السيمر / فيينا / الثلاثاء 28 . 04 . 2020
محمد جواد الميالي
المجتمعات الهشة فكرياً يسهل التأثير عليها.. ولتسيطر عليها أكثر يجب تفرقتها وتحويلها إلى مجموعات فكرية، كل منها تعارض الأخرى في الأهداف والتوجه ظاهرياً، وتوافقها باطنياً لتحقيق ذات الهدف..
الوسيلة الوحيدة الأسهل لتحقيق ذلك تكون عن طريق الإعلام.. ومثال واضح لذلك ما يحدث في العراق.. فقد انقسم المجتمع لعدة مجاميع، تبدوا كأنها متناحرة.. لكنها تأتي بنفس النتيجة!
المجموعات البعثية.. نعم لا تستغرب فالبعث لازال ينبض في الشارع، وتجربة اربعين عاما لا يمكن أن تنتهي ببضعة سنوات من ديمقراطية عرجاء متارجحة.. وهم يعارضون كل شيء ويتمنون سقوط النظام الحالي، فحلم العودة للحكم بقيادة رغد ابنة الطاغية و شيوخ العوجة ما زال قائما، فهم لا يستسيغون أن يكون للمكون الشيعي دور في الحكم، فمن كان لا يحق له أن يكون مدير ناحية في محافظته، يقبلون اليوم له الحق ليصبح رئيس الوزراء؟!
المجموعات المنحرفة عقائديا، التي تأسست بعد ٢٠٠٣ ذات الدعم الخليجي، وتسعى لتشويه سمعة عمامة الدين، وتبرير القتل وإشاعة الفوضى، هدفها الأول والأخير ضرب حوزة النجف.. ولك أن تتخيل وجود مرجع شيعي يقيم في أربيل!
جمهور “الطشة” او السطحيون وهم سريعي التأثر بمن يمزق ملابسه أمام الشاشة، ويتكاثرون في منشورات الناشطات الجميلات، وكل ما يصدر من مدفوعي الثمن فهو من المُسَلَمات، لا تستطيع أن تثبت لهم عكس ذلك، فهم يؤمنون ببكاء الفقراء في أيام الحجر الصحي، ولا يكترثون لذلك أيام الأحتجاجات..
بعض هؤلاء يبحث عن وطن أيام التظاهرات لأجل اللجوء، وبعد أزمة كورونا، يطالبون بأن يعودوا إلى الوطن، و ما كان نكرة بالأمس أصبح اليوم معرف!
هناك أيضا أصحاب الصوت العالي، أو مجموعات “هستيريا الجماهير” وهؤلاء ينطبق عليهم مبدأ المنقادين تحت تأثير الشعارات، وجلهم من الشباب الذي يهرول خلف سراب الإعلام، تجدهم يتجمعون طالما هناك فتيات، أغاني وأعلام الوطن، لأنهم يظنون أن الوطنية تتحقق بتلك الأشياء، وإياك أن تقول أن بعض تصرفاتهم خطأ، لأنك سترمى بأبشع التهم، وتكون خائناً للوطن، فهذا ما تعلموه من أبواق الفضائيات.
جمهور الأحزاب، وهؤلاء مجاميع متعددة تنتمي لأحزاب سياسية وفق ما شرعته لهم الديمقراطية، بعضهم القلة يحاولون أن يجدوا وطنا عن طريق العملية الديمقراطية وألياتها، ويؤمنون أن التغيير يحدث عن طريق الأنتخاب، ومشكلة هؤلاء الكبرى مع خصومهم، تتمثل في أنهم لو كانوا من أتباع الأحزاب العلمانية أو الشيوعية والسنية أو الكردية، فلا ضير ولا ضرار، لكن إياك أن تنتمي للأحزاب الشيعية.. عندها ستكون أقبح من الذي هدم الكعبة في نظرهم، لأنهم لا يستسيغون أن يكون للشيعة دور في الحكم، رغم أن الفساد مشترك بين الأحزاب ككل، إلا أن اللوم يقع على عاتقهم فقط..
كل هذه المجاميع، تؤدلج عن طريق عدة أدوات، منها القنوات الفضائية وصفحات بمواقع التواصل الإجتماعي، بالتالي فأن هدفهم مشترك، هو خلق قناعة مؤقتة ذات هدف تدميري للذات المجتمعية، وليس من شأنها أن تصنع وعيا دائميا، كل ذلك يستهدف فئة معينة وطبقة محددة من المجتمع، وبعدها يبدأ تدفق منشورات اللاوعي الأجتماعي، تحت شعارات أبرزها “الوعي قائد” الذي أطلقه الإعلام وصدقه المحتجون.
بدل أن يكون هناك قائد واعي يبلور عملية الأحتجاج، ويرص صفوفهم ويطرد المندسين، أصبح كل خمسة أنفار يقودهم منشور أو شخصية مدفوعة الثمن؟!
للأسف غالبية شعوب العالم تتأثر بالإعلام، وأكثر ما نعاني منه اليوم هو أننا موهمون بأن إعلامنا وشخصياتنا وطنية.. ولنا في الصمت الذي رافق الكل في مرحلة إختيار المكلف الثاني، لكن عندما تم رفضه عادت الأبواق تخرج من جحرها مرة أخرى. نموذج واضح لللعبة والياتها.
عملية تمرير المكلف الجديد صعبة جداً، كما يرى مراقبون ولو أردنا أن نصحح خطأ سن ات سابقة، ونتخلص من سيطرة “السفارة” من جهة، وأوامر “الحاج” من جهة أخرى، ليتعافى هذا البلد.. فلابد أن تصحوا عقول شبابه، وأن ننسلخ من مجموعات التأثير الإعلامي، وننتمي لبودقة الوطن فقط.. عراق العمل والفكر والحضارة.. لا وطن الشعارات، عندها فقط يمكن أن تتحقق السلمية، ونختار ممثلينا في الأنتخابات القادمة بوعي.. إن حدثت