السيمر / فيينا / الاربعاء 08 . 07 . 2020
سليم الحسني
في تجربة السنوات الماضية، شارك إسلاميو السلطة الى جانب غيرهم في حصول التدهور الذي عاشه العراق. كان الفشل مشتركاً بين الجميع من إسلاميين وعلمانيين، سنة وشيعة وكرد، ولا يمكن تبرئة طرف وإدانة آخر.
نهاية حكومة عادل عبد المهدي، مثّلتْ فاصلة شاخصة في مسار العملية السياسية، فقد انتهت رئاسة الوزراء من الإسلاميين، وتولاها مصطفى الكاظمي لتكون نقطة التحول بتوجهاته وشخصيته الليبرالية. وبذلك صارت هوية رئاسة الوزراء وشكلها علمانية لايشوبها شك.
لا اعتراض أبداً على شخصية الكاظمي وتوجهاته، فهذا ما أفرزته السياقات الدستورية، حيث وافقت عليه معظم الكتل الشيعية المعنية باختيار رئيس الوزراء، وتم التصويت على حكومته في البرلمان، ليبدأ عمله رسمياً.
لا اعتراض أبداً على منهجه الليبرالي، فالنظام السياسي في العراق علماني من حيث الدستور والمشاركة، وفق المفهوم الصحيح للعلمانية ووفق المفهوم الصحيح للدولة الدينية. وعليه فان منهج مصطفى الكاظمي وأفكاره الليبرالية لا يأتيها الإعتراض من جانب الدستور ولا من الخصوصية الإدارية والسياسية.
لا اعتراض على ذلك، بل هي نقطة إيجابية على أمل أن تكون تحولاً حقيقياً نحو تصحيح الأخطاء ومعالجة الفساد وإنقاذ العراق من الوصول الى الدمار الشامل.
لكن الاعتراض يرد على الكاظمي في طريقة الاختيارات والتعيينات، وهي المؤشر الأهم على إمكانيات النجاح أو الفشل.
الملاحظ على رئيس الوزراء أنه استعان بالأسوأ من الأشخاص حتى الآن، فقد قرّب اليه أكثر العلمانيين تطرفاً في فريق عمله. كما استعان بأسوأ إسلاميي السلطة ليحقق شيئاً من التوازن الظاهري يستعين به عند الحاجة.
يبدو أن الكاظمي استند الى قراءته للمشهد العراقي من خلال فهمه لقوى التأثير، وأحاط نفسه بممثلين عنهم ليكسب تلك القوى.
التمثيل العلماني الذي يمثّل الحضور الأكبر والأهم في فريقه، يظهر شاخصاً في مشرق عباس، العلماني الأشد تطرفاً في توجهاته وعدائه للدين والشيعة.
والتمثيل الإسلامي جاء عن طريق شخصية فاسدة معروفة، وصاحب تجربة سيئة في السياسة والإدارة، هو محمد الهاشمي (أبو جهاد) ذراع وعرّاب عادل عبد المهدي.
رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، أبقى علاقته وثيقة مع القيادات الكردية، وهذا أمر لا يؤخذ عليه، بل هو نقطة إيجابية عندما تكون من أجل التفاهم لإعادة الاستحقاقات الى وضعها الطبيعي بين حكومة المركز وبين حكومة الإقليم. لكن هذه العلاقة يظهر عليها المجاملة من جانب الكاظمي حتى الآن. وينتشر الكلام بين رجال السياسة أن رئيس الجمهورية برهم صالح له تأثيره المهم على قرارات الكاظمي.
مع الكتل الشيعية منح الكاظمي أهمية خاصة للتيار الصدري، وقد عرف السيد مقتدى الصدر ذلك، فطلب من كتلته أن يمارسوا الضغط على رئيس الوزراء للحصول على أكبر مساحة ممكنة من المناصب والمواقع المهمة وبشكل سريع.
كما يضع الكاظمي منزلة مهمة لرغبات هادي العامري باعتباره صاحب كتلة كبيرة وعلى تنسيق مع مقتدى الصدر، مما قد يؤثر على وضعه في الحكم. والعامري هو النقطة الأضعف في الكيان الشيعي، نظراً لعدم قدرته على فهم التطورات والمخاطر، وسهولة خداعه والتحكم به من قبل مقتدى الصدر.
القوى السنية مرتاحة لتوجهات الكاظمي، فامتيازاتها السابقة باقية على حالها وتتمدد. ولا يريد الكاظمي بحسب معطيات المشهد الرسمي تحريك ملفات مزعجة مثل فساد قياداتهم وأبرزهم الحلبوسي والأخوة كربولي وغيرهم. إنما على العكس من ذلك فهو يعمل على إرضاء رئيس البرلمان محمد الحلبوسي وتحقيق طلباته، وكان آخرها تعيين وزير التجارة السابق المعروف بالفساد (محمد العاني) رئيساً لصندوق إعمار المناطق المتضررة.
مصطفى الكاظمي يحتاج الى جلسة مراجعة سريعة جداً. يحتاج الى قرار مع نفسه، ليختار بين أن يُكمل مسار الخراب ويبلغ بالعراق الى نقطة الضياع، أم يصحح الخطأ بإرادة رجل الدولة الذي انتبه لنفسه مبكراً فامتلك شجاعة التغيير؟
يحتاج الكاظمي أن يتذكّر أن الذين سبقوه من رؤساء الوزارات، بدأوا بمحاولات علاج وإصلاح، ثم انساقوا بالتدرج الى مسار الفشل الذي يحكم العملية السياسية.
٨ تموز ٢٠٢٠