الرئيسية / مقالات / ابن الرب

ابن الرب

السيمر / فيينا / الاثنين 12 . 08 . 2019

غزوان البلداوي

كما في كل مرة يتربع على صومعته، وسط حشود الممحلقين في وجهه، وهو يشحذ لسانه، كشحذه للخنجر، ليمضي كلامه في عقول المستمعين، لكنه يفشل كعادته، فالشحذ بالحجارة لا يشبه الشحذ في الصخر، لأنها يا سيدي لم تمضي في حده.

يتحدث وكأنه ابن الأنبياء, او احد الأوصياء,  او عبقري من عباقرة التاريخ, او ولي من أولياء الله على شعب العراق المسكين، يتحدث وكأنه يحمل في قلبه همومهم وأحزانهم، لكن الواقع يتحدث في غير هذا، فلا فصاحة توحي بإرث الأنبياء, ولا حكمة تنم عن عقول الأوصياء, ولا أقوال خالدة بخلود العباقرة, ولا فيه من الهيبةِ والوقار تدل على ولايته, ولا مظهره يوحي بأبوة الفقراء، ولا هذا ولا ذاك.

فما بين أفعاله وأقواله، مد البصر في صحراءٍ قاحلةٍ، فرتلِ السياراتِ الحديثةُ الفارهة الباهظة الثمنِ، السائرة في موكبه، لا تفضي عن البساطة, ولا مِشيَته المترنحةُ بين الناس توحي بالتواضع، فمن رآه وهو يسير بين الفقراء، كأنه نازلٌ من السماء، لا يقول انه ابن أتقياء، تبختره بين العامة، بجسده الضخم المثير الذي يرادم اجساد الفقراء، فيرميهم عنه مسافة ميل وما قارب، يخلو من الرحمة، ليس في نظرات عيونه نعمة, ولا في وجهه سماحة بسمة، فليعذروني لقصر بصري, وضعف بصيرتي, غولٌ يطأ رؤوس الناس في زحمة الطريق، ينفث فيهم ناراً تخرج من انفه، اشبه بتنين رسمت صورته على وجه غلاف رواية، تتحدث عن الأساطير حول تنينٍ يلفح بلهبه وجوه النَّاس.

قلبي اسود؟ نعم فهو كذلك، سودته افعال اتباعه المشينة، قتلٌ وضربٌ وإهانةٌ, واعتداءٌ على كل من ينقده، او  يعترض على تصرفاته، كأنه ابن الرب، الذي امر رعاة أغنامه المملوءة قلوبهم حقداً على رعيته، الذين اخشوشنت اقدامهم الحافية بأشواك الصحراء، ان يجدعوا ظهور الرعية الساكنين جحور القصر، ليرسموا بسياطهم ابتسامته المدفونة بين ثنايا وجهه المنتفخ، على ظهورهم الخاوية، في ليلةٍ ظلماء, من النور خالية, عند درجة حرارة تسقع الهواء فيها, وهم عراة لا تسترهم غير مآزرهم التي مزقتها اعذبة السياط، وهي ترتل اناشد الفرعنة، على مسامع العبيد.

كلامه عن الاصلاح، لا صلة له الا بالخراب، فَلَو بحث عن اصلاحه بمقدار بحثه عن المواقع الحكومية الفاخرة, ومناصب الدرجة الاولى في الدولة، والأماكن السيادية الكبيرة المثرية, لقطفنا ثماره حتى وان كانت غير ناضجة، او يا ليته قد منحها لعراقيين شرفاء عسى وان نرى منهم خيرا، لكنه وهبها لعدد من الاتباع معروفين ظاهرياً, ومتخفين إعلامياً، نواب ووزراء وأسياد ومدراء، ووكلاء وسفراء، عشرةٌ عشرون, مئةٌ مئتان, الفٌ ألفان، لا بل يزيدون على ذلك، ليقضموا البلاد قضم الإبل لنبتة الربيع.

يريد ان يصنع من نفسه فرعوناً للعراق، دويلات داخل دولة، همجٌ تابعون وعرابون جشعون، يغزون كل نافذةٍ في جسد العراق المنهوش من احزاب السلطة، كلهم يشتمون الحاكم, ويلعنون الكرسي, يوالونه بموالات المغانم، ويلعنون دولته بعدما يرمونها عظاماً بلا لحم، مكسيةٌ بجلدٍ اسود تلون من جراء افعالهم المغبرة، وأقوالهم المدبرة.

صرنا نراهم كمصاصي دماء، يسكنون انفاق السياسة المظلمة، تلك الإنفاق المملوءة بريح الفساد النتنة، يخافون الخروج للعلن، من الشمس التي ستحرقهم إِنْ اصابهم شعاعها، الى متى سيختفون، حتماً سيفضحهم آخرون وآخرون، نبذوا فسادهم وتركوهم يهرعون الى ملاذٍ كانوا يعتقدونه آمناً، لكن لا أمان لكل من يعتاش على جراح الشعب المسكين، ويضحك على عقول البسطاء، ويأكل قوت الفقراء، إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب، ستشرق شمس الصباح، وتكشف زيف الادعياء، وسيحق الله الحق بكلماته ولو كره المشركون.

سيأتي اليوم الذي سيفضحهم الله فيه، وينبذهم الناس، ويسلط الله عليهم الضعفاء، فيقتصوا منهم ومن أبدانهم كل شيءٍ قضموه، وسيكونون لعنة في صفحة سوداء من التاريخ، وحينها ستنتهي أسطورة ابن الرب القابع على خيرات البلاد التي تحولت الى مولات ومتاجر ومزارع في لبنان والهند والسند.



اترك تعليقاً