الرئيسية / مقالات / قبل التوقيع وبعده… هكذا نجحت إيران وحلفاؤها مرتين

قبل التوقيع وبعده… هكذا نجحت إيران وحلفاؤها مرتين

السيمر / الاثنين 18 . 01 . 2016

روزانا رمّال / لبنان

منذ أن بدأ التفاوض حول ملفها النووي وفي أقسى الظروف التي يمر بها حلفاؤها، لفتت الديبلوماسية الإيرانية الأنظار إلى قدرتها على إثبات صحة المواقف التي انتهجتها، ومن بينها بعض ما أثار الجدل وما فُسِّر ضعفاً أو عجزاً إيرانياً، فتبين في ما بعد أنه قدرة على إدارة الأمور ودراية بما يفكر فيه الخصم.
إيران التي عتب عليها كثر بسبب الرويّة التي تظهرها دائماً في المواقف والتي لا تأخذها إلى ردود فعل متسرعة، ولو كانت بوجه حقّ، لم تهتز قيد أنملة أو تتأثر بهذه الانتقادات ولو أتت من حليف أو صديق، فهي على ما يبدو غير مستعدة للتنازل عن ثوابت ديبلوماسية وفكرية تعتقد بنجاعتها، وإذ بها تتحوّل واقعاً.
منذ الاتفاق بين إيران والدول الغربية على إقفال الملف النووي سلمياً، راهنت الأطراف المعترضة كافة على عدم النجاح في الوصول إلى خواتيمه السعيدة، لأنّ إيران التي تدعم حركات إرهابية، في نظرها، بتصنيف المتضرِّرين منها غير قادرة على الانضباط أو ضبط حلفائها ولن تستطيع السيطرة على الأحداث المُتسارعة وعلى وابل الضغوط التي ستتعرض لها كخطة معتمدة لإفشال شهادة النجاح الأممية بالالتزام بمقرّرات الاتفاق.
أسهل شيء بالنسبة إلى أعداء إيران وخصومها مثل «إسرائيل» والسعودية، كان استفزازها من أجل الانجرار إلى مشهد يضع البدء بتنفيذ مقررات البيان في خطر، وعلى هذا الأساس حفلت الأشهر التي تلت إعلان الاتفاق بمحطات مفصلية وقاسية عدة عاشتها إيران التي وُضعت أكثر من مرة في مواقف لا تُحسَد عليها، وكان واضحاً أنها جاءت ضمن مخطط جرّها نحو الوقوع في الفخّ. وفي هذا الإطار، برز التقاء المصالح السعودية و»الإسرائيلية» بشكل أكبر منذ توقيع الاتفاق فتكثف العمل وازدادت الضغوط.
لم تكن حادثة بحجم كارثة الحج في منى سهلة التلقُّف بالنسبة لإيران وهي التي خسرت فيها مَن لهم مكانة ومهابة تكفيان لاعتبار الحادثة مقصودة ومندرجة ضمن إطار الحرب عليها أو اختلاق مشاكل معها، خصوصاً أنّ السعودية لم تُظهر أي تعاون من أجل التحقيق بالحادث أو حتى البتّ في موضوع الضحايا. من هنا أدركت إيران أنّ وراء هذا التعاطي استفزازاً مقصوداً حتى لناحية إخفاء الجثث وإصدار تصريحات ملتبسة، لا بل وعدم الاعتذار حتى الساعة. الأمر نفسه يتعلق بإعدام السلطات السعودية الشيخ نمر باقر النمر الذي يمثل رمزاً هاماً، وهو من العلماء الذين تدعمهم إيران وتعرف أنّ التهمة المسنودة إليه ما كانت لتكون لولا اعتبارها تعاملاً مع جهات خارجية، وتلقيه دعماً من أجل الانتفاض على نظام آل سعود، هذا بالإضافة إلى خطورة إعدام رجل دين شيعي وما له من تداعيات على النفوس المؤيدة في العالم الإسلامي، وإيران جزء لا يتجزأ من استقراره.
توقّع البعض أن يكون لإيران بعد إعدام الشيخ النمر ردّاً قاسياً في أي موطن من مواطن نفوذها، فتتلقاه السعودية رسالة قاصمة، في حين توقع البعض الآخر أن تسمح إيران للفوضى بأن تعمّ في شوارعها وشوارع دول الخليج واقتناصها فرصة لإعادة إحياء فرص المعارضة الخليجية في البحرين والسعودية للثورة مجدّداً، لكنّ هذا كله لم يحصل حتى الساعة، أي حتى ساعة الإعلان عن البدء بتنفيذ الاتفاق ورفع العقوبات المالية، ويضاف إلى هذه الاستفزازات عدد كبير من الخلايا بتهمة التعامل مع إيران، عدا عن محاولات عزلها ديبلوماسياً، خليجياً على وجه الخصوص، والضغط على حلفائها وأبرزهم حزب الله، مع حرب مفتوحة على اليمن عشية التوقيع على الاتفاق، لكنّ إيران لم تُستدرج إليها.
أحد الاستفزازات التي كان من المُمكن أن تقع فيها إيران بطريقة غير مباشرة كان اغتيال «إسرائيل» عميد الأسرى الشهيد سمير القنطار في دمشق، وذلك من أجل استدراج حزب الله حليفها أو حتى سورية إلى حرب أو عملية عسكرية تُتهم إيران على إثرها بدعم حليفيها سورية وحزب الله لتعريض أمن «إسرائيل» للخطر وفتح ملفات تزيد الأزمات تعقيداً، وهذا يتقاطع مع أسلوب «إسرائيل» نفسه عندما استهدفت، قبل التوقيع على الاتفاق النووي، موكباً لحزب الله في القنيطرة واغتالت ضابطاً إيرانياً رفيع المستوى والشهيد جهاد مغنية نجل القائد الشهيد عماد مغنية، وحينها أيضاً لم تُستفزّ إيران ومعها حزب الله والقيادة السورية أو تدعو إلى الانجرار إلى ردّ انفعالي يأخذ المنطقة إلى حرب فتنجح «إسرائيل» في استفزازها لطهران وتفسد كلّ مساعي إنجاح الملف.
نجحت إيران، ومعها حلفاؤها، مرتين إذاً قبل التوقيع وقبل التنفيذ في عدم الانجرار والوقوع في تجاهل متلازمة الوقت التي رفعتها إيران كعنوان عريض في أولوياتها، فكانت أن تحركت بروزنامتها سياسياً وديبلوماسياً، وفقاً لأولوية الانتصار في الملف النووي ورفع هذا الإنجاز دولياً والذي سيجعل منها دولة قرار واستقرار تدخل معه أي طاولة للمفاوضات مع حلفائها بقوة فلا شيء بعد يدعو إلى القلق.
أخيراً، تدرك إيران أنه لولا حلفائها، وأبرزهم حزب الله والدولة السورية والرئيس السوري بشار الأسد، ولولا ثباتهم وانسجام الحلف في ما بينهم، لما استطاعت ضبط إيقاع الأحداث وإحراز النصر وهي اليوم تهديه إليهم من دون استثناء. فهم شركاء رئيسيون في صناعته وكلّ مفاعليه داخلياً وخارجياً والأيام المقبلة ستكشف الأكثر.

البناء

اترك تعليقاً