السيمر / فيينا / الأثنين 14 . 08 . 2023
د.ماجد احمد الزاملي
المحاصصة سلوك اجتماعي ــ سياسي وتتحكم بهذا السلوك وتؤثر فيه عوامل نفسية وثقافية وحضارية تتفاعل في البيئة الاجتماعية وتحدد التوجهات للافراد والجماعات على حد سواء ,والسلوك السياسي هو نشاط وفعالية يمارسها الفرد، او مجموعة افراد يشغلون مواقع يؤدون من خلالها ادواراً سياسية معينة تعطيهم القدرة على التأثير في تنظيم وتوجيه الحياة السياسية في المجتمع، وتحديد مراكز القوى فيه ، وتنظيم العلاقات السياسية بين القيادة والجماهير، والتحكم بالسلوك الإنتخابي الذي تؤثر فيه الثقافة السياسية للفرد، واعتبارات الانتماءآت الدينية والطائفية والعرقية والعشائرية خاصة في بلدان العالم غير المتقدم التي لا يملك الافراد فيها الحرية الكاملة في توجهاتهم السياسية، لأرتباط ذلك التوجه بعوامل بيئية إجتماعية والتي تدفعهم في اتجاه معين.وعندما دخلت قوات الاحتلال إلى العراق لم يكن أحد يتصور، وربمـا حتى المحتلين أنفسهم، أن عقد العراقيين يمكن أن ينفرط بهـذه الطريقـة التي عليها اليوم، المشكلة بالاحـتلال، والطائفيـة، و بالسياسيين الجدد، و في دول الجوار العراقي، هكذا هي الحقيقة عند تشخيص الداء لكن لا أحد يقـول أن الأزمـة فـي الصـوت الوطني فهذا الصوت الحاضر الغائب على الساحة العراقية لا يبدو أن له أي تأثير فيما يجري من تفاعلات وشد مذهبي يشهده الشـارع العراقـي والأسباب عديدة فمنها قد يكون ضعف هذا التيار أو قلة أنصاره أو هـو غياب الدعم الذي يكفل له قدرة المنافسة مع المشـاريع الأخـرى التـي جهزت لها كل الإمكانيات المادية والمذهبية، لكن إذا غابت القدرة والدعم هل يعني ذلك نهاية المشروع الوطني في العراق بعد أن فرضت العمليـة السياسية واقعها المر على الساحة السياسية والاجتماعية في العراق وموقف الشارع العراقي منها . وبعد دخول القوات الأجنبية في العراق بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، وسقوط نظام الحكم في 9/4/2003 ،انتقل المجتمع العراقي من حالة التسلط والصهر والدمج ألقسري إلى التشتت والإنفلات والفوضى باسم الحرية والديمقراطية، وكل ذلك جرى بفعل غياب القانون، وانهيار سلطة الدولة مع تدني مستوى الوعي الثقافي والسياسي، مما أعطى لكل من هبّ ودبّ الفرصة للقيام بعمليات السلب والنهب والقتل،وتنامي روح الإنتقام والثأر التي دعمتها أطراف خارجية إقليمية ودولية (1) مستغلة بذلك وجود القوات الأجنبية على الأراضي العراقية، ولكن على الرغم مما شهده العراق في تلك المرحلة من انهيار أمني مطلق، وعلى الرغم من أحداث العنف والإغتيالات التي راح ً ضحيتها ألآلاف من أبناء الشعب العراقي، فإن هذا الشعب بقي متماسكا ً، وبالتحديد حتى وقوع حادثة تفجير الإمامين العسكريين)عليهما السلام ,وعلى مدى ثلاث سنوات تقريباً في شهر شباط سنة 2006 ،إذ كانت تلك الحادثة بمثابة الشرارة التي أشعلت فتيل الحرب الطائفية التي استمرت على مدى أكثر من سنتين، ما أفضى إلى التأثير على حالة التعايش التي طالما كانت سائدة في صفوف المجتمع العراقي في المرحلة السابقة.
لقد استحوذ هدف الاستيلاء على السلطة على تفكير القوى والاحزاب السياسية دون ان تعير اهتماما لما ستقوم به بعد الوصول الى السلطة، ولم تحظَ موضوعات آليات الديمقراطية وكيفية تداول السلطة بأي إهتمام، وانعكس ذلك على الدساتير المؤقتة التي ركزت على ممارسة السلطة لأفتقار رجال السلطة الجدد للخبرة والأهلية لإدارة الدولة ,وادى هذا الصراع الى التأسيس للاستبداد ونمو الدكتاتورية واصبح الوصول للسلطة يعني التخلص من المنافسين وإقصائهم، ويسعى هؤلاء بالمقابل للثأر واسترداد ما فقدوه وتحولت السلطة الى هدف وغنيمة، وساهمت الاحزاب في تدعيم هذا الفهم بسبب دورها في جر المجتمع الى الخصومات السياسية دون الالتفات الى الخصوصية التكوينية للمجتمع العراقي وطبيعته ومحاولة إيجاد الحلول الناجعة للتعامل مع نقاط ضعفه . وقد ترك الحصار الاقتصادي آثاراً شديدة الوطأة على الشعب العراقي في الإطباق التام على كل ما تبقى من حياة اقتصادية واجتماعية وثقافية على امتداد العراق، عدا المنطقة الكردية التي كانت تحظى بامتيازات من قبل دول عديدة من العالم في أوروبا وأميركا وغيرهما، فقد انهار النظام الصحي وتعطلت الخدمات وساءت الحياة الاجتماعية، وبلغت أعداد الضحايا وأكثرهم من الأطفال والشيوخ الملايين، كما تم تدمير طيف واسع من القيم والأخلاق في ظل غياب أي نشاط اقتصادي يعود بمردود مالي كافٍ، الأمر الذي انعكس في عملية فساد اجتماعي كبير شملت جميع شرائح المجتمع العراقي، فلم يسلم التعليم ولا القضاء ولا القوات المسلحة من ذلك ولم تعد الحكومة قادرة على وقف التدهور الأخلاقي في المجتمع.
التغيرات السياسية اللاتي تحدث على أثر انتخابات أو حتى انقلابات أو ثورات عادة ما يتوقع منها أن تكون إيجابية ولا يتأثر بها مباشرة في بداياتها إلاّ قطاعات معينة وبما لا يمس حركة المجتمع إلاّ في بعض حلقاته السياسية العليا. لقد ألغى الاحتلال العسكري الأميركي البريطاني للعراق الدولة كلها وجوداً ومؤسسات. وعملية إلغاء الدولة ليست بالأمر الهين لأن آثارها السلبية قطعا ستنعكس على حقوق وممتلكات المواطنين ويمكن أن تتجاوز ذلك لتطال الدائرة الأوسع من محيط إقليمي وواقع دولي. كما أن مثل هذا الإجراء الخطير بحاجة إلى تبريرات سياسية وأخلاقية. ان الدولة المعاصرة لم تصبح حقيقة واقعة في دول العالم المتقدم الاّ بعد بلوغ شعوبها مستوى اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا متقدما، وتزامنت عملية التقدم والتطور مع بناء وتنمية الهوية الوطنية الجامعة بوصفها الانتماء الاسمى لكل فئات المجتمع، وتراجعت الانتماءآت العرقية والدينية والطائفية التي تدفع للشعور بالتمايز والاختلاف في حين قامت الدولة العراقية الحديثة التي توافق إنشائها وعملية بنائها مع رغبة بريطانيا في تأمين مصالحها الاستراتيجية في مجتمع غاب عنه المفهوم المعاصر للدولة، ونظراً لخصوصية تكوين الشعب الذي ضمته الدولة الناشئة، وواقعه الاجتماعي، بدأت عملية بناء الدولة من القمة ثم تلتها عملية وضع بنا وهياكل مؤسساتها، ولم تنشأ هذه الدولة من رحم المجتمع وكانت المحصلة قيام مجتمع غير متجانس، وغير مترابط تحكمه ثقافة تقليدية، وتحركه المشاعر والعواطف، ويغلب على علاقاته طابع الانقسامات والصراعات الاجتماعية، وعدم الاتفاق، وقد إنعكس هذا الواقع الاجتماعي على سلوك الناس ومن يصل الى السلطة، أو يشارك فيها منهم، واتخذ شكلا سياسيا منذ تأسيس الدولة عام1921(1).
وبعد التصويت على دستور 2005 النافذ، أصبح للسلطة التشريعية المزيد من الصلاحيات للموافقة على مقترح التعيينات، الصادرة من السلطة التنفيذية، فقد وسَّع المشرِّع العراقي من عدد الوظائف التي تحتاج إلى موافقة مجلس النواب، فبعد ان كانت التعيينات محصورة في بعض المناصب القيادية للمؤسسة العسكرية، فقد تم نقل التعيينات للمناصب التي كانت من صلاحية مجلس الرئاسة المصادقة عليها الى مجلس النواب ووفق النص الآتي: لمجلس الوزراء التوصية إلى مجلس النواب بالموافقة على تعيين وكلاء الوزارات والسفراء وأصحاب الدرجات الخاصة، ورئيس أركان الجيش ومعاونيه ومن هم بمنصب قائد فرقة، فما فوق، ورئيس جهاز المخابرات الوطني، ورؤساء الأجهزة الأمنية.على الرغم مما جاء في الدستور العراقي الدائم لعام 2005 ٍ من نصوص َ عدة، حددت أوجه العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية الإتحاديتين، لكن واقع الحال أفضى إلى تكريس إشكالية في هذا الإطار تجسدت في مسارين مترابطين على نحو وثيق، المسار الأول فذلك الذي يتصل بتفسير النصوص الدستورية التي تُنظم تلك العلاقة، في حين أن ً المسار الآخر فيتمحور حول العملية السياسية وهو الأهم والأكثر تعقيدا ً لتلك النصوص، وبما يفضي إلى بناء أسس سليمة للتعاون المفترض أن تكون تطبيقاً للتوازن بين السلطتين، إذ برهنت التجربة الجديدة في العراق على وجود مشاكل صعبة في كلا المسارين. أثبت الواقع وجود خلل واضح في تلك العلاقة بين البرلمان والحكومة، ما أفرز إشكالية معقدة، إذ لم تتحقق في ظل هذا الواقع أدنى مستويات التوازن والتعاون بين السلطتين المذكورتين وبما يتوافق والتقاليد والأسس البرلمانية العريقة التي تم تبنيها ً، بل وامتدت آثاره الى المشرِّع الدستوري العراقي ما أنعكس بشكل سلبي على أداؤهما معا هذا الواقع السلبي الذي طال السلطة القضائية، وبلا أدنى شك كان لهذا الواقع انعكاسات سلبية على مسار العملية السياسية برمتها على وجه العموم، وبالمحصلة دفع فاتورة كل ذلك المواطن العراقي صاحب المصلحة الحقيقية الذي من المفترض أن تنصب الجهود من قبل كل مؤسسات النظام السياسي لتحقيق سعادته ورفاهيته.
إن الاعتراف بوجود الطائفة أو مجموعة الطوائف، بوصـفها معطـياً تاريخياً عمره مئات السنين، لا تترتب عليه المطالبة بحقـوق خاصـة. وعلى الرغم من أن الطائفيين لا يصرحون عموما بنوع هـذه الحقـوق وامتيازات وأفضليات لهذه الطائفة أو تلك. فحقوق الطوائـف وسـيرورة الصراع عليها ومن أجلها بين الطوائف تكرِّس الظاهرة الطائفية ,وأوهام القائمين عليها بقوة القانون والدستور فتتكرس على أثرها سيادة الخطاب الطائفي على حساب الآخر. ان حجم التحدي الذي تواجهه الدولة على صعيد إدارة وتوزيع موارد الثروة النفطية يستدعي تبني الحكومة لتوجهات تنموية واضحة المعالم والاتجاهات ومحددة الاهداف، فضلاً عن معالجة العوز والقصور في التشريعات المتعلقة بالنشاط الاقتصادي، لتنويع الاقتصاد وخفض الاعتماد على عوائد النفط، وإيجاد موارد بديلة لرفد الموازنة العامة للدولة من مصادر الضرائب والرسوم والايرادات وتخصيص القسم الاكبر من الموارد النفطية وعائداتها لاغراض التنمية الاقتصادية والاجتماعية وفي إطار من التكامل والتوازن بين القطاعين العام والخاص.
تُشكِّل الاحزاب عاملاً فاعلاً في ترسيخ البناء المؤسسي في النظم الديمقراطية من خلال دورها في التنشئة السياسية، وتجميع المصالح العامة والتعبير عنها، واستيعابها للافراد والجماعات دون النظر الى انتماءاتهم الفرعية وانما بصفتهم مواطنين في الدولة فتحقق بذلك المشاركة السياسية فضلاً عن دورها في الانتخابات وتشكيل حكومات قوية ,وتقوم الاحزاب السياسية في النظم الديمقراطية المتقدمة بنشر ثقافة الديمقراطية والثقافة المؤسساتية من خلال اطارها المؤسسي الذي تعمل ضمنه، وطبيعة كوادرها وقياداتها، والتزامها بمبادئ الديمقراطية، وتعد الاحزاب ضماناً لبناء المؤسسات السياسية القوية في دول العالم المتقدم (2) ، اذ لا يقتصر بناء مؤسسات النظام السياسي الديمقراطي على الانتخابات، ووجود برلمان، ومؤسسات تشريعية وتنفيذية وقضائية فحسب بل يتطلب ايضا وجود ثقافة ديمقراطية ولا يتحقق هذا الا بوجود احزاب سياسية تتوافر على هيكل وبنية تنظيمية مؤسسية تهيئ البيئة المؤسساتية التي يجري فيها تدريب واعداد القيادات السياسية للمستقبل, ويظهر ذلك مدى الحاجة الى تشريع قانون للاحزاب السياسية في الدولة العراقية(3). إن ضعف الهوية الوطنية لصالح هيمنة انتماءات ضيقة يعني ضعفاً في البناء الدستوري والسياسي الداخلي. ويعني تسليماً من “المـواطن” بـأن “الوطن” ليس لكل المواطنين، وبأن “الوطن” هو ساحة صراع على مغانم فيه، لذلك يأخذ الانتماء إلى طائفة أو مذهب أو قبيلة بعداً أكثـر حصـانة وقوة من الانتماء الوطني الواحد، كما يصبح الانتمـاء الفئـوي مركبـة سياسية يتم استخدامها للحفاظ علـى مكاسـب سياسـية أو شخصـية أو لإنتزاعها من أيدي آخرين حاكمين. والحقيقة التي يجب أن نفهمها هي إن الفكرة التي تُشير إلى أن الديمقراطية يمكن أن تنشأ من القوة الخارجية قد تواجه العديد من العقبات والمشاكل وتشير إلي أن النظام السياسي في العالم يعتمد علي الظروف والمحيط الخارجي وبالنسبة للعديد من دول العالم الثالث فان النسبة عالية من ميزانية الدول تذهب إلي دعم التنمية من خلال التبرعات الخارجية واقتصاد هذه الدول يعتمد كثيراً علي الاسواق العالمية ونهاية الحرب الباردة إدى إلي التغير السياسي في المناطق العديدة وكان لها تأثير هام علي التنمية السياسية في الدول والمناطق الاخرى. ومعظم دول العالم الثالث قد تمكنت من الوقاية من التدخل الاجنبي عند الاستقلال والتحرر ولكن قبل ذلك فانها كانت تعاني من الاستعمار الذي يتدخل في الشؤون المحلية والتي تركها عاجزة عن تحقيق الديمقراطية بحيث أننا لن نبالغ عندما نشير إلي أن الشؤون المحلية أو الداخلية لابد أن تكون مستقلة عن الشؤون الخارجية والجهود الداخلية نحو دعم الديمقراطية تمثل عنصر من العوامل الدولية التي تؤثر في التنمية الداخلية في الدول.
————————–
1-محمود عبد الرحمن خلف الزيدي، سياسة تركيا الخارجية مع دول الجوار العربي (العراق وسوريا) 1980-1993، رسالة ماجستير غير منشورة)، معهد الدراسات القومية والاشتراكية، الجامعة المستنصرية، بغداد، 2002، ص25
(2-شادية فتحي ابراهيم ، الاتجاهت المعاصرة في دراسة النظرية الديمقراطية، المركز العلمي للدراسات السياسية، عمان، 2005، ص41
. 3- لاري دايموند، الديمقراطية تطويرها وسبل تعزيزها، ترجمة فوزية ناجي الرفاعي وزارة الثقافة، بغداد، 2005، ص72