الرئيسية / مقالات / مصطلحات قرآنية والبصرة (ح 88): الأنهار (وجعل فيها رواسي وأنهار)

مصطلحات قرآنية والبصرة (ح 88): الأنهار (وجعل فيها رواسي وأنهار)

فيينا / الخميس 15 . 05 . 2025

وكالة السيمر الاخبارية  

د. فاضل حسن شريف
 
جاء في جريدة القبس عن البصرة كما كانت البصرة كما هي الآن 5 أنهار البصرة في جريان فينسيا الأقاليم الاستوائية  بتأريخ 2005 للدكتور جمال حسين: لا ينقضي يوم البصري، دون أن يعبر جسرا ونهرا. ولولا النهر لما كانت البصرة. بتواصل المعنى يكمن سر المدينة الأوحد: لا توجد بصرة بدون نهر. تولوا أمره وجعلوا من النهر كل شيء حي في المدينة المقبلة فقرّت نوايا البصريين الأوائل، أولئك الذين مزجوا التراب والرمل بالنهر ليشيدوا أول القصور بعد اندثار حضارات وادي الرافدين وجمـّلوها بأوراق الشجر وأسندوها بلحائها وجذوعها، في مسيرة بناء الامبراطورية التي ستجتاز الشمس الضوئية نفسها، وتنقلب على محورها لتستلهم الشروق والغياب على أرجائها. أدرك المؤمنون القادمون من الرمال العربية العظمى قبلنا بكثير من الدهور أن لا بصرة بلا نهر، فما هادنوا الصحراء.. نبشوها وحفروها على امتداد السنين، لتنفجر الأرض انهارا جددا، ولتولد معها البساتين وزهو النخلات الأولى التي دكت جذوعها في شمال الزبير. تصادفك الأنهار أينما حللت في المدينة، صنوفها (الثلاثة الكبار) المعروفات بشط العرب والفرات ودجلة ونحو 600 نهر كبير تتفرع منها ومقبلا من الأهوار التي تنضم اليها (هيدرولوجيا)، هاديا الى أكثر من 10 آلاف نهر فرعي وجدول ونهير وقناة. وفي زمانه عدها (البلاذري) بحوالي 120 ألف نهر، درس وطمر وتوارى أغلبها بفعل سلوك الطبيعة مرة واهمال الانسان مرات وعدم درايته واهتمامه لإصغاء موجاتها وسحر فوائدها مرات ومرات. ولكثرة الأنهار فيها أطلق عليها الكلدانيون تسمية (بصريا)، أي (القنوات) كدلالة على وجود الكثير من الأنهر الصغيرة فيها منذ تلك الأزمنة. ولم تكتب صفحة واحدة أو كتاب أو مذكرات لرحالة أو ولاة أو جغرافيين ومؤرخين، دون التقدمة الحتمية لروح النص العالق بالمدينة: أنهارها. المورد المتيسر: عاش البصريون على بركات الأنهر بموازاة ظرف قاس دبّجه (التصنيف المناخي) لها لوقوعها في منطقة صحراوية حارة لا يتجاوز معدل سقوط الأمطار على أراضيها 133 ملم في العام بتوزيع غير منتظم لا يكفي حاجاتها في ظل ارتفاع كبير في درجات الحرارة طوال أيام السنة حيث تختفي الغيوم نهائيا عن سماء البصرة لـ 224 يوما في السنة. وتنحصر هنا أهمية منظومة الأنهار وشبكاتها في حياة الناس وزراعتهم والتي بدونها يصبح السكن فيها مستحيلا. وما زالت أنهار البصرة مصارف الحياة ومورد الناس المتيسر مجانا بجريان المجرى القديم للفرات القادم الى المدينة من الناصرية بموازاة الضفة الشمالية لهور الحمـّار ملتقيا بدجلة في القرنة في توليفة أثيرية أنجبت شط العرب. وبحساب بسيط تمتلك البصرة 40 كيلومترا من الفرات و90 كيلومترا من دجلة وكل شط العرب البالغ طوله من القرنة حتى مصبه في الخليج 195 كيلومترا. هذه الكيلومترات واحدة من أسرار ثراء المدينة، أضف إليها القنوات والأنهار الكبيرة التي عددناها، والمصارف التي تبدأ في (كرمة علي) و(الغميج) و(الشافي). وأكثرها هيبة وسعة قبل الوصول الى مركز البصرة نهر كرمة علي المتكون من التقاء نهري (المسحب) و(الصلال) الممتدين الى عمق هور الحمـّار. وتزداد شبكة المياه فائدة وأهمية عندما يلتقي نهر كرمة علي بشط العرب عند جزيرة السندباد الساحرة الجمال. غير أن دجلة يفقد الكثير من مياهه قبل دخوله البصرة في الأهوار الوسطية والشرقية المعروفة بـ (هور الحويزة). وفي الوقت نفسه يسترد دجلة جزءا من مياهه الى البصرة عن طريق أنهار الخرص وأم الجري والكسارة والروطة والخفتيري ومن الوسط أنهار الهدامة والصريفة والسفحة وفوت وبريخ والهز، ليزيد عرض دجلة خمس مرات واصلا الى 160 مترا قرب القرنة.
 
عن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله عز وعلا عن الأنهار “وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا ۖ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ۖ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” ﴿الرعد 3﴾ قوله تعالى: “وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ” وبسطها بالشكل الذي تتهيّأ فيه لحياة الإنسان ونمو النباتات والحيوانات، وملأ الأودية والمنحدرات الصعبة بالتراب من خلال تفتّت الصخور الجبليّة، وجعل الأرض مسطّحة وقابلة للسكن، بعد أن كانت التضاريس مانعة من سكن الإنسان عليها. وقد يحتمل في تفسير هذه الجملة “مدّ الأرض” الإشارة إلى ما يقوله علماء الطبيعة من أنّ الأرض كانت مغطاة بالماء. ثمّ إستقرّت المياه في الوديان ظهرت اليابسة، وبمرور الوقت اتّسعت حتّى أصبحت على ما نراه اليوم. ثمّ يشير القرآن الكريم إلى ظهور الجبال “وجعل فيها رواسي” فهي تلك الجبال التي عبّرت عنها في آيات أُخرى بـ(الأوتاد) ولعلّ ذلك إشارة إلى أنّها متشابكة فيما بينها من الأسفل مثلها مثل الدرع الواقي وتغطّي سطح الأرض، فهي تبطل الضغوط الداخلية في الأسفل والضغط الخارجي المتمثّل بجاذبية القمر والمدّ والجزر. وكذلك تقضي على الإضطرابات والزلازل، وتجعل الأرض مستقرّة وساكنة وصالحة لحياة الإنسان. إنّ ذكر القرآن الكريم الجبال بعد مدّ الأرض يُحتمل أن يكون المراد منه أنّ الأرض ليست منبسطة بشكل تامّ بحيث تنعدم فيها المرتفعات، ففي هذه الصورة لا تستقرّ فيها الأمطار والمياه، أو تتحوّل إلى مستنقعات وتجري فيها السيول وتتعرّض للطوفانات الدائمة، فخلق الجبال لتأمن البشرية من هذين الأمرين. وليست الأرض كلّها جبالا وودياناً فتكون غير قابلة للسكن، بل تحتوي على مناطق منبسطة ومناطق جبلية ووديان، وهذه أفضل صيغة لحياة الإنسان والكائنات الحيّة. ثمّ تضيف الآية بعد ذلك الأنهار “وأنهاراً”. رائع جدّاً نظام سقي الأرض بواسطة الجبال، وعلاقة الأنهار بالجبال، لأنّ كثيراً من الجبال تختزن المياه بشكل ثلوج على قممها وفي شقوق الوديان، ثمّ تذوب تدريجيّاً، وطبقاً لقانون الجاذبية تأخذ طريقها من المناطق المرتفعة إلى المناطق المنخفضة بدون أن تحتاج إلى قوّة أُخرى لمساعدتها، فهي تقوم بسقي كثير من المناطق وبشكل طبيعي على مدار السنة. فلو لم يكن للأرض إنحدار كاف ولم تختزن الجبال المياه بهذا الشكل، لكان سقي كثير من المناطق اليابسة صعباً، وفي حالة الإمكان كُنّا نحتاج إلى صرف مبالغ هائلة لإيصال الماء إليها.
 
جاء في موقع الإندبندنت العربية  بتأريخ أغسطس 2020 عن “العشار” أشهر أنهار البصرة يئن من فداحة التلوث للكاتب ماجد البريكان: إهمال بعد اهتمام: على مدى مئات السنين كان النهر يحظى بالعناية والاهتمام باعتباره الشريان الأبهر للمدينة، حتى أن ضفافه قبل توفر الكهرباء كانت تُضاء بقناديل زيتية، وبهذا الصدد نشرت جريدة “بصرة” الرسمية في عددها الثاني عام 1889 مقالاً انتقادياً، جاء فيه أن “الواسطة الوحيدة التي تربط بلدة البصرة بشط العرب هو نهر العشار، وقد رتبت البلدية على حافته فوانيساً تشعَل بالليل ليسهّل المرور والعبور على المارة وأصحاب المصالح، ولكن الأسف كل الأسف أن هذه الفوانيس لما ابتعدت عن نظر الفحص أخذت تتنازل في الضياء، فانمحت الفائدة المطلوبة من وجودها، إن المراكب البحرية والنهرية أغلبها يصل في الليل، فيضطر الناس للمجيء من العشار إلى البصرة في النهر ليلاً، فألزم ما يكون أن نعتني في تنوير طريقها ليسهل المرور على الناس، فكيف وأنت ترى الناس يتخبطون في الظلمة المدلهمة خبط عشواء، بل عمياء”. وتشير صفحات من تاريخ البصرة إلى أن النهر تم تهذيب أعماقه في عهد الوالي العثماني محمد هدايت باشا عام 1878، وأُعيد تعميقه عام 1890 في زمن الوالي عبد الله باشا، وكذلك تم حفره وتنظيفه عام 1904 في زمن الوالي فخري باشا “أبو الگواني”، ومرة أخرى تم تحسين أعماقه وترميم ضفافه عام 1910 بأمر الوالي سليمان نظيف بك، وباعتبار النهر ضرورة حياتية كان تطهيره من الأعمال المبهجة للبصريين. وفي عددها “531”، نشرت جريدة “بصرة” عام 1910 خبراً يفيد بأن “يوم السبت الماضي فُتح نهر العشار الذي كان مسدوداً لأجل التطهير، وكان حاضراً آنذاك جمعٌ غفيرٌ من الأهالي، والموسيقى البحرية صدحت بنغماتها المطربة، وأخذت القوارب والزوارق تأتي وتذهب في النهر على عادتها السابقة”. وخلال العهد الملكي تم حفر النهر وتطهيره مراراً وتكراراً، وتم أيضاً تسييجه في عهد الملك فيصل الثاني، ولما كان العراق مع بداية الثلاثينات يمر بضائقة اقتصادية ناجمة عن تأثير الكساد العظيم لجأت السلطات إلى السخرة لتنظيف وحفر النهر، فأوكلت المهمة إلى السجناء، وجرت الأعمال تحت حراسة مشددة، وفي عام 1989 تم تنظيف النهر ورصف ضفافه بالحجارة، وبعد ذلك أخذ الإهمال يفتك بالنهر، حيث تفاقمت خلال التسعينات ظاهرة تصريف مياه المجاري في مجرى النهر، وتعمقت حالة الإهمال بعد عام 2003، فهجر الصيادون النهر لخلوه من الأسماك، وصارت مياهه التي كانت تعكس زرقة السماء داكنة لشدة تلوثها، ولم يعد أهل البصرة يرغبون بالتنزه على ضفافه اتقاءً للروائح المنبعثة منه.
 
وعن کتاب من هدى القرآن للسيد محمد تقي المدرسي: قوله عز وجل “وَأَنْهَاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ” (الرعد 3) لقد مد الله الأرض وجعل فيها رواسي شامخات لتحفظها من الميلان والتحرك، وخلق فيها من كل شي‌ء زوجين اثنين، وأولج النهار في الليل، والليل في النهار. ألا يدعونا ذلك إلى البحث عمن ينظم هذا الكون، وألا يدلنا ذلك على وحدة المنظم، فلو كان المنظم أكثر من واحد هل حدث مثل هذا التناسق العجيب في الكون؟
 
جاء في شبكة البصرة بتأريخ 24 كانون الثاني 2023 من ذاكرة نظران والمعقل بين نظران والمعقل رحلة عبر الزمن للكاتب حسين العطية: وأنت تسير في شارع گازينو لبنان في كوت الحجاج مقبلا من جهة العالية وقبل وصولك إلى تقاطع الشارع التجاري تشاهد إلى يمينك طريق فرعي يوصلك إلى محلة نظران و(معمل المسامير) الذي أصبح اسما بلا مسمى وقد بنيت على جانبي هذا الطريق الفرعي الدور الحديثة والعشوائيات. إن الغالبية العظمى منا قد لايعرفون قصة هذا الطريق الذي كان مسارا لسكة قطار الحمل يوما ما تحيط به بساتين النخيل التي ترتطم سعفاتها بعربات القطار من الجانبين أثناء مروره حتى محطته الأخيرة في نظران. كان ذلك سنة 1914 عندما احتلت القوات البريطانية البصرة في الحرب العالمية الأولى، أنشأت عدة خطوط سكك حديد لنقل المعدات العسكرية والاسلحة من ارصفة ميناء المعقل إلى بغداد والشعيبة ومنطقة نظران في البصرة القديمة. الا أن هذهِ الخطوط تحولت لنقل البضائع التجارية بعد انتهاء الحرب وتحويل ميناء المعقل من ميناء عسكري إلى ميناء تجاري مدني سنة 1919. وكان هنالك خط آخر لنقل الأسلحة والمعدات الحربية إلى الجبهة الروسية في الحرب العالمية الثانية يمر بجزيرة السندباد التي كانت تسمى آنذاك (جزيرة ام الفحم) لأن الانكليز اتخذوها مخزنا لتخزين الفحم ونقله إلى روسيا بواسطة القطار عبر جسر (هيل) الخشبي الذي يربط هذهِ الجزيرة بضفتي شط العرب مرورا بالأراضي الإيرانية والذي تم بناؤه سنة 1942 وسمي الجسر بهذا الإسم نسبة إلى المهندس هيل الذي قام بإنشائه. نعود إلى سكة قطار الحمل إلى نظران في البصرة القديمة والتي تبدأ من ميناء المعقل وتنتهي فيه، متخذة مسارها جنوبا مرورا بسوق مارگيل القديم قرب التجنيد القديم حيث يتوقف القطار لإنزال حمولته من الرقي، ثم تستمر عبر القاعدة البحرية بإتجاه الجبيلة وكان السايلو لم يبن بعد وتمر بالخربطلية والمفتية والحكيمية، ثم تنحرف السكة غربا بمحاذاة مقبرة الانكليز قاطعة شارع دينار (قرب مطعم فلس حاليا)، وتمتد بين سياج شركة نفط البصرة وبين معمل السينالكو في الحكيمية حيث يتجه فرع من السكة الى داخل شركة النفط والفرع الرئيسي يتجه الى (محلة الصبه) قرب معهد النفط (حي الصحة حالياً). كانت المنطقة المقابلة لحي الزهراء من معمل السينالكو إلى معهد النفط وبيت فرنگي والتي تمر فيها السكة بساتين عامرة وفيها تنتشر مجموعة من البيوت أملاك مشتركة حيث تمتد من معهد النفط من جهة الجمهورية ومن الشعبة الحزبية من جهة المكينة (شركة النفط) ويحدها من جهة حي الاطباء نهر الرباط. كانت هذهِ البساتين ترتوي من نهر الرباط الذي يأتي من جهة مكينة السوس بإتجاه النادي الاثوري ليمر بين منطقة الرافدين وگاع ابو عبيد. هذه الأرض وجسرها المتحرك الذي كان يفتح شدقية للسفن ومكينة السوس ومعمل البيبسي ومقبرة الانكليز وجراديغ نهر الرباط وأسياف الحبوب الممتدة على نهر الرباط وحنفيات السبيل على جرف نهير الليل.

وفق حرية الرأي والنشر يتم نشر هذه المادة والجريدة غير مسؤولة عما ينشر فيها من مواد واخبار ومقالات

اترك تعليقاً