى أهل البيت عليهم السلام كحديث الثقلين وحديث السفينة وغيرهما لا يدع ريبا في أن إيجاب مودتهم وجعلها أجرا للرسالة إنما كان ذريعة إلى إرجاع الناس إليهم فيما كان لهم من المرجعية العلمية.
وعن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي:قوله عز وجل “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” ﴿الروم 21﴾ أي من جنسكم والغاية هي السكينة الروحية والهدوء النفسي وحيث أن استمرار العلاقة بين الزوجين خاصة، وبين جميع الناس عامة، يحتاج إلى جذب قلبي وروحاني، فإنّ الآية تعقب على ذلك مضيفةً “وجعل بينكم مودةً ورحمة”. ولمزيد التأكيد تُختتم الآية بالقول: “إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكرون”. الطريف هنا أن القرآن في هذه الآية جعل الهدف من الزواج الإطمئنان والسكن، وأبان مسائل كثيرة في تعبير غزير المعنى (لتسكنوا) كما ورد نظير هذا التعبير في سورة الأعراف الآية 189. والحقّ أن وجود الأزواج مع هذه الخصائص للناس التي تعتبر أساس الإطمئنان في الحياة، هو أحد مواهب الله العظيمة. وهذا السكن أو الإطمئنان ينشأ من أن هذين الجنسين يكمل بعضهما بعضاً، وكل منهما أساس النشاط والنماء لصاحبه، بحيث يعد كل منهما ناقصاً بغير صاحبه، فمن الطبيعي أن تكون بين الزوجين مثل هذه الجاذبيّة القوية. ومن هنا يمكن الإستنتاج بأنّ الذين يهملون هذه السنة الإلهية وجودهم ناقص، لأنّ مرحلة تكاملية منهم متوقفة، “إلاّ أن توجب الظروف الخاصة والضرورة في بقائهم عزّاباً”. وعلى كل حال، فإنّ هذا الإطمئنان أو السكن يكون من عدّة جهات (جسمياً وروحيّاً وفردياً واجتماعيّاً). ولا يمكن إنكار الأمراض التي تصيب الجسم في حالة عدم الزواج، وكذلك عدم التعادل الروحي والاضطراب النفسي عند غير المتزوجين. ثمّ أنّ الأفراد العزّاب لا يحسّوون بالمسؤولية من الناحية الإجتماعية كثيراً. ولذلك فإن الإنتحار تزداد بين أمثال هؤلاء أكثر.. كما تصدر منهم جرائم مهولة أكثر من سواهم أيضاً. وحين يخطو الإنسان من مرحلة العزوبة إلى مرحلة الحياة الأُسرية يجد في نفسه شخصية جديدة، ويحس بالمسؤولية أكثر، وهذا السكن والاطمئنان في ظل الزواج. وأمّا مسألة (المودة والرحمة) فهما في الحقيقة (ملاط) البناء في المجتمع الإنساني، لأنّ المجتمع يتكون من افراد متفرقين كما أن البناء العظيم يتألف من عدد من الطابوق و(الآجر) أو الأحجار. فلو أن هؤلاء الأفراد المتفرقين اجتمعوا، أو أن تلك الأجزاء المتناثرة وصلت بعضها ببعض، لنشأ من ذلك المجتمع أو البناء حينئذ. فالذي خلق الإنسان للحياة الإجتماعية جعل في قلبه وروحه هذه الرابطة الضرورية.
جاء عن مركز الاشعاع الاسلامي للدراسات والبحوث عن فلسفة العيد للشيخ عبد الله اليوسف: التزاور والتواصل: يقول الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلّم: (الزيارة تنبت المودة) وقال صلى الله عليه وآله وسلّم أيضاً: (الزائر أخاه المسلم أعظم أجراً من المزور) وقال الإمام علي عليه السلام: (زوروا في الله، وجالسوا في الله، وأعطوا في الله، وامنعوا في الله، زايلوا أعداء الله، وواصلوا أولياء الله). فالتزاور بين الناس بالإضافة إلى استحبابه ينبت المودة بينهم، ويعزز من المحبة فيما بينهم، ويذيب أي خلافات أو خصومات قد تحصل بمرور الأيام.
جاء في کتاب الإمام الحسن السّبط عليه السلام سيرة وتاريخ للسيد سعيد كاظم العذاري: أخرج الحاكم عن الإمام علي بن الحسين عليهما‌ السلام، قال: (خطب الحسن بن علي عليهما‌ السلام حين قتل عليّ فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: لقد قبض في هذه الليلة رجل لا يسبقه الأولون بعمل ولا يدركه الآخرون، وقد كان رسول الله صلى‌ الله‌ عليه ‌وآله يعطيه رأيته فيقاتل وجبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره فما يرجع حتى يفتح الله عليه وما ترك على أهل الأرض صفراء ولا بيضاء إلاّ سبع مائة درهم فضلت من عطاياه أراد أن يبتاع بها خادمة لأهله. ثم قال: أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن علي وأنا ابن النبي وأنا ابن الوصي وأنا ابن البشير وأنا ابن النذير وأنا ابن الداعي إلى الله بإذنه وأنا ابن السراج المنير وأنا من أهل البيت الذي كان جبرائيل ينزل إلينا ويصعد من عندنا، وأنا من أهل البيت الذي أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وأنا من أهل البيت الذي افترض الله مودتهم على كل مسلم، فقال تبارك وتعالى لنبيّه: “قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا” (الشورى 23) فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت).  

اترك تعليقاً