السيمر / فيينا / الخميس 29 . 09 . 2022
د. ماجد احمد الزاملي
الدول الحديثة تعتمد في قدراتها العسكرية على المعلومات الاستخباراتية التي تقوم بها الأجهزة الأمنية والمخابراتية والتي تمتاز في الخطورة والمجازفة من حيث مدى القدرة التي تتناسب وتتفاعل مع القرار السياسي والعسكري على الصعيدين المحلي والدولي، وكذلك تعتمد على تطور المنظومة الاستخباراتية وكفاءة رجالها من خلال قدرتهم الفائقة والسريعة على التحليل والتنسيق وكذلك اعتمادها على مختلف العلوم كعلم النفس الجنائي، والعلوم السياسية، والعلوم الاقتصادية، وعلم النفس الاستخباري، وتفاعل هذه العلوم للمساعدة في تحقيق وتهيئة بيئة أمنية مُحكَمَة وسد الثغرات الأمنية ومكافحة التجسس في القوات المسلحة وتحقيق الأمن العام وحماية الوطن. ومع اشتداد الأزمات السياسية في المحيط العربي، وظهور تنظيم داعش الإرهابي، استمر العراق بقوته الأمنية في ضرب الأوكار وإحباط المخططات، والقبض على مئات من المتهمين، وفرض الأمن بالقوة، في تحدٍ أكبر تبرز فيه من فترة لأخرى وزارة الداخلية والدفاع والقوات الرديفة قوتها وكفاءة عناصرها وحسن استراتيجيتها في مواصلة الاستقرار داخل البلد .
مهام الشرطة لا تنحصر في حماية الاشخاص والممتلكات فحسب، بل تشمل اعمالاً اخرى تتدخل حينما يتعلق الامر بالأخطار الناجمة عن الازمات مما تستدعي تدخل مختلف المصالح المعنية، وتستلزم تنسيق فيما بينها قصد الحد من الاخطار المترتبة عنها، واعادة الحياه الى طبيعتها العادية. وهذا ما تجسد في تعاملها مع ازمة كورونا مثلا , وبالنظر الى الطابع الفجائي والاستثنائي لهذه الكوارث والازمات فان على مختلف مصالح الامن ان تتوفر على مخططات نموذجية معينة تستوعب جميع المستجدات والمتغيرات الكفيلة باحتواء جميع الحالات الطارئة. إن مواجهة الأزمات والحالات الطارئة سواء بالاستعداد لها أو توقعها أو التعامل معها إذا ما حـدثت يضع على كاهل الشرطة العبء الأكبر فى هذا المجـال لضمان توفير الحماية الشاملة للأفراد والمنشئات و تدبير الازمة، لذلك كان لزاما عليها وضع خطة شاملة توضح مراحل إدارة الأزمات والكوارث – أليات إدارة الأزمات وقت حدوثها- وكذلك وضع خطة شاملة لمواجهة الكوارث والحالات الطارئة التى تنشا عنها. وتدبير مواجهة المخاطر أكثر نحو إدارة الأزمات، وإصلاح وإعادة البناء بعد الأزمة بدل الترقب والوقاية للحد من آثار الكوارث. وتؤثر المشاكل الأمنية والعنف الساسي والحروب والانقلابات والإرهاب والقلاقل والتهديدات الامنية بشكل كبير على الحياة الآمنة ، فالسياحة مثلا صناعة حساسة للأزمات الدولية والإقليمية من حروب وأعمال عنف وإرهاب، مثلما هي حساسة بالجريمة والفساد والأمراض الفتاكة وغيرها من عناصر الأمن الوطني، فالحرب تُعد أمراً مأسوياً بالنسبة إلى السياحة، فالنشاط العسكري يُمكن أن يُدمر البنية التحتية ويشل الاستثمار السياحي، فالحرب الموجودة في العراق ولبنان وسوريا أدت إلى ّإلحاق الضرر الكبير بصناعة السياحة وشلّت حركة الاستثمار الداخلي والخارجي التي كانت مزدهرة في هذه البلدان.
وأحد العوامل الرئيسية في صورة الجريمة الخطرة، يرتبط بالإنتشار والإستخدام واسع النطاق للأسلحة ُ غير القانونية. ويُستخدم السلاح لتنفيذ جرائم خطيرة، مثل القتل، والسطو، وابتزاز مال الخاوة، وأيضاً ّ لكسب القوة في إطار الصراعات بين العناصر الإجرامية والنزاعات بين العائلات. إن السهولة التي ُ يمكن من خلالها الحصول على الأسلحة النارية (من خلال السرقة، والسطو، والتهريب من مناطق مجاورة وحتى صناعة ذاتية) وغياب الردع الكافي لإستخدامها، أدى ّ إلى انتشارها واستخدامها بكثرة. وبسبب انعدام الشعور بالأمن الشخصي، أصبح معلوماً ّ أن الأسلحة متوفرة أيضاً َّ لدى المواطنين العاديين، الذين يشعرون بأن عليهم مواجهة النزاعات، أو حماية عائلاتهم ٍ بشكل ّ ذاتي، دون تدخل سلطات إنفاذ القانون.
ولا يمكن التقليص من نسبة الجريمة إلاّ باعتماد سياسة وقائية تذهب إلى جذورها واعتماد سياسة مواجهة أول شروطها استقرار المؤسسة الأمنية وإبعادها عن الصراعات والتجاذبات. وتوفير كل المرافق والمستلزمات التي تُعينها على القيام بدورها ومن ذلك الموارد البشرية الكافية والتدريب والتجهيزات وخاصة الإسناد السياسي والمعنوي. وانعكست مرحلة الانتقال الديمقراطي على رغم نقاط الضوء التي تميزها على صعيد الحريات والتعددية، سلبا على الواقع المجتمعي، حيث ظهرت موجة من الجرائم والبلطجة مع استغلال المجرمين حالة اللااستقرار السياسي والتخبط الحكومي في ترويع الناس. ان محكمة التحقيق المختصة بالتحقيق في جرائم العنف الأسري تطبق القوانين النافذة ومنها قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 المعدل, وقانون رعاية الاحداث رقم (76) لسنة 1983، ذلك لأن المشرع العراقي لم يصدر قانونا للحماية من العنف الاسري، وان التحقيق في جرائم العنف الاسري يتطلب الأخذ بنظر الاعتبار طبيعة العلاقات الزوجية والأسرية، خصوصا إذا كانت الشكوى مقدمة من قبل الزوجة بحق زوجها، الأمر الذي يتطلب إجراءات قانونية تتناسب مع واقع الحياة الأسرية. إن هذه المبادرة القانونية والإنسانية تدل على اهتمام مجلس القضاء الأعلى بظاهرة العنف الأسري والأسرة سعياً منه للحد من هذه الظاهرة والقضاء عليها بالطرق القانونية والحضارية. المشرع العراقي أقرَّ نصوصاً صارمة على كل من يحاول تفكيك الأسرة او التقليل من قيمتها، ومن هنا نص قانون العقوبات العراقي في المادة (383) فقرة (1) منه على أن (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن ثلاث سنوات أو بغرامة لا تزيد على ثلاثمئة دينار من عرّض للخطر سواءً بنفسه أو بواسطة غيره شخصاً لم يبلغ الخامسة عشرة من عمره او شخصاً عاجزاً عن حماية نفسه بسبب حالته الصحية أو النفسية او العقلية). ولغرض احتواء هذه الكارثة الانسانية التي تهدد المجتمع العراقي عموما ولغرض عدم اتساع آثارها ، لابد من توفيرالاليات المناسبة وتفعيلها باسرع وقت وأن تحضى بالاولوية في وضعها موضع التنفيذ.إن أول هذه الآليات هو تفعيل القانون المختص لملاحقة الجاني وادراك أي شخص سلفا بأن جرائمه تُعتبر من الاعمال التي يعاقب عليها القانون عملاً بالقاعدة الفقهية التي تقضي بأنه( لايُعتَد الجهل بالقانون ).
رغم الثروة النفطية الهائلة في العراق، فإن شخصًا واحدًا من بين كل خمسة أشخاص لا يزال يعيش تحت خط الفقر، حيث تشير البحوث إلى أن الفقر هو الوقود المحرك للعنف الأسري، حيث تم تسجيل نسب أعلى بكثير للعنف ضد المرأة والطفل في الأسر الفقيرة.
علاج العنف الأسري يحتاج الى مجهوداً جماعياً يبدأ من الاسرة لكي ينعم الطفل بطفولة خالية من التعنيف، ومن أسرة تحترم حقوق أفرادها لا تميِّز بين الذكور والإناث، ومن مؤسسة تربوية تهتم بتربية الطفل قبل تعليمه، وبمنظومة قيم للمجتمع تمكِّن المرأة من فرص التعليم والإسهام الحقيقي في المجتمع وتنتهي بسلطة تشريعية تُرسِّخ قيم العدل والمساواة وسلطة تنفيذية تضمن الحقوق من الانتهاك. أنّ المثير في ظاهرة العنف ضد الأطفال هو إقدام الأبوين، أو أحدهما، على تعنيف أطفالهما بدلاً من حمايتهم بشكل لم يسبق حدوثه من قبل. فتصاعد العنف ضد الأطفال بصورة مخيفة داخل المجتمع العراقي هو نتيجة للمشاكل الأمنية والاقتصادية والصحية، خصوصاً بعد تفشي فيروس كورونا الذي أجبر الناس على التزام منازلهم وعدم الخروج في فترات الحجر الصحي، ما فاقم من المشاكل الأسرية بشكل لافت وخطير، فكان للأطفال حصة كبيرة من هذا العنف الذي يؤثر في مستقبلهم ومستقبل البلاد في ظلّ تنشئة أطفال معنفين، خصوصاً أنّ نسبة الذين قتلوا منذ مطلع العام الماضي حتى اليوم لا تقلّ عن طفلين كلّ شهر، بالإضافة إلى جثث الأطفال الرضّع التي وجدت في العراء.
وقبل عام 2003 كان العراق يعيش مركزية أمنية حُدّدت مهامها بالحفاظ على نظام الحكم، وتأدية الأدوار الوظيفية الموكلة إليها من قبل منظومة الأمن الدولية، ولإنجاز ذلك , فقد مُنحت المؤسسة الأمنية الموارد والغطاء السياسي والقانوني، أما بنيتها فكانت تقوم على شبكات رسمية-إدارات الأمن-، وأخرى غير رسمية-المخبرين والبيروقراطية الحزبية-تتقاطع جميعها بخضوعها لتوجيهات المركز المتمثل بشخص صدام. وتمكنت المؤسسة الأمنية من التوغّل في المجتمع والتحكم في تفاصيل الحياة العامة للسكان، وأحدث ذلك آثاراً كارثية في منظومة المجتمع والدولة.