السيمر / الاحد 21 . 02 . 2016
عادل حبه
الانتخابات البرلمانية الإيرانية على الأبواب، حيث ستجري في موعدها المقرر في 26 من شهر شباط/ فبراير الجاري. بالطبع لاتجري الانتخابات الإيرانية على نفس المعايير التي تجري فيها الانتخابات في الدول الديمقراطية. فلا يحق لخوض الانتخابات كل من يجري حذف اسمه من قائمة المرشحين من قبل مجلس حراسة الدستور، حسب نص موجود في الدستور الإيراني الذي جرى الاستفتاء عليه من قبل الشعب بعد انتصار الثورة الايرانية والإطاحة بنظام الشاه في عام 1979. علماً أن مجلس حماية الدستور هو هيئة غير منتخبة من قبل الرأي العام الإيراني، بل أن نصفه يتشكل من رجال دين يتم تعيينهم من قبل المرشد (السيد علي خامنئي حالياً) والنصف الآخر من حقوقيين مدنيين يجري انتخابهم من قبل الناخبين الإيرانيين. وكالعادة ومنذ تشكيل هذا المجلس منذ مرور 37 سنة على السلطة الدينية، فإن سيرته وأعماله تدل على أنه مجرد أداة بيد المرشد، خاصة في إطار صلاحيته في غربلة أسماء المرشحين المتقدمين للمشاركة في الانتخابات البرلمانية.
وعلى هذا الدرب شرع مجلس حماية الدستور بغربلة أسماء قرابة 12000 مرشحاُ ثبّتوا اسمائهم للمشاركة في الانتخابات القادمة. ولكن هذا المجلس حذف أسماء 60% من المرشحين المشكوك بولائهم للتيار المعتدل والإصلاحي والمستقل، وهو رقم يشكل ضعف عدد المرشحين الذين تم حذفهم من قبل مجلس حماية الدستور في الانتخابات الماضية. لقد أدى هذا الحذف إلى تهميش 80% من المرشحين الإصلاحيين والمعتدلين والمستقلين، وحذف جميع النساء المرشحات. وقد اعترض ريع هؤلاء “المحذوفين” على قرار الحذف من قائمة المرشحين، واستطاعوا العودة إلى قائمة المرشحين لخوض الانتخابات، ولكن تم حرمان البقية من خوض الانتخابات. وبذلك حُرمت دوائر انتخابية من مشاركة مرشحي المعتدلين والإصلاحيين والمستقلين. وطال الحذف حتى الإصلاحي السيد حسن الخميني حفيد الراحل آية الله روح الله الخميني. وقد علّق أحد المتابعين للشأن الإيراني على ذلك بقوله :” إنهم يريدون جمهورية إسلامية بدون رأي عام”.
هذا الموقف الأكثر تشدداً من السابق تجاه الذين يسعون إلى المشاركة في الانتخابات، والذي تتبناه المؤسسة الدينية المتنفذة والأجهزة الأمنية والقمعية كـ”حرس الثورة” والتعبئة”، ما هو إلاّ تعبير عن القلق من احتمال تسرب المعتدلين والاصلاحيين إلى مجلس الشورى وحصولهم على مقاعد أكثر لدعم المسار المعتدل للرئيس حسن روحاني، رغم القيود المفروضة في نصوص الدستور الايراني الملتبس على صلاحيات مجلس الشورى الأسلامي الايراني وعلى صلاحيات رئيس الجمهورية المنتخب من الشعب. وقد حذّر المتشدد علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى الحالي في الرابع عشر من الشهر الجاري من مغبة انتخاب عدد كبير من المستقلين الذين يقفون إلى جانب رئيس الجمهورية حسن روحاني. فقي جعبة رئيس الجمهورية جملة من المشاريع الإصلاحية لمعافاة الاقتصاد الإيراني والحياة السياسية في البلاد، مما يستدعي دعم مجلس الشورى لسياساته، لا أن يكون المجلس مؤسسة معرقلة وكابحة لمشاريعه. فعلى الرغم من النجاح الذي أحرزه الرئيس حسن روحاني في التوصل إلى الاتفاق النووي مع الدول الخمس، مما أسفر عن فك العزلة السياسية الدولية عن إيران، ورفع الكثير من العقوبات الاقتصادية ضد إيران، ومن ضمنها رفع الحجر عن الأرصدة الإيرانية في البنوك الغربية البالغة 120 مليار دولار، إلاّ أن إيران تواجه عجزاً في الموازنة يبلغ 2.2% من الناتج الوطني الإجمالي، وتراجع في انتاج النفط من 5.8 مليون برميل في اليوم عام 1978 إلى 2.8 مليون برميل الآن، إضافة إلى التدهور الخطير في أسعار النفط في الآونة الأخيرة. كما أن رئيس الجمهورية بحاجة ملحة إلى دعم مجلس الشورى من أجل تحقيق وعوده للناخب الإيراني في مجال إطلاق سراح السجناء والمحجوزين السياسيين والتخفيف من إجراءات تقييد الحريات الشخصية والعامة.
وعلى الرغم من كل التدابير السلبية التي يتخذها التيار المتشدد في السلطة الإيرانية، إلاّ هذه التيار يعاني من تفلص قاعدته الجماهيرية من ناحية، ومن ناحية أخرى فهو يعاني من التشتت وعدم القدرة على إعلان قائمة موحدة له لخوض الانتخابات القادمة، في حين أن التيار المعتدل والإصلاحي يشارك في النزال الانتخابي بقائمة موحدة على غرار ماحدث في الانتخابات الرئاسية الماضية. فقد فشل المتشددون آنذاك بسبب تشتتهم، وفاز المعتدلون بسبب وحدتهم. وربما سيتكرر هذا المشهد في الانتخابات البرلمانية الحالية، وستلحق الهزيمة بالتيار المتشددد المشتت. ويضاف إلى ذلك، فمن الصعب على مجلس حراسة الدستور أثناء غربلة المرشحين وحذف من يشك بولائهم التفتيش عن عقائد ونوايا كل المتقدمين للترشيح في الانتخابات بكل دقة. فالتيار المقابل يتمتع هو الآخر بمهارات و “حيل” ودعم شعبي تعاظم الآن بعد الاتفاق النووي، وهذا ما جرى في الانتخابات السابقة، حيث بادر مجلس حراسة الدستور إلى ممارسة نفس اللعبة وحذف من حذف، ولكن ذلك لم يقف حائلاً أمام تسرب العديد من المعتدلين والإصلاحيين إلى كراسي المجلس. فهل سيتكرر هذا المشهد؟
إن الانتخابات البرلمانية التي ستجري في الأيام القليلة القادمة، ستكون مشهداً لمواجهة وصراع حاد حاسم بين الجناح المحافظ والمعتدل وحكومة “التدبير والأمل” للرئيس حسن روحاني، كما يسميها رجل الشارع الإيراني، وبين المتشددين الإسلاميين الذين يسيطرون على الأجهزة الأمنية. فهذا التيار الأخير تعرض للاهتزاز والتبعثر بعد أن تبخرت أدواته الفكرية إثر جلوس المفاوض الإيراني مع ممثلي “الشيطان الأكبر” عند التوقيع على الاتفاق النووي كدلالة على سلوك نهج المصالحة مع الولايات المتحدة والغرب. فلم تعد شوارع طهران تشهد حرق الأعلام الأمريكية، وفتحت أبواب الأسواق الغربية أمام الإيرانين متمثلة في شراء 118 طائرة أوربية من طراز “أير باص” بمبلغ 27 مليار دولار. هذا التوجه للحكومة الإيرانية في الانفتاح على الخارج سيحد من القبضة الحديدية لحرس الثورة على الاقتصاد الإيراني الذي أشاع الفساد في الحياة الاقتصادية والسياسية في البلاد. كما أن جملة من التطورات الدرامية التي حدثت على الساحة الملتهبة في الشرق الأوسط، وخاصة التدخل الروسي ضد العصابات المسلحة الإرهابية في النزاع السوري، قد حد من التدخل الإيراني وتدخل حزب الله في المواجهات في سوريا، مما يضعف دور الجناح المتشدد في السلطة الإيرانية.
في الحقيقة إن الانتخابات الإيرانية تتسم بخصوصيات تفوق تلك الخصوصيات التي رافقت الانتخابات السابقة، إنها في الواقع حرب بين من يسعى إلى إشاعة قدر من الرفاه والاستقرار للشعب الإيراني والخروج من دائرة الاستبداد الديني، وبين من يسعى إلى التمسك بقوة بتلابيب النهج السابق من أجل تشديد قبضة الأجهزة الأمنية على كل مرافق الحياة الاقتصادية والاجتماعية والفكرية والإعلامية، كي تبقى إيران على حالة من العزلة بعيداً عن المؤثرات الحضارية والديمقراطية التي تتسرب إلى عالمنا المعاصر.