فيينا / الجمعة 13 . 12 . 2024
وكالة السيمر الاخبارية
د. فاضل حسن شريف
عن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله سبحانه: “وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَآ اوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِن جَآءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِاعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ” (العنكبوت 10) لما ذكر سبحانه خيار المؤمنين عقبه بذكر ضعفائهم وقيل بل عقبه بذكر المنافقين فقال “ومن الناس من يقول آمنا بالله” بلسانه “فإذا أوذي في الله” أي في دين الله أوفي ذات الله “جعل فتنة الناس كعذاب الله” والمعنى فإذا أوذي بسبب دين الله رجع عن الدين مخافة عذاب الناس كما ينبغي للكافر أن يترك دينه مخافة عذاب الله فيسوي بين عذاب فإن منقطع وبين عذاب دائم غير منقطع أبدا لقلة تمييزه وسمي أذية الناس فتنة لما في احتمالها من المشقة “ولئن جاء نصر من ربك” يا محمد أي ولئن جاء نصر من الله للمؤمنين ودولة لأولياء الله على الكافرين “ليقولن إنا كنا معكم” أي ليقولن هؤلاء المنافقون للمؤمنين إنا كنا معكم على عدوكم طمعا في الغنيمة ثم كذبهم الله فقال “أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين” من الإيمان والنفاق فلا يخفى عليه كذبهم فيما قالوا.
وعن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله سبحانه: “وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَآ اوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِن جَآءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِاعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ” (العنكبوت 10) لما كان إيمان هؤلاء مقيدا بالعافية والسلامة مغيى بالإيذاء والابتلاء لم يعده إيمانا بقول مطلق ولم يقل: ومن الناس من يؤمن بالله بل قال: “ومن الناس من يقول آمنا بالله” فالآية بوجه نظيرة قوله: “وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ ” [الحج 11]. وقوله: “فإذا أوذي في الله” أي أوذي لأجل الإيمان بالله بناء على أن في للسببية كما قيل وفيه عناية كلامية لطيفة بجعله تعالى – أي جعل الإيمان بالله – ظرفا للإيذاء ولمن يقع عليه الإيذاء ليفيد أن الإيذاء منتسب إليه تعالى انتساب المظروف إلى ظرفه وينطبق على معنى السببية والغرضية ونظيره قوله: “يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ ” [الزمر 56]، وقوله: “وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا” [العنكبوت 69]. وقيل: معنى الإيذاء في الله هو الإيذاء في سبيل الله وكأنه مبني على تقدير مضاف محذوف. وفيه أن العناية الكلامية مختلفة فالإيذاء في الله ما كان السبب فيه محض الإيمان بالله وهو قولهم: ربنا الله، والإيذاء في سبيل الله ما كان سببه سلوك السبيل التي هي الدين قال تعالى: ” فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي” [آل عمران 195] ومن الشاهد على تغاير الاعتبارين قوله في آخر السورة: “والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا” حيث جعل الجهاد في الله طريقا إلى الاهتداء إلى سبله ولوكانا بمعنى واحد لم يصح ذلك. وقوله: “جعل فتنة الناس كعذاب الله” أي نزل العذاب والإيذاء الذي يصيبه من الناس في وجوب التحرز منه منزلة عذاب الله الذي يجب أن يتحرز منه فرجع عن الإيمان إلى الشرك خوفا وجزعا من فتنتهم مع أن عذابهم يسير منقطع الآخر بنجاة أو موت ولا يقاس ذلك بعذاب الله العظيم المؤبد الذي يستتبع الهلاك الدائم. وقوله: “ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم” أي لئن أتاكم من قبله تعالى ما فيه فرج ويسر لكم من بعد ما أنتم فيه من الشدة والعسرة من قبل أعداء الله ليقولن هؤلاء إنا كنا معكم فلنا منه نصيب. و”ليقولن” بضم اللام صيغة جمع، والضمير راجع إلى “من” باعتبار المعنى كما أن ضمائر الإفراد الأخر راجعة إليها باعتبار اللفظ. وقوله: “أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين” استفهام إنكاري فيه رد دعواهم أنهم مؤمنون بأن الله أعلم بما في الصدور ولا تنطوي قلوب هؤلاء على إيمان. والمراد بالعالمين الجماعات من الإنسان أو الجماعات المختلفة من أولي العقل إنسانا كان أو غيره كالجن والملك، ولوكان المراد به جميع المخلوقات من ذوي الشعور وغيرهم كان المراد بالصدور البواطن وهو بعيد.
عن مركز البيان للدراسات والتخطيط للكاتبة ضحى مهند علي: هل هناك إمكانية تكرار سيناريو 2014 في العراق؟: توصلنا فيما سبق إلى أن تنظيم (داعش) ما يزال موجوداً على الأرض العراقية، ويعمل على تسويق نفسه، ويمتلك البيئة التي تؤهله للتحرك، وعلى الرغم من ذلك إلاّ أن هذا لا يعني تمتع هذا التنظيم بالقدرة التي كان عليها في 2014. إن اوضاع الموصل كانت مختلفة جداً عندما تم احتلالها من قبل (داعش) إذ إن الظروف كانت مهيئة آنذاك لسقوط المدينة، فحالة الذعر الناتجة عن احتلال (داعش) لهذه المدينة لم يؤدِ إلا لانهيار حوالي ربع القوة الأمنية المتبقية في الموصل إذ كان هناك ما يقارب 100 لواء يدار من قبل القوات الأمنية المتمثلة بالجيش العراقي، والشرطة الاتحادية، وقوات الحدود، والقوات الخاصة، ويعمل كل لواء في كثير من الأحيان مع ما يصل إلى 2000 جندي بسبب الغياب؛ مما يؤكد أن انهيار القوات الأمنية آنذاك كان يعود لعوامل داخلية تعود لسنواتٍ سابقة، ويدعم ذلك التقرير الصادر عن لجنة الأمن والدفاع البرلمانية إذ يذكر أن التاريخ الحقيقي لبداية التدهور الأمني في نينوى بدأ منذ انطلاق تظاهرات كانون الأول سنة 2012 التي استغلتها بعض الجهات لتحقيق اغراضها وبث الفوضى، ومن الصعوبة عودة العراق إلى سيناريو 2014؛ نتيجة للعديد من الأسباب نذكرها في الآتي: إن تنظيم (داعش) قد عرف من هو العراق، ومن هم العراقيون، فلا يمكن نسيان التضحيات المتمثلة بفتوى الجهاد الكفائي، إذ هبَّ العراقيون من كل المحافظات العراقية لتنظيم صفوفهم دفاعاً عن الوطن، فضلاً عن أن الكثير من المواطنين جربوا من هم (داعش)، وقد كان المواطن جزءاً من العمليات القتالية ولاسيما في المناطق التي اُحتلت فقد كان متفاعلاً مع القوات الأمنية؛ مما يتوضح حجم الثقة بالمؤسسة العسكرية من قبل المواطنين بعد 2014. ما بقي من (داعش) هم خلايا نائمة، وتعمل القوات المسلحة العراقية، والحشد الشعبي بالانتشار في اماكن تواجد هذه الخلايا ومحاصرتهم، فضلاً عن أن قيادة العمليات المشتركة مستمرة في مكافحة خلايا (داعش) في أماكن نشاطها ولاسيما في نينوى، وكركوك، وصلاح الدين، وبعض أطراف بغداد، وصحراء الأنبار. استمرار نشاط عناصر (داعش) يعتمد على التمويل، وإن هذا التنظيم لم تعد لديه القدرة المالية، والعسكرية “الكافية” لاحتلال أي محافظة عراقية كما حصل في سيناريو 2014، نظراً لانخفاض مصادر التمويل لهذا التنظيم. بقي أن نقول إن تكرار الخروقات الأمنية من قبل (داعش) في العراق ينذر بالخطر، ومن الضروري عدم الاستخفاف به، ولاسيما أن تنظيم (داعش) يعتمد على حرب العصابات التي تمتاز باختيار الزمان والمكان في معاركها؛ مما يسبب خسائر كبيرة، لذا لا بد من ضبط الحدود مع دول الجوار ولاسيما الحدود العراقية-السورية، والإنهاء الكلي لوجود الخلايا النائمة فيها، والحواضن، والمخازن، والملاجئ، وتعزيزها بعمليات التحصين، وعمليات الرصد، وعمليات المعالجة، فضلاً عن تعزيزها بقوات تستطيع أن تهاجم وتتحرك على أيّ خرق يحدث، والعمل على تعزيز الجهد الاستخباري، فتنظيم (داعش) ما يزال يُعدُّ من المهددات الأساسية للأمن والسلم في العراق، وإن الثغرات الأمنية تسمح بظهور تنظيم إرهابي جديد في المستقبل يحمل أفكار (داعش) نفسها تنصهر فيه الجماعات الإرهابية التي تتخذ من الحدود العراقية السورية مأوى لها بعد أن ذابت ورقة (داعش)،؛ لذا فإن الانتصار العسكري لا يعني النهاية بل الأمر يحتاج للمزيد من تضافر الجهود ووضع الإشارات بنحو دقيق على مواطن الخلل وتصحيحها.
وفق حرية الرأي والنشر يتم نشر هذه المادة والجريدة غير مسؤولة عما ينشر فيها من مواد واخبار ومقالات