السيمر / السبت 21 . 07 . 2018 — بعد الفشل الحكومي في إدارة الملف الاقتصادي والذي تسبب في حدوث عجز كبير في الموازنة اضطرت الحكومة باللجوء الى صندوق النقد الدولي بعد مباحثات طالت عامين لسد العجز في الموازنة ، حتى اصبحت موازنة عام 2018 تقشفية جراء اجراءات وشروط صندوق النقد .
فيما طالب المتظاهرون الذين انطلقت شرارة تظاهراتهم من البصرة رئيس مجلس الوزراء ،حيدر العبادي بتوفير فرص عمل بعدما ارتفعت نسبة البطالة الى 40% ، ليقوم العبادي فور ذلك بإصدار قرار يتضمن اطلاق 10 آلاف درجة وظيفية وتخصيصات مالية من احتياطي الطوارئ للبصرة ، ويتجه الان الى تنفيذها بإشرافه ومتابعته بعد ثلاث سنوات من توقف التعيينات التي كان ضمن شروط الاتفاق مع صندوق النقد الدولي .
الشروط “المذلّة” كما يصفها اقتصاديون، استغلّت الوضع المالي الصعب للبلاد، في ظل تهاوي مداخيل النفط آنذاك، ولاسيما أنها تفرض رقابة مالية دولية على البرنامج الحكومي للإصلاح الاقتصادي، في الوقت الذي كان العراق في حرب مع تنظيم داعش الارهابي ، دفعت هذه الشروط العراق الى مصير مجهول يعاني منه ابناءه حالياً واحفاده مستقبلاً من قلة التعيينات او انعدامها ليصل الحال الى مظاهرات واحتجاجات غاضبة تجتاح عشرة محافظات .
هذا الاتفّاق لم يكن الأوّل، فقد سبقه اتفاقان: أحدهما في عام 2005، ويتعلق بتسوية التزامات العراق مع الدائنين في اطار نادي باريس، والآخر في عام 2008، لمعالجة تداعيات الانخفاض الكبير في اسعار النفط آنذاك.
شروط صندوق النقد الدولي على العراق
بعد ان وافق صندوق النقد الدولي، في ايار 2016على إقراض العراق 13 مليار دولار لسد حاجته المالية، على مدى 10 سنوات، بفائدة قيمتها 1.5%، فرض مجموعة شروط ألزم الحكومة العراقية بتنفيذها في موازنات الدولة المقبلة، لحين تسديد القرض، وكانت هذه الشروط:
1 – قيام الحكومة العراقية باتخاذ الإجراءات الكفيلة بتخفيض النفقات في الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2016.
وقامت الحكومة آنذاك بإيقاف التعيينات لمدة ثلاث سنوات باستثناء الصحة والتعليم والوزارات الامنية ، بالإضافة الى تخفيض موازنة عام 2018 بواقع 13 مليار دولار، فضلاً عن فرض ضرائب صارمة على السلع المباعة في المراكز التجارية والمولات وصالونات الحلاقة الرجالية والنسائية، وتحسين مستوى الرقابة المصرفية لمحاربة الفساد وغسل الأموال.
2 – اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتسوية مستحقات الشركات النفطية، وعدم السماح بتراكمها.
3– إخضاع كامل الراتب والمخصصات لكبار موظفي الدولة، والدرجات الوظيفية العليا، والخاصة، لضريبة الدخل. وتتراوح هذه الضريبة “حسب شرائح الدخل المختلفة” ما بين 7.5% الى 15 % من اجمالي الراتب والمخصصات، أمّا الدرجات الوظيفية الدنيا، فتفرض عليها ضريبة دخل على الراتب الإسمي فقط، دون المخصصات
4 – اعادة تأهيل “أو اعادة هيكلة” الشركات العامة الممولّة ذاتياً.
5- العمل الجاد على رفع كفاءة اداء الأجهزة المالية والرقابية في البلد، وعلى جميع المستويات، وفرض رقابة صارمة على ابواب التصرّف بهذا القرض.
6- ايجاد موارد مالية بديلة عن النفط وخفض النفقات وتشغيل الشركات المملوكة للدولة.
قيمة موازنة 2018 قد بلغت 77,5 مليار دولار، بعجز بلغ 11 مليار دولار، مع تخفيض نسبة إقليم كردستان في الموازنة من 17 بالمئة إلى 12,6.
واعتمدت الموازنة على سعر بيع النفط بـ 46 دولاراً للبرميل بمعدل يبلغ ثلاثة ملايين و888 ألف برميل باليوم، من ضمنها 250 ألف برميل من النفط المنتج في إقليم كردستان، أي ان ايرادات النفط فقط تبلغ في اليوم الواحد178,848,000 في اليوم الواحد بقيمة 5 مليارات و356 مليون دولار .
لكن بعد ارتفاع سعر البرميل لـ70 دولار ارتفعت الايرادات لتصل الى 272,160,000 مليون دولار ، أي 8 ونصف تريلون في الشهر ،كما ان إجمالي النفقات يقدر بنحو 108 تريليونات و 113 مليونا و 913 ألفا و506 دنانير، ولازال حال المواطن كما هو بلا تغيير يذكر.
عضو اللجنة المالية ،النائب السابق ماجدة التميمي تقول في حديثها لـ( وان نيوز) ان :”العراق يعاني من مشكلة المبالغة في الاعتماد على الايرادات النفطية التي قد تصل اكثر من 93% ،و %7 او اقل على الايرادات غير النفطية في موازنات عام 2005 الى 2018 “.مشيرة الى ان ايرادات الجمارك والضرائب لا تذهب الى خزينة الدولة لكنها تذهب الى جيوب الفاسدين.
وتتابع التميمي بقولها :” نحتاج الى سلطة القانون لمحاسبة الفاسدين ،ومراجعة كل التشريعات بعد 2003 التي القت اعباء مالية على الموازنة ، فضلاً عن حذف الامتيازات وتوزيع موارد الدولة بشكل عادل على الشعب، بالإضافة الى ايقاف اللجوء الى القروض التي تكلف العراق التزامات واجراءات مستقبلية لأحفادنا نتيجة فشل الادارة المالية والنقدية” .عادة هذا الموضوع (جريمة).
وقالت :” هناك قوانين شرعت نتيجة لردود افعال عاطفية على قوانين النظام السابق ،والقت بأعباء مالية كبيرة على الموازنة “.
وتؤكد من خلال حديثها لـ(وان نيوز) انها بصدد كتابة برنامج اصلاحي نقدي. مشددة على انها ستكون ورقة مختلفة .
وتسترسل :” تتخلل هذه الورقة خطوات عملية في اصلاح السياسة المالية والنقدية فيما لو طبقت خلال 6 اشهر او سنة ستحدث انعكاس واضح على المجتمع ورفاهيته ،و اعتمدت بهذه الورقة على تجارب الدول المتقدمة”. وتردف ان سياسية الاصلاح التي اقدمها تهتم بتعظيم الموارد غير النفطية.
وتتحدث بلهجة استغراب :” جل اعضاء الحكومة يحملون جنسيات اجنبية وكنت أتأمل ان ينقلوا ولو تجربة صغيرة ناجحة الى العراق لكن هذا الموضوع لم يحصل “.
ومن جهته دعا المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي الحكومة الى إيجاد حلول آنية لتلبية المطالب المشروعة للمتظاهرين مؤكدا على ضرورة وضع خطط استراتيجية لتلافي حصول الازمات.
جاء ذلك بعدما استقبل بمكتبه في النجف الاشرف السيد يان كوبتش رئيس بعثة الامم المتحدة في العراق .
واكد المرجع الديني في بيان له :” اغلاق باب التوظيف منذ ثلاث سنوات تقريبا بحجة التقشف او الترهل الوظيفي او استجابة لشروط البنك الدولي قتل الأمل في نفوس مئات الالاف من الشباب والخريجين، وكان يمكن إبقاء هذا الأمل من خلال ملئ الشواغر بسبب حركة الملاك او استحداث وظائف ضرورية جديدة، خصوصاً وان الازمة المالية قد انفرجت بشكل ملحوظ بعد تجاوز سعر برميل النفط 70 دولاراً بينما الميزانية مقدرة على سعر 46 دولاراً، وكذلك فإن الخدمات التي يطالب الشعب بتحسينها لا يصعب توفيرها ولو تدريجياً لكن الآفة الكبرى وهو الفساد لا يدع مجالاً لأي إنجاز، مضافاً الى عدم وجود ارادة حقيقية للمعالجة”.
وفي هذا الصدد يتحدث عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار ،النائب السابق عبد الكريم النقيب لـ(وان نيوز) ان :”لا يفترض بالعراق اللجوء الى صندوق النقد الدولي او الى اي دين خارجي الا بعد بناء البنى التحتية ،وبناء مشاريع اقتصادية، فضلاً عن تنويع موارد الدولة “.
ويضيف ان :” سد العجز بالاقتراض هي خطة اربكت الاقتصاد واثقلت كاهل العراق بالديون ، لاسيما وان ديون البنك الدولي تتضمن اشتراطات كثير منها تقيد الاقتصاد العراقي بقيود تضعه في حرج شديد”.
ويشير الى ان :” اللجوء الى صندوق النقد غير مدروس، ويجب ان يكون هناك تمويل لمشاريع استراتيجية او مشاريع بنى تحتية ، بالإضافة الى تنويع الايرادات من اجل سد الفجوة في الموازنة عن طريق الايرادات غير النفطية”.
اما الخبير الاقتصادي ،همام الشماع يقول اثناء حديثه لـ(وان نيوز) ان :” قرار توقيع الاتفاقية مع صندوق النقد اصدرت في وقت كان العراق يعاني من ضائقة مالية كبيرة بسبب الحرب مع داعش، وكان واللجوء الى صندوق النقد مسالة مهمة في حينها رغم انها اثقلت كاهل الاقتصاد العراقي “.
ويضيف ان :” الدولة الان تتمتع بفائض بسبب تفاوت اسعار النفط عن ما هو مقرر في الموازنة ، فضلاً عن انتهاء الحرب ، ويمكن ان تستخدم حكومة تصريف الاعمال هذا الفائض لإيفاء القروض وتلبية مطالب المتظاهرين”.
ويتابع :” شروط النقد الدولي قد تكون احيانا حق، واحيانا اخرى حق يراد بها باطل ، وفي حالة العراق كانت حق والباطل جاء من الحكومات المتوالية التي انفقت الاموال بطريقة غير مشروعة ،واصبح العراق من خلالها يعاني من ديون متراكمة وعجز في ميزانياته”.
مشكلة العجز المالي انتهت
هذا ما يؤكده المستشار الاقتصادي والمالي لرئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي مظهر محمد صالح في بيان له إن “العراق تجاوز أزمته المالية من خلال التدفقات المالية لموازنة عام 2018 المتحققة من ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية التي وصلت إلى 64 دولاراً للبرميل الواحد”.
ويلفت الى أن “مشاكل العجز والاستدانة والاقتراض أصبحت من الماضي بسبب ارتفاع أسعار النفط”، لافتاً إلى أن “الوضع بات مريحا أكثر مقارنة مع الأشهر الماضية ،الأمر الذي منح الحكومة القوة في تجاوز أزمتها المالية الخانقة”.
ويؤكد أن “تنفيذ بعض الاحتياجات أصبح أكثر مرونة من السنوات الماضية بفعل الدفق المالي الحاصل في الصادرات النفطية”، مبيناً: “لو كان البرلمان موجودا لأرسلت الحكومة موازنة تكميلية تتضمن ارتفاع أسعار النفط لإقرارها”.
ويبين أن “الفائض المتحقق في الموازنة الحالية لا يمكن التلاعب به، لأنه غير مضمون في مشروع قانون الموازنة وسيتم تدويره في الموازنة المقبلة على اعتبار أن البرلمان انتهت دورته الحالية ولا يمكن إرسال موازنة تكميلية لإقرارها”.
ويتابع أنه “في حال انعقاد البرلمان الجديد خلال الشهرين المقبلين بالإمكان إرسال قانون الموازنة التكميلية لإقرارها حتى تتمكن الحكومة الجديدة من صرف الأموال على بعض المشاريع المستحقة والمتوقفة”.
وتابع أن “هناك أموالاً واجبة الدفع على الحكومة العراقية كرواتب للموظفين والمتقاعدين والرعاية الاجتماعية وتسديد الديون ونفقات المشاريع الاستثمارية تصل قيمتها الشهرية إلى سبعة /أو ستة تريليونات دينار”، مؤكدا أن “هذه المبالغ ستقطع من مبيعات النفط الشهرية التي تصل إلى 9 تريليونات”، مبيناً أن “المتبقي من هذه المبالغ يتم ترحيله إلى الأشهر القادمة”.
أما بشأن الديون المترتبة على الحكومة العراقية، يقول إن “ثلث ديون العراق تخضع إلى ديون نادي باريس الذي لم تجرِ تسويته”، منوها إلى أن “هذه الديون غالبها ديون سيادية تعود لبعض دول الخليج العربي”.
وكانت اللجنة المالية النيابية، قد كشفت العام الماضي أن حجم قروض العراق الداخلية والخارجية بلغت 123 مليار دولار، منتقدة سياسة الاقتراض التي تنتهجها الحكومة، ودعتها الى اتباع سياسة التقشف.
ويشار الى ان العراق ونتيجة للظروف المالية الصعبة التي مرت بها، لجأ سابقا إلى الاتفاق مع 22 مؤسسة دولية ومحلية للاقتراض منها لسد عجز الموازنة الاتحادية البالغ 13 تريليون دينار، في حين تنتظرها فوائد تقدر بـ8 تريليونات واجبة السداد.ولجأت الحكومة إلى الاستدانة من المصارف داخلية وخارجية في الأعوام الماضية لسدّ نفقات الحرب على داعش التي رافقت عمليات التحرير هبوط كبير في أسعار النفط العالمية مما اضطر الحكومة إلى اللجوء للقروض الخارجية.
وان نيوز