السيمر / الاثنين 20 . 11 . 2017
عبد الباري عطوان / فلسطين
إذا صحّت النظريّة التي تقول أن المملكة العربيّة السعوديّة استدعت الشيخ سعد الحريري إلى الرياض، وأجْبرته على الاستقالة من رئاسة الوزراء من أجل خَلْق أزمةٍ سياسيّةٍ، وحالة فَوضى في لبنان تَنعكس سلبًا على إيران وحُلفائها، و”حزب الله” على وَجه الخُصوص، فإنّ هذا المَشروع السعودي أعطى نتائجَ عكسيّةٍ تمامًا، تَصُب في مَصلحة أعدائها، وتُقلّص نُفوذها، وتُحرج حُلفائها، وتَفرض عليها عَزلةً دوليّةً، وربّما إقليميّةً أيضًا.
قبل أن نَستطرد في الشّرح والتّحليل، لا بُد من التّأكيد على عِدّة نُقاط أساسيّة، وهي أن تَدخّل فرنسا ورئيسها إيمانويل ماكرون في الأزمة، وإرساله وزير خارجيّته إيف جان لورديان إلى الرياض، وتَهديده باللّجوء إلى مجلس الأمن إذا لم يتم السماح له بالمُغادرة في أسرعِ وقتٍ مُمكن، واستقباله على أعتاب قصر الإليزيه بحفاوةٍ غير مَسبوقةٍ، كلها عوامل تُؤكّد عمليّة “الاحتجاز″ ولا تَنفيه.
وزير الخارجيّة الألماني زيغمار غابريل، كان الأكثر تعبيرًا عن حالة الغَضب الأوروبي عندما طالب بضَرورةِ صُدور إشارةٍ مُشتركةٍ من جانب الاتحاد الأوروبي تُؤكّد أن روح المُغامرة التي تتّسع في مِنطقة الشرق الأوسط مُنذ عِدّة أشهر (في إشارةٍ إلى احتجاز الحريري وغيره) لن تكون مَقبولةً ولن نَسكت عنها”، وهذا المَوقف القَوي الذي دَفع الحُكومة السعوديّة إلى استدعاءِ سَفيرها في برلين احتجاجًا، كان رسالة تقول الكَيل الأوروبي “قد طَفَحْ”.
***
لا نَعرف كيف سَيكون رد فِعْل السيد الحريري تُجاه الأزمة وتَبِعاتها والسّياسات والمَواقف التي سيتّخذها في المَرحلةِ القادمة، ونُرجّح أنّه سيُفضّل الصّمت، وعدم التّعاطي بشكلٍ مُباشرٍ مع تفاصيل الأزمة، وما تردّد عن إهاناتٍ تعرّض لها، فالرّجل يُحب السعوديّة، ووُلِد فيها، وكَوّن والده مِلياراته من أعماله التجاريّة فيها، وفَوق كل هذا وذاك لا يُعتبر، أي الشيخ الحريري، رَجُلاً ثوريًّا يساريًّا، أو شيخًا من شُيوخ الصحوة، وسيُحافظ على الحَد الأدنى من علاقاتِه ومَصْلحته وأُسرته في السعوديّة.
ثلاثة أشخاص خَرجوا أبطالاً وحَصلوا على شعبيّةٍ ضَخمةٍ من جرّاء هذهِ الأزمة الحريريّة الخَشِنة:
الأول: الشيخ سعد الحريري الذي حَظِي بتعاطفٍ لبنانيٍّ وعربيٍّ غير مَسبوق بسبب ما تَعرّض له في الرياض، ولكن استمرار هذهِ الشعبيّة والتّعاطف مَرهونان بمَواقِفه القادمة، والسياسات والتّحالفات التي سيُقدم عليها، وقبل هذا وذاك فترة إقامته في لبنان طُولاً أو قُصرًا.
الثاني: الرئيس اللبناني ميشال عون الذي أدار الأزمة بطريقةِ رجل الدولة، وعلى درجةٍ كبيرةٍ من المَسؤوليّة، سواء من حيث شجاعته، أو جُرأته، وإصراره على أن رئيس وزرائه كان مُحتجزًا، ورَفضه الاستقالة حتى يلتقيه شَخصيًّا ويَسمعَ مِنه.
الثالث: إيمانويل ماكرون، الرئيس الفرنسي، الذي اعتبر أن “حُريّة الحريري وحَركته” قضيّته الشخصيّة، مِثلما هي قضيّة بلاده، وبَذلَ جُهودًا كبيرةً حتى نَجح في إحضاره إلى فرنسا ضيفًا عزيزًا مُكرّمًا، وأثبت أن فرنسا ما زالت “الأُم الحنون” للبنان، اختلفنا مع هذا التّوصيف أو اتفقنا، ومِثل هذا المَوقف قد يُكلّف فرنسا الكثير من الصفقات الاقتصاديّة مع دول الخليج، والسعوديّة بالذّات.
***
أزمة احتجاز السيد الحريري تَظل قمّة جبل الثّلج في المَشروع الأمريكي السعودي في لبنان وللبنان، لأن الأزمة السياسيّة التي جَرى التّخطيط لتَنفيذها كانت إعلان حرب على “حزب الله” والنّفوذ الإيراني من خِلاله، وجَر البلاد إلى حَربٍ أهليّةٍ بتحالفاتٍ طائفيّةٍ، وهذهِ الخُطّة، وإن تعرّضت لانتكاسة، بمُغادرة الحريري الرياض عبر البوابة الفرنسيّة، فإن احتمالات تَفعيلها ما زالت قائمة.
غابريل، وزير الخارجيّة الألماني، كان الأقوى تعبيرًا عن مخاطر المُستقبل الذي يُواجه لبنان، ليس بحَديثه عن “السياسات المُغامِرة” ، وإنّما أيضًا عندما حَذّر بصوتٍ عالٍ “أن لبنان يُواجه خطر الانزلاق مُجدّدًا إلى مُواجهاتٍ سياسيّةٍ خَطِرة، وربّما عسكريّة، ومن أجل ذلك نحتاج إلى عودة الحريري”، مُعتبرًا “أن لبنان لا يَنبغي أن يَتحوّل إلى لُعبةٍ لسورية أو السعوديّة أو غيرها”.
لا نُضيف حرفًا واحدًا على هذا الكلام الذي يَعكس صورةً دقيقةً لوَضع لبنان والمِنطقة من خلاله، وكُل ما نَستطيع قَوّله أننا نأمل أن يكون الشيخ سعد الحريري الذي التقيته في هامبورغ بعد استشهاد والده، في صلابةِ رفيق الحريري، وبُعد نَظره، وحِرْصِه على لبنان، وأن يَستمر في الصّفقة التي حقّقت أمنه واستقراره، وأبعدت شبح الحرب الثالثة عنه، وأعادته إلى رئاسة مجلس الوزراء زعيمًا وطنيًّا شعبيًّا، رَغم مُعارضة كِبار حِزبُه وحِلفُه.
هل يَفْعلها الشيخ سعد الحريري، ويَكون على قَدرِ المَسؤوليّة في هذهِ اللّحظة الحَرِجة من تاريخ لبنان؟ نأمل ذلك.
الديار