فيينا / الخميس 10 . 04 . 2025
وكالة السيمر الاخبارية
د. فاضل حسن شريف
في سلسلة المقالات هذه سيتم التطرق الى آيات قرآنية وردت في كتاب الفتاوى الواضحة للسيد محمد باقر الصدر قدس سره: العلماء في الشريعة، الدليل العقلي، العدالة، ولي غير بالغ، قدرة العبد، الماء، الجنب، صلاة الظهر، صلاة الجمعة، صلاة الآيات، صلاة العيدين، صلاة الوحشة، صلاة أول الشهر، صلاة الغفيلة، سور العزائم، فاتحة الكتاب، القراءة الصحيحة للصلاة، إخراج الحروف عند القراءة، الاستعاذة، أداء الصلاة، الصيام، العتق، الغلو، الارتباط بالله، مفهوم سبيل الله، القبلة، دور العبادات.
جاء في کتاب الفتاوى الواضحة للسيد محمد باقر الصدر: العتق: اتضح مما سبق ان العتق في بعض الكفارات (الكفارات المخيرة) واجب كواحد من ثلاثة أشياء يخير المكلف بينها وفي بعضها (الكفارات المرتبة) واجب بذاته ولا يجزي غيره الا حيث لا يتيسر، وفي بعضها (كفارة الجمع) واجب إضافة إلى غيره. وفي كل هذه الحالات يشترط ان يكون المعتق انسانا مسلما، وان يقصد المكفر بالعتق القربة إلى الله تعالى والتكفير عن ذنبه. والعتق مطلوب على أي حال، ويعتبر من أفضل الطاعات، قال الله، سبحانه وتعالى “فلا اقتحم العقبة *وما أدراك ما العقبة * فك رقبة * أو اطعام في يوم ذي مسغبة” (البلد 11-14) وهو عبادة لأن نية القربة شرط فيه ولا يصح بدونه. وفي حالة تعذر العتق إذا كان على الإنسان كفارة مخيرة فعليه أن يختار أحد بديله، وإذا كان على الإنسان كفارة مرتبة فعليه أن يختار الصيام، وإذا كان على الإنسان كفارة الجمع سقط العتق عنه وعوض عنه بالاستغفار وبقي عليه الباقي. ويعتبر العتق متعذرا إذا تحرر كل العبيد والإماء وتخلصوا من هذا الأسر، أو لم يجد المكفر قدرة على شراء من يعتقه، لعدم توفر المال لديه يزيد عن ضرورات حياته من سكن وثياب وأثاث ونحو ذلك.
وعن مشكلة الغلة يقول الشهيد السيد الصدر قدس سره في كتابه: مشكلة الغلو في الانتماء بتحويل النسبي إلى مطلق، وهي مشكلة تواجه الانسان باستمرار، إذ ينسج ولاءه لقضية لكي يمده هذا الولاء بالقدرة على الحركة ومواصلة السير، الا ان هذا الولاء يتجمد بالتدريج ويتجرد عن ظروفه النسبية التي كان صحيحا ضمنها، وينتزع الذهن البشري منه مطلقا لاحد له، ولاحد للاستجابة إلى مطالبه، وبالتعبير الديني يتحول إلى إله يعبد بدلا عن حاجة يستجاب لإشباعها. وحينما يتحول النسبي إلى مطلق إلى إله من هذا القبيل يصبح سببا في تطويق حركة الانسان، وتجميد قدراتها على التطور والابداع، وإقعاد الإنسان عن ممارسة دوره الطبيعي المفتوح في المسيرة: “لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا ” (الإسراء 22). وهذه حقيقة صادقة على كل الآلهة التي صنعها الإنسان عبر التاريخ، سواء كان قد صنعه في المرحلة الوثنية من العبادة، أو في المراحل التالية فمن القبيلة إلى العلم نجد سلسلة من الآلهة التي أعاقت الإنسان بتأليهها، والتعامل معها كمطلق عن التقدم الصالح. والإيمان بالله يعالج الجانب الإيجابي من المشكلة مشكلة الغلو في الانتماء، التي تفرض التحدد على الإنسان وتشكل عائقا عن اطراد مسيرته وذلك على الوجه التالي: أولا: أن هذا الجانب من المشكلة كان ينشأ من تحويل المحدود والنسبي إلى مطلق خلال عملية تصعيد ذهني، وتجريد للنسبي من ظروفه وحدوده واما المطلق الذي يقدمه الايمان بالله للانسان. فهو لم يكن من نسيج مرحلة من مراحل الذهن الانساني، ليصبح في مرحلة رشد ذهني جديد قيدا على الذهن الذي صنعه، ولم يكن وليد حاجة محدودة لفرد أو لفئة، ليتحول بانتصابه مطلقا إلى سلاح بيد الفرد أو الفئة لضمان استمرار مصالحها غير المشروعة. فالله سبحانه وتعالى مطلق لا حدود له، ويستوعب بصفاته الثبوتية كل المثل العليا للإنسان الخليفة على الأرض، من ادراك، وعلم، وقدرة وقوة، وعدل، وغنى، وهذا يعني أن الطريق إليه لاحد له فالسير نحوه يفرض التحرك باستمرار وتدرج النسبي نحو المطلق بدون توقف، “يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه” (الانشقاق 6)، ويعطي لهذا التحرك مثله العليا المنتزعة من الادراك والعلم والقدرة والعدل، وغيرها من صفات ذلك المطلق، الذي تكدح المسيرة نحوه. فالسير نحو مطلق، كله علم، وكله قدرة، وكله عدل، وكله غنى يعني أن تكون المسيرة الانسانية كفاحا متواصلا باستمرار، ضد كل جهل، وعجز وظلم، وفقر. وما دامت هذه هي أهداف المسيرة المرتبطة بهذا المطلق، فهي اذن ليست تكريسا للإله، وإنما هي جهاد مستمر من أجل الانسان وكرامة الانسان وتحقيق تلك المثل العليا له، “ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين” (العنكبوت 6)، “فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها” (الزمر 41) وعلى العكس من ذلك المطلقات الوهمية والآلهة المزيفة، فإنها لا يمكن ان تستوعب المسيرة بكل تطلعاتها، لان هذه المطلقات المصطنعة وليدة ذهن الانسان العاجز، أو حاجة الانسان الفقير، أو ظلم الانسان الظالم. فهي مرتبطة عضويا بالجهل والعجز والظلم ولا يمكن أن تبارك كفاح الإنسان المستمر ضدها.
وعن الارتباط بالله عز وجل بين السيد محمد باقر الصدر قائلا: إن الارتباط بالله تعالى بوصفه المطلق الذي يستوعب تطلعات المسيرة الانسانية كلها يعني في الوقت نفسه رفض كل تلك المطلقات الوهمية، التي كانت تشكل ظاهرة الغلو في الانتماء، وخوض حرب مستمرة ونضال دائم ضد كل ألوان الوثنية والتأليه المصطنع. وبهذا يتحرر الانسان من سراب تلك المطلقات الكاذبة، التي تقف حاجزا دون سيره نحو الله وتزور هدفه وتطوق مسيرته. “والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده” (النور 39). “ما تعبدون من دون الله إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان” (يوسف 40). “أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار) (يوسف 39) “ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير” (فاطر 13) ونحن إذا لاحظنا الشعار الرئيسي الذي طرحته السماء بهذا الصدد: (لا إله إلا الله)، نجد أنها قرنت فيه بين شد المسيرة الانسانية إلى المطلق الحق، ورفض كل مطلق مصطنع. وجاء تاريخ المسيرة في واقع الحياة على مر الزمن ليؤكد الارتباط العضوي بين هذا الرفض وذلك الشد الوثيق الواعي إلى الله تعالى، فبقدر ما يبتعد الإنسان عن الإله الحق ينغمس في متاهات الآلهة والأرباب المتفرقين. فالرفض والإثبات المندمجين في (لا إله إلا الله) هما وجهان لحقيقة واحدة، وهي حقيقة لا تستغني عنها السيرة الانسانية على مدى خطها الطويل، لأنها الحقيقة الجديرة بأن تنقذ المسيرة من الضياع، وتساعد على تفجير كل طاقاتها المبدعة، وتحررها من كل مطلق كاذب معيق.
وفق حرية الرأي والنشر يتم نشر هذه المادة والجريدة غير مسؤولة عما ينشر فيها من مواد واخبار ومقالات