السيمر / فيينا / السبت 24 . 12 . 2022
سليم الحسني
كانت المعارضة الإسلامية بعد استشهاد السيد محمد باقر الصدر والتي اتخذت من ساحات الهجرة ميداناً لعملها، منقسمة ومشتتة ولم تلتق على قائد واحد ولا حتى على مجموعة قيادة. ورغم أن السيد الصدر قد دعا الى تشكيل قيادة جماعية اسماها القيادة النائبة، إلا أن الشخصيات المعنية لم تستطع أن تنسجم مع بعضها البعض، فمات المشروع بسرعة.
في بداية تلك السنوات، أي منذ عام 1980 كانت مجاميع المهاجرين من الدعاة تصل الى سوريا وإيران، وسرعان ما يعيدون ارتباطاتهم التنظيمية.
وصل الى سوريا السيد محمد باقر الحكيم، وكانت قيادة حزب الدعوة تفكر في تلك الفترة بضرورة تقديم شخصية قيادية لتكون واجهة التحرك المعارض ضد نظام صدام، وكان من بين الأسماء المطروحة للتداول عميد المنبر الحسيني الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله، لكن القرار وقع في النهاية على السيد محمد باقر الحكيم، لعدة مرجحات، أبرزها كونه أحد مؤسسي حزب الدعوة الإسلامية، ويحمل توجهات خط الإمام الشهيد محمد باقر الصدر.
اصطحب القيادي الكبير السيد حسن شبر في سيارته الخاصة (فيات نصر) السيد الحكيم واتجها نحو إيران ليبدأ العمل كقائد للمعارضة. كانت الحرب قد بدأت، وتوقفت حركة الطيران الإيراني. وبعد رحلة عدة أيام وصلا الى طهران ليلاً فقصدا مباشرة منزل زعيم الثورة الإسلامية الامام الخميني قدس سره، فباتا ليلتهما هناك، بعد ان اجتمعا مع نجله السيد احمد الخميني رحمه الله.
بعد فترة وجيزة من العمل بدأ الاتفاق يتفكك بالخلافات، وهي الحالة التي تطبع معظم الاتفاقات السياسية في أجواء المعارضة والحكم. وقد تسارعت وتيرة الخلاف لعاملين أساسيين: الأول أن الاتجاه العام في الجمهورية الإسلامية كان على الضد من العمل الحزبي. والثاني أن المشرف على فصائل المعارضة كان رجل دين واسع النفوذ هو مهدي الهاشمي المقرب من آية الله الشيخ المنتظري رحمه الله، وكان الهاشمي يعادي مدرسة الامام الشهيد محمد باقر الصدر، ويكره امتداداتها.
نتيجة هذين العاملين واجه حزب الدعوة مشكلة العمل والتحرك في ايران، مع انه صاحب الجماهيرية والحضور الأكبر داخل العراق وخارجه، الأمر الذي يستدعي أن تدعمه ايران وتستفيد من معارضته لنظام صدام. وكان حزب الدعوة في تلك الفترة قد شكل قواته العسكرية (قوات الشهيد الصدر) من الشباب المجاهد حيث يتلقون تدريباتهم في معسكر الشهيد الصدر في مدينة الأهواز، ثم يتوجهون على دفعات في مهمات قتالية وعسكرية، وقد استشهد منهم المئات في مواقف بطولية نادرة.
لجأ مهدي الهاشمي الى دعم كافة الشخصيات والفصائل العراقية، لضخ أسباب القوة فيها وحملها على منافسة حزب الدعوة، وكانت منظمة العمل الإسلامي المرتبطة بالسيد محمد الشيرازي رحمه الله، وبالسيدين محمد تقي المدرسي وهادي المدرسي، من أكثر الجهات التي تلقت دعمه، لصلة قرابة وصداقة وثيقة وقديمة بينهم وبين مهدي الهاشمي.
لكن هذه المحاولات لم تسفر عن نتيجة مُقنعة. فلقد استمر حزب الدعوة القوة الأكبر في الساحة، فلجأ مهدي الهاشمي الى خطوة ذكية حيث استغل نفوذه وعلاقاته في إيران، ليُقنع قادتها بتبني مشروع تشكيل جبهوي يضم جميع الفصائل الإسلامية المعارضة، اطلق عليه اسم (المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق). وقد عبّر عن الهدف الحقيقي من وراء تأسيسه بقوله:
(لقد صنعنا المجلس الأعلى لنذبح به حزب الدعوة في حال وافق على الدخول فيه أو رفض ذلك).
وكان يقصد بذلك أن الدخول في المجلس الأعلى سينهي قوته وسيكون تحت سلطة القرار الإيراني، وفي حال رفضه فانه سيكون متمرداً على رأي ولاية الفقيه، وهي تهمة كفيلة بأن تُنهي أي كيان.
خطوة ذكية من رجل ليس لأساليبه حدود، فلقد كان مهدي الهاشمي سلطة كبيرة، ترتبط به خطوط سرية وشبكات مخابراتية وإمكانات عسكرية ومالية كبيرة. وقد تحول الى مشكلة ضاغطة على قيادة الدولة، يصنع لها الأزمات، ويؤثر على مراكز القرار، حتى كان يخشاه كبار المسؤولين الإيرانيين، لما كان يُعرف عنه من اعتماده أي أسلوب من اجل تحقيق أهدافه بما في ذلك الاغتيالات. ولم تنته مشاكله وأزماته حتى تمت محاكمته واعدامه بعد تدخل من الامام الخميني بضرورة محاكمته.
تم الإعلان عن تشكيل المجلس الأعلى للثورة الإسلامية، بنظام يجعل القرار النهائي للجنة إيرانية باسم (مكتب الاسناد)، فأي قرار تتخذه قيادة المجلس والهيئات التابعة لها، يجب أن يوافق عليه (مكتب الاسناد) قبل تنفيذه، بما في ذلك تعيين أصغر موظف وسائق وحارس.
لقد وضعت القوى الإسلامية العراقية نفسها في موضع المحتاج الى الوصاية، وظلت على هذا المنهج قانعة راضية به. لم تعرف قيادات المعارضة الإسلامية إنها تتعامل مع وضع إقليمي في غاية التعقيد، وأن حكوماته تستخدم أي عامل للسيطرة والتوجيه ضمن حسابات التوازن مع بعضها البعض. وكان عليها لكي تتجاوز أن تكون أداة صراع بيد الحكومات، أن تنظم نفسها تحت قيادة عراقية واحدة.
في بداية تلك السنوات، أي منذ عام 1980 كانت مجاميع المهاجرين من الدعاة تصل الى سوريا وإيران، وسرعان ما يعيدون ارتباطاتهم التنظيمية.
وصل الى سوريا السيد محمد باقر الحكيم، وكانت قيادة حزب الدعوة تفكر في تلك الفترة بضرورة تقديم شخصية قيادية لتكون واجهة التحرك المعارض ضد نظام صدام، وكان من بين الأسماء المطروحة للتداول عميد المنبر الحسيني الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله، لكن القرار وقع في النهاية على السيد محمد باقر الحكيم، لعدة مرجحات، أبرزها كونه أحد مؤسسي حزب الدعوة الإسلامية، ويحمل توجهات خط الإمام الشهيد محمد باقر الصدر.
اصطحب القيادي الكبير السيد حسن شبر في سيارته الخاصة (فيات نصر) السيد الحكيم واتجها نحو إيران ليبدأ العمل كقائد للمعارضة. كانت الحرب قد بدأت، وتوقفت حركة الطيران الإيراني. وبعد رحلة عدة أيام وصلا الى طهران ليلاً فقصدا مباشرة منزل زعيم الثورة الإسلامية الامام الخميني قدس سره، فباتا ليلتهما هناك، بعد ان اجتمعا مع نجله السيد احمد الخميني رحمه الله.
بعد فترة وجيزة من العمل بدأ الاتفاق يتفكك بالخلافات، وهي الحالة التي تطبع معظم الاتفاقات السياسية في أجواء المعارضة والحكم. وقد تسارعت وتيرة الخلاف لعاملين أساسيين: الأول أن الاتجاه العام في الجمهورية الإسلامية كان على الضد من العمل الحزبي. والثاني أن المشرف على فصائل المعارضة كان رجل دين واسع النفوذ هو مهدي الهاشمي المقرب من آية الله الشيخ المنتظري رحمه الله، وكان الهاشمي يعادي مدرسة الامام الشهيد محمد باقر الصدر، ويكره امتداداتها.
نتيجة هذين العاملين واجه حزب الدعوة مشكلة العمل والتحرك في ايران، مع انه صاحب الجماهيرية والحضور الأكبر داخل العراق وخارجه، الأمر الذي يستدعي أن تدعمه ايران وتستفيد من معارضته لنظام صدام. وكان حزب الدعوة في تلك الفترة قد شكل قواته العسكرية (قوات الشهيد الصدر) من الشباب المجاهد حيث يتلقون تدريباتهم في معسكر الشهيد الصدر في مدينة الأهواز، ثم يتوجهون على دفعات في مهمات قتالية وعسكرية، وقد استشهد منهم المئات في مواقف بطولية نادرة.
لجأ مهدي الهاشمي الى دعم كافة الشخصيات والفصائل العراقية، لضخ أسباب القوة فيها وحملها على منافسة حزب الدعوة، وكانت منظمة العمل الإسلامي المرتبطة بالسيد محمد الشيرازي رحمه الله، وبالسيدين محمد تقي المدرسي وهادي المدرسي، من أكثر الجهات التي تلقت دعمه، لصلة قرابة وصداقة وثيقة وقديمة بينهم وبين مهدي الهاشمي.
لكن هذه المحاولات لم تسفر عن نتيجة مُقنعة. فلقد استمر حزب الدعوة القوة الأكبر في الساحة، فلجأ مهدي الهاشمي الى خطوة ذكية حيث استغل نفوذه وعلاقاته في إيران، ليُقنع قادتها بتبني مشروع تشكيل جبهوي يضم جميع الفصائل الإسلامية المعارضة، اطلق عليه اسم (المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق). وقد عبّر عن الهدف الحقيقي من وراء تأسيسه بقوله:
(لقد صنعنا المجلس الأعلى لنذبح به حزب الدعوة في حال وافق على الدخول فيه أو رفض ذلك).
وكان يقصد بذلك أن الدخول في المجلس الأعلى سينهي قوته وسيكون تحت سلطة القرار الإيراني، وفي حال رفضه فانه سيكون متمرداً على رأي ولاية الفقيه، وهي تهمة كفيلة بأن تُنهي أي كيان.
خطوة ذكية من رجل ليس لأساليبه حدود، فلقد كان مهدي الهاشمي سلطة كبيرة، ترتبط به خطوط سرية وشبكات مخابراتية وإمكانات عسكرية ومالية كبيرة. وقد تحول الى مشكلة ضاغطة على قيادة الدولة، يصنع لها الأزمات، ويؤثر على مراكز القرار، حتى كان يخشاه كبار المسؤولين الإيرانيين، لما كان يُعرف عنه من اعتماده أي أسلوب من اجل تحقيق أهدافه بما في ذلك الاغتيالات. ولم تنته مشاكله وأزماته حتى تمت محاكمته واعدامه بعد تدخل من الامام الخميني بضرورة محاكمته.
تم الإعلان عن تشكيل المجلس الأعلى للثورة الإسلامية، بنظام يجعل القرار النهائي للجنة إيرانية باسم (مكتب الاسناد)، فأي قرار تتخذه قيادة المجلس والهيئات التابعة لها، يجب أن يوافق عليه (مكتب الاسناد) قبل تنفيذه، بما في ذلك تعيين أصغر موظف وسائق وحارس.
لقد وضعت القوى الإسلامية العراقية نفسها في موضع المحتاج الى الوصاية، وظلت على هذا المنهج قانعة راضية به. لم تعرف قيادات المعارضة الإسلامية إنها تتعامل مع وضع إقليمي في غاية التعقيد، وأن حكوماته تستخدم أي عامل للسيطرة والتوجيه ضمن حسابات التوازن مع بعضها البعض. وكان عليها لكي تتجاوز أن تكون أداة صراع بيد الحكومات، أن تنظم نفسها تحت قيادة عراقية واحدة.
لم تستفد القوى الشيعية من تجربتها في المعارضة حين عادت العراق، فقد ظلت على اختلافها، وكانت تلك فرصة ثمينة للحكومات الإقليمية لكي تستغلها في دعم هذا واضعاف ذاك في عملية متحركة عميقة الأهداف.
للحديث تتمة
٢٢ كانون الأول ٢٠٢٢
الجريدة غير مسؤولة عما ينشر فيها من مواد واخبار ومقالات