السيمر / الأربعاء 20 . 01 . 2016
معمر حبار / الجزائر
بعد أن تمتع الجميع بمنظر قبر الرومية وأخذ صور تذكارية، إتجهنا خلف القبر حيث منظر البحر، وبائع الشاي الجزائري الأصيل، وقلب اللوز، والفول السوداني، فوافقني الجميع في جلسة جزائرية عربية أصيلة، على الأرض وعبر بساط عادي ، وحول طاولة صغيرة الحجم، نتبادل عبرها مسائل ثقافية طرحها الشباب، فكانت الإجابة دافئة دفء الشاي، والفول السوداني..
الهداية من الإعجاز.. بما أن أغلب الشباب متخصصين ومهتمين باللغة العربية والأدب العربي، فقد تطرق أحدهم إلى الإعجاز العلمي للقرآن الكريم، فكان تدخلي..
إن الذين أفرطوا في الاهتمام بالإعجاز العلمي فقدوا أهم شيء وهو الجانب الروحي، فأمسوا يتعاملون مع القرآن الكريم والسنة النبوية على أنها معادلات رياضية جافة دون جانب روحي يسيرهم ويهديهم، لأن الأصل في القرآن الكريم أنه كتاب هداية وتربية وليس كتاب طب أو جغرافيا أو فيزياء، لأن من مقاصد القرآن الكريم هي هداية الناس أجمعين، ونشر الهداية بين عباده أجمعين.
وعلى المهتمين بالإعجاز العلمي أن يدركوا أن لكل أمة ولكل جيل نصيب فهم من الإعجاز. ويبقى الإعجاز قائما مادام كتاب الله قائما. ويبقى الإنسان قاصرا على فهم الإعجاز كله مهما بلغ من معرفة الأسرار. ويبقى المرجع هو القرآن الكريم بإعجازه الخالد وليس الإنسان بفهم للإعجاز، الذي يبقى رأيا ونقصا في انتظار أن تكمله الأجيال التي تليه، ووهبت أفضل منه في الفهم، وزادت على ما استطاعت أن تقف عليه الأجيال السابقة.
تحدث أحد الأساتذة المهتمين بالتاريخ، فقال الأمير عبد القادر لم يستسلم إنما إنسحب، أقول موضحا..
خالد والأمير عبد القادر والأتراك.. سيّدنا خالد بن الوليد إنسحب بعد استشهاد 03 قادة عسكريين، وتسلم القيادة فجأة بعد أن إختاره الجميع، وبعد أن تعرّض جيش المسلمين إلى خسائر كبيرة، والروم يتفوقون على المسلمين بفارق كبير جدا، فلم يكن له بد إلا الانسحاب من المعركة.
وتكمن عظمة سيّدنا خالد بن الوليد، في أنه إنسحب دون خسائر تذكر، وتعجب الروم حين طلع نور الصباح من عدم وجود أيّ أثر لجيش المسلمين، بل إنسحاب خالد بن الوليد أثارت الرعب في الروم.
إذن هذه هي الطريقة التي تسمى إنسحابا، ويشكر ويعذر صاحبها، بل يشكر لأنه أبدع في الإنسحاب، وما عداها يسمى استسلاما.
وفي نفس الوقت، لايمكن أبدا مقارنة الأمير عبد القادر بسلاطين الأتراك، فالأمير عبد القادر ظلّ يقاوم حتى استسلم في النهاية، لكن سلاطين الأتراك حملوا حقائبهم بمجرد ماحط الاستدمار الفرنسي أرض الجزائر الطاهرة.
الجزائر الأمازيغية المسلمة.. أما في ما يخص الإسلام والأمازيغية في الجزائر، فقلت للفتية الذين تطرقوا للموضوع..
الأمازيع هم السكان الأصليين للجزائر، والفاتحين العرب فتحوا الجزائر ولم يكونوا أصحاب الأرض. ونحن كجزائريين نفتخر بكون أصولنا أمازيغية، وأن ربنا أنعم علينا برجال أدخلوا الإسلام إلى الجزائر، منذ 15 قرنا.
أردوغان كما أراه.. وفيما يخص أردوغان وعلاقة بالغرب والعجم، أقول لمن حولي من الشباب..
أردوغان كغيره من القادة السياسيين يسعى للطموح والنفوذ. وأردوغان يعتمد على الحلف الأطلسي ويتشبث به وإلى الأبد، ويريد الانضمام إلى الحلف الأطلسي مهما كانت الأسباب، ويسعى لإزالة منافسيه بكل ماأوتي من دعم، كإيران وسورية والعراق، ويستغل عاطفة العرب والمسلمين، ويحافظ على علاقاته الوطيدة مع الصهاينة ولا يتخلى عنها.
وبما أن أردوغان سياسي كغيره من الساسة، فلا يعبد إذن ولا يلعن. والتعامل معه يكون وفق مايقدمه للجزائر من مصالح. وحسب درجة إلتقاء المصالح وتضاربها، يكون القرب أو البعد. وما حققه لتركيا يبقى في ميزانه، وللمجتمع التركي أن يشكره أو ينتقده، ولا دخل لغير الأتراك بذلك.
عن السعودية أتحدث.. أما فيما يخص السعودية، فبعد أن تعمدت تخفيض أسعار النفط لإلحاق الضرر بروسيا وإيران، فإنها الآن تتعمد إلحاق الضرر بالجزائر، حين تصر على تخفيض أسعار النفط، وهي تعلم عواقبه، دون نكران تهاون الجزائر وعدم إستعدادها الكامل لمثل هذه الأزمات الطارئة وغير المنظرة.
بناء الجزائر.. أقول للصحفي الناشط سمير تاملوت Samir Tamaloult، ونحن على رصيف ميناء تيبازة، بناء الدولة كالبيت..
تنظر المرأة إلى البيت من الناحية الشكلية. والإبن ينظر إلى البيت من ناحية الكمال والمرح واللعب. والأب ينظر إلى البيت من ناحية الأمور الضرورية المطلوبة..
فلزم إذن تعاون الجميع ليقوم البيت على جميع الزوايا، لأنها مهمة في بناء البيت ولو إختلف الجميع في ترتيبها وأهميتها، والإخلال بواحدة منها يضر ولا ينفع.
الإبداع عبر القراءة.. أقول لأستاذ في مادة التاريخ، حدثني كثيرا عن مستوى الفئة المثقفة في الجزائر، فقلت..
تكتب بقدر ما تقرأ وتتلقى. وحين يعشق المرء القراءة والكتابة يبدع ويتميز، فالإبداع بقدر العشق. وأتذر وأنا طالب في الجامعة، كنت أتجنب السفر مع زملائي، وأفضل السفر بمفردي، حتى أتفرغ لقراءة الكتب التي أحملها معي. ومازلت أقرأ الكتب في الطابور، حتى أني أصبحت لا أتضايق أبدا من طول الطابور، لأن ذلك يساعدني على قراءة الكتاب وإتمامه. وكم من كتاب قرأته واهيته وأنا في الطابور.