فيينا / الثلاثاء 07 . 01 . 2024
وكالة السيمر الاخبارية
د. فاضل حسن شريف
جاء في كتاب الأديان والمذاهب من مناهج جامعة المدينة العالمية: يستطرد الكتاب مبينا مصادر دراسة الدين المصري: ولقد ورد في القرآن الكريم ما يفيد أن يوسف عليه السلام وهو نبي كريم من أنبياء الله دعاهم إلى عبادة الواحد القهار، فلقد ورد في سورة “يوسف” ما حكاه الله تعالى من كلامه لصاحبي السجن، فقد قال حاكيًا عنه: “إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ * وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ * يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ” (يوسف 37 -40). من هذا الخبر الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، نحكم مستيقنين أن دعوة إلى التوحيد قد وردت للمصريين، فهذا يوسف عليه السلام وهو في السجن يدعو صاحبيه إلى الدين القيم، وهجر عبادة ما سموه آلهة، ولقد مكن الله ليوسف في أرض مصر، واستولى على خزائن الدولة وصار ذا سلطان مبين فيها، وهو رسول من رب العالمين، فلا بد أن يكون قد دعاهم جهرة إلى الدين القيم، ولا بد أن يكون قد أجابه منهم أناس ونكص عن الإجابة غيرهم.
وعن الديانات القديمة: التسليم بالحقيقة الربانية التي ذكرها الله تعالى في القرآن الكريم، حيث أخبرنا بإرسال رسول لكل أمة، يقول تعالى: “وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ” (النحل 36) الآية. والهند أمة عريقة في الحضارة والتاريخ والفكر، فلا بد إذًا من بَعْث رسول لها بدين الله الصحيح. يلاحظ أن الكتب الدينية الهندية في جملتها من وضع الكهنة والرهبان والحكماء، لِمَا فيها من اضطراب وتناقض، إنها مليئة بالأساطير والخرافات، ولا يمكن تصور وجود دعوة لعبادة البقر والصنم والأشخاص في كتاب ديني صحيح، وأن رجال الأديان الهندية يعنون بالوحي من حيث معناه اللغوي، وحينئذٍ فلا غرابةَ إن اختلف المصدر الموحَى به في تصوير المسألة الواحدة، ومن المعلوم أن الزمن فعل فعله مع أديان الهند كلها، فظهرت الفرق المتعددة، وتداخلت الاتجاهات المتباينة، وانتشرت الفكرة أحيانًا، بسبب تعصب الحاكم لها، وحدث تغيير وتبديل في كثير من التعاليم الدينية. وعلى الجملة: فإن الهندوسية تُسيطر -الآن- على الهند كلها، وترى أن البوذية في صورتها القديمة حركةً هندوسيةً، أما البوذية الحديثة فلها انتشارها في سيلان والصين، وفيتنام ومنغوليا، وسيام وبورما، وكمبوديا واليابان، إلى جانب العديد من البلاد الأخرى، أما الجينية فلها أتباع قليلون لا يزيد عددهم عن المليون، موزعين في عدد من البلدان، ويتعرض أتباع الأديان الهندية في العصر الحديث لحركات تبشيرية عديدة، وكذا لكي يتعرضون لدعاة الشيوعية. وهؤلاء وهؤلاء يصادفون نجاحًا بسبب الفراغ الموجود في الحياة الدينية عند هؤلاء الأتباع من الهنود.
وعن دين الصينيين: “الديانة الكنفشوسية”: إن الأديان السماوية لا تمنع وجود رسالات إلهية في الصين، فلقد أخبر الله تعالى أن الرسل ورسالاتهم لم يُذكروا جميعًا على وجه الحصر، فمنهم من ورد ذكره وجاءت قصته، منهم من سكت الله عنه ولم ينزل في شأنه قرآنًا هم الجم الغفير من رسل الله تعالى، وفي نفس الوقت وضع قاعدةً تقوم على العدل الإلهي المطلق، وهي أن الرسل جاءوا إلى جميع الأمم على وجه الحصر، لأن الإنسان بلا رسول لا يصل إلى الحق وحده، وما دام الإنسان مسئولًا ومحاسبًا بعد الموت ليعيش في النعيم المقيم أو الشقاء الدائم، ما دام الأمر كذلك، فإن العدل يقتضي إرسال الرسل إلى جميع البشر، وهذا ما أخبر الله عنه في القرآن الكريم، حيث قال سبحانه وتعالى: “وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا” (الإسراء 15) وقال: “وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا” (النحل 36).
وعن المانوية والمازدكية: هي من ديانات الفرس المعروفة أيضًا كما أشرنا، مما يؤكد على تطور العقيدة الزرادشتية على يد البشر، فواضح أن الديانة الزرادشتية كانت في أصلها ديانة توحيد منزهٍ خالص دُعي إليها في وقت كانت فيه المجوسية تقول بأصلين أو مبدأين أو خالقين، وكان الوثنيون يعبدون الكواكب والأصنام، ولا ريب أن للزرادشتية مرجعًا من الوحي: “وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ” (فاطر 24) فما يستطيع التطور الفكري أن يصل إلى التوحيد الحقيقي المنزه بدون معونة من الوحي أو اقتباس من ديانة موحى بها. وواضح أن ديانة إبراهيم قد سبقت الزرادشتية بحوالي عشرة قرون، فلا مانع من أن تكون الزرادشتية مقتبسة منها أو منقولة عنها.
وفي ختام هذه الحلقات تتضمن فقرات الكتاب: دراسة الأديان، معنى وعناصر ووحدة وضرورة وانحراف وفطرة الدين، الدين السماوي والوضعي، الملة والنحلة، الشريعة والمنهاج، موقف الإسلام من الأديان، العقيدة والذات الالهية، اليهودية، التوراة والتلمود، ايمان اليهود، نبوة والوهية عيسى، النصرانية أو المسيحية، الدين المصري والصيني والهندي والفارسي،الكنفشوسة والمانوية، والديانات القديمة. حلقات هذه السلسلة تنشر في مواقع مختلفة.
وفق حرية الرأي والنشر يتم نشر هذه المادة والجريدة غير مسؤولة عما ينشر فيها من مواد واخبار ومقالات