السيمر / الجمعة 20 . 04 . 2018
صالح الطائي
يحتاج بناء المجتمع وإعادة تقويمه وترسيخ قيمه ومبادئه، ولاسيما بعد الأزمات والنوازل التي يتعرض لها؛ مثل الحروب والفوضى والنزاعات الفرقية والمذهبية إلى جهد استثنائي علمي مخلص وصادق وجاد وغير نفعي ولا مصلحي أو تحزبي أو فئوي، فالمجتمع شرائح ومكونات تملك جميعها الحق نفسه، وعليها الواجبات نفسها، ويجب مساواتها والنظر إليها بمستوى واحد، كما يجب خدمتها والسهر على مصالحها وسعادتها، ولا أعتقد أن هناك جهة ما بإمكانها توفير هذه المطالب لشرائح المجتمع مثل الجامعة الناجحة. فعبر التاريخ العراقي الحديث كان السياسيون بمنأى عن الشعب، والشعب بمعزل عنهم، لا هم يصدقون مع انفسهم ومع شعاراتهم لينزلوا إلى المجتمع من بروجهم العالية، ويعيشوا معه همومه ومطالبه، ولا الشعب المغلوب على أمره يملك سلطة تفوضه الصعود إليهم، وطرح رؤاه ومشاكله عليهم.
بعد التغيير في 2003 وبعد تغير المعادلات والانفتاح الكبير، تخلص الشعب من خرسه، فلعلع صوته هادرا قابلا أو رافضا، مؤيدا أو معارضا، وأخذ يتطلع إلى أن تكون هناك مشاريع بناء حقيقية، تعوض عوزه التاريخي، ومطالبه المؤجلة، لا مجرد حبر على ورق وشعارات ووعود فارغة، ولكن الساسة، انشغلوا بمصالحهم، أو قيدتهم التبعية للمركز أو الاضطراب الذي أصاب ميزانية البلد، وأمور كثيرة أخرى لسنا بصدد الحديث عنها؛ عن خدمة الجماهير، ومن حاول أن يخدم، وجد الكثير من الموانع التي اعترضت مشروعه.
من هنا بدا الشعب يبحث عن منافذ جديدة ليعمل معها من أجل مصلحته وتحقيق بعض أحلامه الكثيرة المؤجلة، ولأن الجامعات في أغلب بلدان العالم هي التي تتولى القيادة الحقيقية للمجتمعات فكريا ونهضويا، وهي التي تأخذ على عاتقها تطوير المجتمع ثقافيا وزراعيا وصناعيا وعلميا وأدبيا وفنيا، فقد ارتأينا أن نتوجه إلى جامعة واسط لنطرح عليها رؤانا وتصوراتنا ومقترحاتنا ومشاريعنا، مع علمنا ويقيننا أن هناك بيننا وبينها جدارا وهميا يحول دون التواصل، ليس بسبب تقصير الجامعة التي تحمل على كاهلها وزر إعادة بناء المناهج التعليمية والتعاملية داخل أسوارها مع جيل من الشباب، بدأ يعشق التمرد، ويميل إلى العنف، ولا بسبب الشعب الذي وقف طويلا ينتظر مبادرة الآخرين، دون أن يبادر إلى مسك زمام الأمور فحسب، بل وبسبب الموروث التاريخي الذي رسم تلك الحيطان الوهمية وحولها إلى سواتر دفاعية يصعب اختراقها. وفي مبادرتنا التاريخية قررنا أن نجرب قرع أبوابها والبحث فيها عن سبل تزيح حيطان العزلة، وتحولها إلى قائد فعلي للمجتمع من خلال تعاون المجتمع معها، فحملنا همومنا، واخترنا مجموعة من الباحثين والأدباء والناشطين المدنيين والفنانين لنطرق بابها، فإذا بنا نجد بابها مشرعا على مصراعيه، ونجد رئيسها وبعض كادرها المتقدم يقفون بانتظارنا للترحيب بنا، بعد يوم العمل المجهد والطويل الذي عاشوه، والذي يبدو أنه يرفض الانتهاء حتى بعد حلول الظلام.
كان الاستقبال أكثر من رائع، وقد أصر رئيس الجامعة الأستاذ الدكتور هادي دويج العتابي على عقد الاجتماع في القاعة نفسها التي تعقد فيها الجامعة جلساتها، ليعطيها بعدا تقييميا، ويضفي عليها نوعا من الرسمية المحببة. وابتداء من الساعة الثامنة مساء وإلى ما قبل منتصف الليل بقليل، كان النقاش محتدما، وفدنا من جانب، ووفد الجامعة ممثلا برئيسها الأستاذ الدكتور هادي العتابي والأستاذ الدكتور محمد السويطي والدكتور علي خيري من جانب آخر. الغريب والمدهش في هذا اللقاء أننا كنا نشعر وكأننا فريق عمل واحد، لأننا لم نجد الحواجز التي كنا نتصور وجودها، بل وجدنا انصهارا تحول بموجبه الجمع إلى وحدة واحدة، تبحث عن حلول لمشاكل قائمة. وكان السيد رئيس الجامعة يناقش كل نقطة نطرحها بعمق ودقة، ويطلب من مرافقيه تسجيلها ووضع الشرح لها، على أمل أن تتم دراستها والبت فيها، واتخاذ ما يلزم بشأنها لاحقا. وقد تم اختياري خلال هذا الاجتماع ممثلا للمجتمع المدني، وعضوا في مجلس الجامعة للمتابعة والتنسيق.
ولأننا في العراق تعودنا أن نسمع الكثير ولا نرى من التطبيق على أرض الواقع إلا النزر اليسير، فقد بقينا نترقب ما ستقوم به الجامعة، وننتظر أخبارها لنعرف مدى جديتها في التعامل مع مقترحاتنا وطروحاتنا. بعد أسبوعين من ذلك اللقاء الرائع، وتحديدا يوم 16/4 اتصلوا بي وأخبروني أن مقترحاتنا أدرجت ضمن جدول أعمال الجلسة التاسعة عشرة لمجلس الجامعة التي ستعقد يوم 17/4، ومطلوب مني حضور الجلسة للمشاركة في دراسة ومناقشة الموضوع.
وبالرغم من وجود عشر فقرات على جدول الأعمال؛ كلها في منتهى الأهمية، إلا أن السيد رئيس الجامعة، اقترح أن تتم مناقشة موضوع الانفتاح قبل مناقشة أي فقرة أخرى، وفعلا تمت مناقشة أغلب الفقرات التي اقترحناها، وأصدر السيد رئيس الجامعة إلى السادة عمداء الكليات وأمين سر الجامعة الكثير من الأوامر التي يجب عليهم اتخاذها لفتح أبواب كلياتهم أمام التعاون مع المجتمع الواسطي، والنزول إلى المجتمع والتعامل معه ميدانيا ليفيد من خبرتهم وتجاربهم وعلومهم.
لفت نظري في هذا الاجتماع المهم جدا، والذي استضافته كلية الهندسة مشكورة أن السيد رئيس الجامعة لم يكن المتحمس الأوحد لمشروعنا، فلقد وجدنا أن السادة عمداء الكليات البالغ عددها خمس عشرة كلية علمية وأدبية، لم يكن حماسهم بأقل حتى من حماسنا نحن أصحاب القضية، ووجدنا لديهم الرغبة الصادقة والحقيقية في فتح آفاق جديدة للتعاون، بل وأقترح بعض السادة العمداء نقاطا جديدة لم تكن مدرجة ضمن ورقتنا التي قدمناها للجامعة، وقد أشعرنا هذا الموقف الجليل والصادق والمسؤول من السيد رئيس الجامعة والسادة العمداء بالاطمئنان الكبير، وزرع في نفوسنا الأمل بان يتحول التعاون بين الجامعة والمجتمع إلى نواة للبناء والإعمار والإرشاد والتطوير الذي تسعى إليه واسط الخير.
فضلا عن ذلك أعلمنا السيد رئيس الجامعة أن هناك ورقة عمل أدرجت فيها جميع المقترحات، تعمل الجامعة الآن على إنجازها، لتتم مناقشتها بالاشتراك مع ممثلي المجتمع الواسطي للتأسيس لعلاقة جديدة بين الجامعة والمجتمع، تتولى الجامعة من خلالها قيادة المجتمع علميا والإسهام في تطويره وتنميته، لتكون جامعة واسط أول جامعة عراقية تضع خبراتها في خدمة شعبها ومدينتها.