الرئيسية / مقالات / أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ / السّنةُ الثّالِثَةُ / 11

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ / السّنةُ الثّالِثَةُ / 11

السيمر / الخميس 16 . 06 . 2016

نــــــــــزار حيدر

{فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}.
٥/ عدم تجاوز الخطوط الحمراء عند الخلاف والاختلاف، وحتى في الصّراعات السّياسية، لا ينبغي تجاوز الخطوط الحمراء، قال تعالى {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} وانّما ينهزمُ او يفشلُ او يخسرُ أهل الحقّ بسبب الخلافات المستديمة، التي تُضعف جبهتهم وتحطّم شوكتهم كما يقول الامام علي (ع) {وَإِنِّي وَاللهِ لاََظُنُّ هؤُلاءِ القَوْمَ سَيُدَالُونَ مِنْكُمْ بِاجْتِماعِهمْ عَلَى بَاطِلِهمْ، وَتَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ، وَبِمَعْصِيَتِكُمْ إِمَامَكُمْ في الحَقِّ، وَطَاعَتِهِمْ إِمَامَهُمْ في البَاطِلِ، وَبِأَدَائِهِمُ الاَْمَانَةَ إِلَى صَاحِبِهِمْ وَخِيَانَتِكُمْ، وَبِصَلاَحِهمْ في بِلاَدِهِمْ وَفَسَادِكُمْ، فَلَو ائْتَمَنْتُ أَحَدَكُمْ عَلَى قَعْب لَخَشِيتُ أَنْ يَذْهَبَ بِعِلاَقَتِهِ}.
ولذلك حذّر القرآن الكريم من انّ الاختلاف حدّ التمزّق ينتهي بالأُمم الى الضّياع فقال تعالى {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ* فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّىٰ حِينٍ}.
وليس المقصود هنا تصفير الخلافات والاختلافات أبداً، فالاختلاف سنّة الله في كلّ شيء، خاصةً في عبادةِ، كما في قوله تعالى {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} فليس بامكانِ أحدٍ ابداً ان يُلغي الاختلاف، كما لا يحقّ لاحد ابداً ان يسعى لإلغائهِ، كما يفعل الطّغاة مثلاً عندما يستخدمون كل أساليب القهر والاكراه والقوّة والعنف لاجبار النّاس على تحديد خياراتهم من خيارات السّلطة، كما كان يفعل مثلاً فرعون الذي كان يقول لقومهِ {يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِن جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ}.
السّؤال اذن؛ ما الذي يجب فعلهُ اذا كانَ الاختلاف امرٌ مفروضٌ ومفروغٌ مِنْهُ وواقعٌ مُعاش لا يمكن إلغاءهُ او تجاوزهُ او الهرب مِنْهُ؟.
اعتقدُ انّ علينا دائماً ان ننشغلَ بالبحث عن طُرق التّعايش في ظلّ الاختلاف وليس في القضاء على الاختلاف، فالعاقل هو الذي يتعامل مع الاختلاف بطرُقٍ يحوّل فيها الاختلاف الى رحمة وإضافة للتّكامل والتّعاون، امّا غير العاقل فهو الذي يعتبر الاختلاف، ايّ اختلاف مهما كان تافهاً، سبب للمزيد من التمزّق والتفرّق والتّنافر والتّقاطع، ولهذا السّبب فانّ الامم المتحضّرة تبذل يومياً جهداً عظيماً للبحث عن سبل التّعايش مع الاختلافات امّا نحن، وأَقصدُ الامم المتخلّفة، فترى ان ايَّ اختلافٍ هو بمثابة مسمار جديد في نعشِنا، فهو سبب للتمزّق والتفتّت حدِّ الاقتتال.
ليس فقط على المستوى الاجتماعي والسّياسي وعلى مستوى العلاقة بين السّلطة والشعب، وانّما على كلّ المستويات، بدءً بالأُسرة التي تعصف بها الخلافات من دون ان يبذل ربّ الاسرة ايّ جهدٍ من اجل تجاوزها للحفاظِ على وحدة الاسرة وتماسكها، ولذلك ازدادت نسبة الطّلاق وترك الأولاد لأُسرِهم هرباً من الاختلافات العائليّة التي تستنزفهم بلا طائل وتضيّع عليهم مستقبلهم بلا سببٍ حقيقي، ومروراً بالعلاقات بين الأصدقاء التي باتت اليوم قلِقة تقومُ على رمالٍ متحرّكة، وصعوداً بالعلاقات الاجتماعيّة في المحلّة والمدينة والى غير ذلك.
انَّ القرآن الكريم وفي الوقت الذي يقرّ بالاختلافات بين البشر، يحذّر في نفس الوقت من مغبّة تجاوز الخطوط الحمراء عند الاختلاف، وهذا يعني انّ القراءات التي تحرّض على تجاوز المصالح العليا للجماعة عند الاختلاف هي قراءات مُنحرفة لم تستوعب مقاصد آيات الله تعالى، او انّها متعمِّدة لتجاوز المصالح العليا عندما يشعر طرفٍ ما انّها باتت تشكّل عائقاً في طريقه لتحقيق المصالح الشّخصية، وهي الحالة الشّائعة في مجتمعاتِنا، فترى اذا ما أراد أَحدُنا ان يجد المبرّر لتجاوز المصالح العليا من أَجل المصالح الخاصّة، يعمد الى إثارة الخلافات والاختلافات لدرجة تجاهل كلّ الخطوط الحمراء، فيعرّض الجماعة لمخاطر جمّة من دونِ اي يرفَّ لهُ جِفنٌ.
انّ واحدة من اهم مميّزات الشّعوب المتحضّرة انّها تُمسك نفسها عند ايّ اختلافٍ مهما تعاظمَ اذا شعرت انّهُ يتجاوز الخطوط الحمراء، فلا تجد شعباً من الشّعوب المتحضّرة يختلف وهو معصوب العَينَين، ابداً، فهو أَحرص ما يكون على مُراقبة نَفْسه عند الاختلاف ليتوقّف فوراً بمجرّد ان يشعر بانّ الاختلاف ذهبَ الى مدياتٍ بعيدةٍ تكادُ تلامس الخطوط الحوراء التي تُحيط بالبلاد ومصالحها العُليا كالسّور الذي لا ينبغي لاحدٍ تسلّقهُ لعبورهِ.
انّهم لا يدَعون الاختلافات تفلت من عقالِها، فلِجامها بأَيديهم دائماً!.
امّا الشّعوب المتخلّفة فتراها في الاختلاف معصوبة العَينَين تتجاوز كلّ الخطوط الحمراء ولذلك فهي تفقد دائماً مصادر قوّتها وتفقد إرادتها وعزيمتها كما تصوّر ذلك الآية الكريمة أَعلاهُ.
قد يسأل سائلٌ فيقول؛ ومن الذي يجب عليهِ ان ينتبهَ للخطوط الحمراء عند الاختلاف؟!.
يخطئ من يظنّ ان جهةً معيّنةً او مُحدّدة مسؤولة عن ذلك، انّها مسؤولية الجميع لازالت تتعلّق بالصّالح العام، ولذلك ينبغي على الجميع ان يصبر على الاختلاف ان يقدّم التّنازلات المطلوبة عندما يصل الاختلاف الى مرحلةِ تجاوز الخطوط الحمراء، حتى اذا كانت تنازلات قاسية، بل قد يحتاج الانسان أحياناً الى ان يتنازل عن الكثير من حقوقهِ الخاصّة من أجل الحقّ والصّالح العام، وهذا ما أشار اليه الامام علي (ع) في قوله {لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّي أَحَقُّ بِهَا مِنْ غَيْرِي، وَوَاللهِ لاَُسْلِمَنَّ مَاسَلِمَتْ أُمُورُ الْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِا جَوْرٌ إِلاَّ عَلَيَّ خَاصَّةً، الِْتمَاساً لاَِجْرِ ذلِكَ وَفَضْلِهِ، وَزُهْداً فِيَما تَنافَسْتُمُوهُ مِنْ زُخْرُفِهِ وَزِبْرِجِهِ}.
فالمرءُ لا يُلامُ اذا تنازل عن حقوقهِ أحياناً، وانّما يُلام اذا تجاوز على حقوقِ الآخرين، فكيف اذا كانت حقاً عامّاً تتوقف عليه المصالح العامّة والعُليا للجماعة.
للاسف الشّديد فإننا اليوم نخسر كثيراً من الفُرص في العراق بسبب شدّة الاختلافات داخل حتى المكوّن الواحد، التّحالف الوطني نموذجاً باعتباره الكتلة النيابيّة الاكبر والأكثر عدداً، ولذلك تحوّل الى جثّة هامدة والى كتلة مشلولة لا تقوى على فعل الشّيء الكثير، وكل ذلك بسبب الاختلافات التي تعصف بها، والتي تحوّلت في جسدِها الى ما يشبه المرض الخبيث الذي يأكل بها ليقضي عليها بمرورِ الوقت! فإلى متى؟!.
هل من المعقول ان خلافاتهُم معقّدة لدرجةٍ انّهُ ليس بامكانِ أحدٍ حلّها بشكلٍ من الأشكال؟ هل يُمكنهم إِقناعنا باّنّ خلافاتهم مُزمنة ومعقّدة ليس لها حلٌّ؟.
طيّب، اذا كانت خلافات المكوّن الواحد الذي يتشابهُ في كلّ شَيْءٍ، حتى في الحملِ والولادةِ والرّضاع، على اعتبار انّهم جميعا يدَّعون انتسابهم للشّهيد الصّدر الاوّل، لا يمكن حلّها، فكيف سنحلّ الخلافات الأُخرى سواء في المكوّن الواحد او بين المكوّنات؟!.
انّ على الجميع بذل قصارى جهدهِ بحثاً عن حلولٍ للخلافات بدلاً من الانشغال في توصيفِها او في البحث عمّن نحمّلهُ مسؤوليّتها او نرميهِ بها، خاصةً عندما نرمي به بريئاً كما في قوله تعالى محذراً {وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} فكلّكم مسؤولون ولا استثني أحداً.
وكعاملٍ أوَّليٍّ مهمّ في مجال البحث عن حلولٍ للخلافات ينبغي على جميع الاطراف إِبعاد كلّ العناصر المأزومة والمتشنّجة من مراكز القرار وخاصّة البِطانة، وعلى وجه التّحديد من [عَبَدَةِ العِجْلِ] فمثلِ هذه العناصر لا تبحث عن حلولٍ للخلافات أَبداً وانّما همّها توسيع دائرة الخلاف لتعتاشَ على نتائجِها فهي عادةً لا تَجِدُ نفسها ودورها وقيمَتها ومكانتها الا في الازمات، فكيف ينتظر منها احدٌ حلاً لخلافٍ؟!.

اترك تعليقاً