الرئيسية / مقالات / شركاء الوطن :بين الوحدة الوطنية والخيانة المُقنَّعة!

شركاء الوطن :بين الوحدة الوطنية والخيانة المُقنَّعة!

فيينا / الجمعة 21 . 02 . 2025

وكالة السيمر الاخبارية

عبدالرحيم الجرودي / المغرب

في خضم الصراعات السياسية والاجتماعية التي تعصف بعالمنا العربي، الذي أصبحت أهم سماته هيمنة القوى الخارجية عليه والمتمثلة في الإملاءات من خلال السفارات والمؤسسات المالية، لتمتد إلى أبشع صورها في التدخل المادي المباشر للاحتلال. في هذه الأجواء يطفو على السطح مصطلح “شركاء الوطن” ويفسح لنفسه هامشا مفاهيميا يكتسب من خلاله أبعادًا سياسية واجتماعية عميقة، تؤطر العلاقة بين المكونات المختلفة اثنيا، دينيا، أو حتى أيديولوجيا داخل الوطن الواحد، فبرز كواحد من أكثر المفاهيم هلامية، يُستخدم في التعبيرات السياسية، للإدانة تارة وتارة للتهديد والإقصاء، بحمولة من التناقضات العميقة بين المصلحة الوطنية والولاءات الخارجية. فمن هم يا ترى “شركاء الوطن”؟ وما هي جذور هذا المصطلح؟ وكيف يمكن لحركات المقاومة والممانعة أن تتعامل مع هذه الفئة في ظل بيئة سياسية مليئة بالتعقيدات؟

نشأ هذا المفهوم في سياقات مختلفة، منها مسارات الدول التي شهدت تنوعًا سكانيا كبيرا، حيث تم توظيفه كآلية لضمان الاستقرار وترسيخ التفاهم الوطني وتثبيت قواعد العيش المشترك والتضامن بين الأطياف المختلفة. لكنه ما لبث يتحول إلى غطاء لتيارات ذات ولاءات وأجندات خارجية، تعمل على التهميش والإقصاء لكل فعل تحرري مقاوم للقوى الاستعمارية والإمبريالية تحت ذريعة الحفاظ على الاستقرار وتحقيق المصالح الاقتصادية، خاصة في السياقات التي تخضع فيها الدول لاحتلال أو هيمنة خارجية مباشرة، فيكتسب المصطلح طابعا إشكاليا لإضفائه شرعية على فئات تتعاون مع المحتل وقوى الهيمنة مما يساهم في تعميق الانقسامات بدلاً من تعزيز الوحدة الوطنية. وخاصة إذا كان شريك الوطن إقصائيا وعميلا بامتياز.

في ظل جو مليء بالتعاطي مع قوى الهيمنة والاحتلال، تجد حركات المقاومة والممانعة نفسها أمام تحديات معقدة. فمن جهة، تحتاج إلى توحيد الجبهة الداخلية وعدم استعداء طوائف اجتماعية يمكن استقطابها، ومن جهة أخرى، يجب أن تميز بوضوح بين القوى التي يمكن الحوار معها وتلك التي تمثل امتدادًا مباشرا للمحتل وللمصالح الأجنبية. في هذا الإطار نطرح سؤالا مشروعا عن كيفية التعامل مع “شركاء الوطن”، هل يجب التساهل معهم تحت عنوان الوحدة الوطنية، أم أن المواجهة الراديكالية هي الحل الوحيد للحفاظ على المصلحة الوطنية؟

إن النهج الأمثل هو الجمع بين العمل المقاوم والتواصل الداخلي، بحيث يتم تعزيز الهوية الوطنية الجامعة، وفي الوقت ذاته فضح الأجندات التي تخدم قوى الاحتلال حتى لا يتحول مفهوم “شركاء الوطن” إلى أداة لتمييع القضايا الوطنية، وتبرير التعاون مع المحتل، ويخلق استقطابًا حادا داخل المجتمع، حيث تصنف القوى السياسية بين واقعية ترى في التعاون وسيلة لتحقيق مكاسب جزئية، ومقاومة تعتبره خيانة للمصلحة الوطنية الكبرى.

مع مرور الوقت، يمكن أن تتحول هذه الخلافات إلى نزاعات مفتوحة، كما حدث في عدة تجارب تاريخية. فالتساهل مع هذا الوضع يؤدي إلى تعزيز نفوذ تيار العمالة وتوسعه وتكريس التبعية، خاصة إذا كان إقصاء حركات الممانعة والمقاومة وتقليم أظافرها هو أحد أهم المهام المناطة به. وبالتالي فإن المواجهة الراديكالية قد تكون ضرورية في بعض الأحيان.

تاريخيًا، اتخذت العديد من حركات التحرر إجراءات صارمة ضد “شركاء الوطن” الذين تعاونوا مع القوى المحتلة، لأن التساهل معهم يؤدي إلى إطالة أمد المعاناة، بينما المواجهة الصارمة، وإن كانت مؤلمة قد تكون الطريق الوحيد لتحقيق التحرر الحقيقي. ففي كوبا على سبيل المثال، قامت الثورة الكوبية بقيادة فيدل كاسترو بتشكيل محاكم ثورية لمحاكمة المتعاونين مع نظام باتيستا المدعوم من الولايات المتحدة. هذه الإجراءات، وإن كانت قاسية، ساعدت في ترسيخ أسس الدولة الجديدة وإضعاف النفوذ الخارجي.

في لبنان، ونحن على أبواب تحول عظيم في المنطقة، ظهر مفهوم “شركاء الوطن” بشكل جلي خلال فترات الاحتلال الإسرائيلي والحرب الأهلية. فبموازاة تشكيل مقاومة وطنية وإسلامية تصدت للاحتلال الإسرائيلي، شكلت قوى سياسية أخرى تحالفات مع الخارج كوسيلة لضمان مصالحها. فكان أحد أفظع تجلياتها: الدعم الإسرائيلي المباشر خلال فترة احتلاله لجنوب لبنان، ميليشيات وأحزاب محلية، أدت الى تعميق الشرخ الطائفي والمذهبي، مما أثر بشكل مباشر على نسيج المجتمع اللبناني. في المقابل، استطاعت المقاومة بقيادة حزب الله فرض معادلة جديدة مؤسسة على موقف واضح من العملاء، نجحت من خلالها في إنهاء الاحتلال وتحقيق قدر من التوازن في المشهد الداخلي.

أما قضية العرب الأولى، فحركات المقاومة الفلسطينية وخيار المقاومة المسلحة، اعتبر سلطة أوسلو جزءا من النظام الذي يعزز سيطرة الاحتلال الإسرائيلي ويعمل على خدمته، خاصة من خلال التنسيق الأمني المستمر الذي يُستخدم لقمع أي تحرك مقاوم ضد الاحتلال. فقد تخلت سلطة أوسلو وعلى لسان عرابها ورئيس كيانها أبو مازن، عن دورها الوطني وأصبحت ترى أن المفاوضات والعمل السياسي هما الوسيلة الوحيدة الفاعلة لتحقيق السلام، مما أثر بشكل مباشر على حياة الفلسطينيين، حيث المعاناة والحصار والضغوط الاقتصادية والأمنية نتيجة التنسيق مع الاحتلال، بالإضافة  إلى التنازل عن الحقوق التاريخية والشرعية للشعب الفلسطيني. لقد ألغت سلطة أوسلو تاريخ الكفاح والمقاومة والموقف الواضح من الاحتلال الصهيوني، وأصبحت جزءًا من الحلول الدولية التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية بشكل مباشر.

إن تحقيق الوحدة الوطنية يستدعي من القوى الثورية إعادة النظر في استراتيجية العمل المشترك لتحقيق أهداف الشعب الفلسطيني، فلا تساهل مع موبقات سلطة أوسلو، بل يجب التعامل معها على أساس واضح يرفض التنازل عن الحقوق الوطنية ويؤكد على أهمية المقاومة بكافة أشكالها، مع تحديد موقف واضح وصريح من العمالة للصهيوني، واتخاذ الإجراءات الثورية في حق كل من يتعاطى مع المحتل بعيدا عن العواطف التافهة التي تنتهك الحقوق تحت أي عنوان كانت. فقط من خلال الوحدة الحقيقية، وتحديد المسؤوليات، والضرب بيد من حديد على ممتهني العمالة السياسية والأمنية، يمكن تحقيق الحرية والاستقلال للشعب الفلسطيني.

إن مفهوم “شركاء الوطن” يمكن اعتباره في الظروف العادية عنصرا حيويا في إدارة التنوع المجتمعي، لكنه في سياقات الاحتلال والهيمنة يتحول إلى مفهوم سام وقاتل ويتطلب توازناً دقيقاً بين تحقيق الوحدة الوطنية والدفاع عن المصلحة العامة. فعلى حركات التحرر أن تتعامل بحذر مع هذا المفهوم، بحيث تحافظ على استقلاليتها من جهة، وتضمن ألا يتحول إلى غطاء لتمرير مشاريع تخدم قوى الهيمنة من جهة أخرى وتتجنب الوقوع في فخ “الوحدة الوطنية” الزائفة التي تخدم مصالح القوى الخارجية، فمعيار الوطنية الحقيقي هو مدى الالتزام بمصلحة الشعب بكل طوائفه ومكوناته واستقلال قراراته واختياراته وليس شعارات تُستخدم لأغراض سياسية ظرفية.

إن التجارب التاريخية تُظهر أن التساهل في التعاطي مع مفهوم “شركاء الوطن” وتمييعه، قد يؤدي إلى تآكل الدولة الوطنية، بينما الحزم والوعي والحكمة، يمكن أن تكون وسيلة فعالة لحماية السيادة الوطنية وتعزيز الوحدة الشعبية وتحقيق الحرية والاستقلال الحقيقيين وان كان الثمن باهظا.

وفق حرية الرأي والنشر يتم نشر هذه المادة والجريدة غير مسؤولة عما ينشر فيها من مواد واخبار ومقالات

اترك تعليقاً